"العين الإخبارية" تقتحم أوكار الفساد في لبنان.. مافيا جمعيات "النهب"
لا يخرج لبنان من وعكة إلا وينزلق لأخرى، فالبلد الذي هاجمته الأزمات من كل اتجاه يعاني اليوم من "مافيا" المساعدات أو الجمعيات المدنية سابقا
ودور الجمعيات المدنية غير الحكومية المعروفة بـ"إن جي أو"، تعزز في المجتمع اللبناني منذ سنوات عدة ولم يظهر دورها في كل الأزمات، من هنا "العين الإخبارية" اقتحمت العالم السري لهذه الجمعيات التي انتشر بها الفساد بشكل مخيف.
وشهدت السنوات الأخيرة طفرة كبيرة على جميع المستويات الاجتماعية والبحثية والعلمية والسياسية، وبأغلبيتها أسست بأهداف نبيلة للمساعدة المادية أو المساعدة في الرعاية وتقديم المشورات في تطوير المجتمع والحكم الرشيد وغيرها من القضايا التي تعتبر من الأساسيات على مستوى العالم.
وكما كل شيء في لبنان تسلل الفساد ضمن هذه الجمعيات، وأضحى جزء منها استثمارا من بعض الاستغلاليين يهدف جني الأموال، بالإضافة إلى ركوب الأحزاب السياسية والسلطة الحاكمة هذا المجال عبر إطلاق جمعيات بمسميات مختلفة تحت ستار مدني لكن بأجندة سياسية.
قفزة في المؤسسات والجمعيات
وفي السنوات الماضية مع طفرة المساعدات الدولية للمؤسسات كثرت المؤسسات المدنية والجمعيات، ومع بدء النزوح السوري تحولت أغلبها للعمل مع النازحين، فحيث المردود الأفضل تكثر الجمعيات، وبعد تراجع المساعدات تراجع أعدادها، وتزامناً مع ارتفاع جمعيات الإغاثة نشطت ظاهرة مجموعات الضغط السياسي المدنية والتي جميعها تكون ممولة من الخارج.
مع دخول لبنان عصر الانهيار، استعاد عدد من الجمعيات والمنظمات المدنية نشاطه، في ظل ترهل مؤسسات الدولة، والفساد المستشري فيها، إضافة إلى امتناع الدول التعاطي مع المؤسسات الرسمية، وقدمت نفسها بديلاً عن الدولة، وبدأت الدول التعاطي معها باعتبارها مؤسسات جديدة ونظيفة يمكن أن تؤسس إلى قيادة المستقبل، وأصبحت جميع المساعدات الدولية تمر عبرها لتوزع إلى الشعب اللبناني.
ملايين الدولارات
في لبنان كلام يدور عن مئات ملايين الدولارات أو مليارات دخلت في السنتين الأخيرتين، مخصصة للدعم الإغاثي والدعم السياسي من الدول، وتكثف حركة المساعدات بشكل كبير جداً بعد انفجار 4 أغسطس/ آب، ترافق ذلك مع طفرة جديدة من الجمعيات والمؤسسات المدنية غير الحكومية، ولكن في المقابل بدأ الحديث يتزايد عن فساد وهدر ضمن هذه الجمعيات وكان آخرها من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في انتقاد علني لجمعيات المجتمع المدني، قائلاً "لمن يهمه الأمر، ضاع الكثير من الأموال المخصصة للإغاثة الإنسانية وإعادة بناء المجتمع المدني بسبب الاحتيال والتبديد، وتابع في تغريدة باللغة الإنجليزية عبر حسابه على "تويتر": "معظم هذه الأموال صُرفت في دول تعرضت للغزو الغربي كأفغانستان، أما فيما يخص لبنان، الكثير من الأموال والمساعدات التي أتت عقب انفجار المرفأ ولكن السؤال هو كيف تم توزيعها؟
وبحسب المعطيات المتوافرة لـ"العين الإخبارية" من مصادر رسمية عملت على المسح بعد انفجار مرفأ بيروت أن أكثر من 300 جمعية مدنية قد سجلت عبر غرفة الطوارئ المشتركة في محافظة بيروت بهدف المساعدة، وجميع هذه الجمعيات فتح حسابات مصرفية وبدأ بتلقي المساعدات من الداخل والخارج.
ولكن على الأرض تبيّن أن أغلبية هذه الجمعيات والتي معظمها تلقى مساعدات لم تعمل أو قامت بأعمال قليلة جداً لا تذكر، ولم يعد يعرف عنها شيئاً بعد مدة قصيرة من الانفجار.
وتشير المعطيات أن بين الـ300 لا يزال فقط نحو 20 جمعية تعمل بشكل أساسي.
قاعدة معلومات مخفية
وفي الدخول في بعض تفاصيل الجمعيات والمساعدات التي قدمت، فهناك عدد كبير منها يرفض تبادل المعلومات التي يملكها لا مع الجهات الرسمية ولا حتى مع الناس تحت حجج أنها مسؤولة فقط أمام الممول أو الممولين وليس من شأن أحد الاطلاع على عملها ومساعدات وطبعاً هذه القضية بطابع إنساني يتناول حياة الأفراد وعدم فضح وضعهم الاجتماعي وغيرها من القضايا.
ولكن المفاجئ بحسب المعطيات أن هناك جهات ومؤسسات تقدمت بفواتير وتقارير عن أعمال منجزة، ليتم التأكد بعدها أنه لم تقم سوى بربع ما تقول إنها أنجزته، فمثلاً هناك عدد من الجمعيات تؤكد أنها أنجزت بشكل كامل عدد من الشقق ليتبين لاحقاً أنها قامت بتركيب زجاج فقط.
وكشف مصدر رسمي أن بعض الفواتير قدمت وتحدثت عن عمل بأكثر من مليون دولار ليتم الاكتشاف بعد الكشف على هذه الأعمال أنها لا تساوي أكثر من 150 ألف دولار وتم تضخيم الفواتير وتكبيرها لتصبح تعادل المبلغ المطلوب، ويشير إلى أن نحو 70% من الأموال التي دفعت ذهبت هدراً.
في المقابل وعلى الأرض كثيراً ما تسمع من متعهدي البناء أو الزجاج والألومنيوم بفرض الجمعيات تاجراً واحداً للتعامل معه، أو معملاً معيناً، دون سواه رغم ارتفاع أسعار بضاعته وهذا ما أخبره أحد تجار الدهان لـ"العين الإخبارية" الذين فرضت عليه إحدى الجمعيات شراء الطلاء من شركة معينة رغم تقديمه عرضاً بمواد أكثر جودة وأرخص ثمناً فكان العرض إما التعامل مع هذه الشركة أو نتعامل مع غيرك.
أين المساعدات؟
وبالعودة إلى تصريح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، فتسأل مصادره الجهات المانحة عن سبب حجب المساعدات عن الأحزاب السياسية التي تعرف تمام المعرفة حاجات الناس، وإذا كانت لا ثقة لديها بالأحزاب، فإعطاؤها الأموال لجمعيات ولناشطي المجتمع المدني الذين تحولوا إلى أحزاب سياسية تنافس على السلطة يعيد القضية إلى المربع الأول فهؤلاء أحزاب قديمة والآخرون أحزاب جديدة والاثنان يسعيان للاستقطاب والعمل السياسي وبالتالي نكون أمام تفريق الناس.
وتضيف المصادر، يحكى بمليارات الدولارات وصلت وتحدث المسؤول الأمريكي دافيد هيل عن 10 مليارات دولار، أين ذهبت؟ وأين هي الشفافية والبيانات التي تشرح كيف توزعت ولمن؟ومن هم هؤلاء الأشخاص الذين تلقوها؟ وماذا أنجزوا؟.
وتكشف عن أن العديد من المؤسسات العريقة في البلد والتي وجدت قبل وجود الدولة لم يصلها شيء.
وتختم المصادر بالتأكيد أن ما حكي عنه من مساعدات ينهض بالاقتصاد اللبناني من جديد، فيما العاصمة الذين يقولون إنهم أعادوا إعمارها ما زالت مدمرة، أما المساعدات فهي تذهب للجيوب ولا يستفيد سوى عدد قليل منها.
أهداف سياسية
في المقابل يرى رئيس شبكة المنظمات غير الحكومية للتنمية زياد عبدالصمد أن كل حديث عن فساد ضمن مؤسسات المجتمع المدني له أهداف سياسية محضة، ويعود لسبب واحد هو فقدان المجتمع الدولي ثقته بالمنظومة السياسية وعدم التعاون معها وحصر تعامله بهذه المنظمات بعدما كانوا يستفيدون هم من جميع التقديمات.
ويؤكد في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه عمليا لو ما كانت تصل هذه المساعدات كان وضع الشعب اللبناني بحالة الويل، مشيراً إلى أنه علينا النظر بإنصاف إلى عمل هذه المنظمات وماذا فعلت خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت وكمية المساعدات الهائلة التي قدمتها ومجموع الأعمال الذين قاموا بها، كما أن هذه المساعدات طالت الأراضي اللبنانية كافة وجميع الناس بعكس ما كانت تتعاطى الأحزاب التي توصل المساعدات إلى أنصارها فقط.
محاسبة دقيقة
ويؤكد أن هذه الجمعيات تخضع لمحاسبة دقيقة من المؤسسات والدول المانحة وهي ترسل مدققين إلى لبنان وتطلب حسابات واضحة، ولديها معايير شفافية واضحة على من يتعامل معها اعتمادها بشكل صريح وإلا لا يحصل على مساعدة.
ويلفت عبد الصمد إلى أن لدى أحزاب المنظومة في لبنان عددا كبيرا من الجمعيات التي تتعامل مع المجتمع الدولي، والمؤسسات وتعلم جيداً طريقة التعامل وقدر الشفافية والمحاسبة لدى هذه الدول والمؤسسات.
لا ينفي عبدالصمد أن يكون هناك أخطاء من قبل بعض الجمعيات، لكنه من المؤكد أن هناك مساءلة ومحاسبة وهناك عقود فسخت مع عدد قليل منها بسبب هذه الأخطاء، مبدياً في الوقت نفسه تفجاؤا من وقاحة الزعماء السياسيين الذين يطالبون بأموال الدعم الخارجي، وهم حصلوا عليه لعشرات السنوات ولم يقدموا شيئاً، وهم مستمرون بوقاحتهم ومن يرى التناتش على وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية التي يمكن أن تتلقى مساعدات من المجتمع يدرك ما أقول "بحسب وصفه".
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC42NSA= جزيرة ام اند امز