زيارة الأسد للإمارات.. رسائل ودلالات تتوج دبلوماسية السلام
زيارة ستكون "فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا والمنطقة جمعاء"، بتلك العبارة لخص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، النتائج المتوقعة من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات، أمس الجمعة.
وأجرى الأسد زيارة لدولة الإمارات، الجمعة، أجرى خلالها مباحثات منفصلة مع كل من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
رسائل ودلالات
زيارة الأسد لدولة الإمارات في هذا التوقيت تحمل الكثير من الدلالات والرسائل، كما تعيد التذكير بالعديد من المحطات الدبلوماسية والإنسانية التي ساندت فيها أبوظبي الشعب السوي.
ويحمل اختيار الرئيس السوري لدولة الإمارات لتدشين بدء عودته للحاضنة العربية، أكثر من رسالة، أبرزها التقدير الذي يحمله لدولة الإمارات في ظل موقفها الداعم لوحدة الأراضي السوية ودعمها لحل سياسي للأزمة السورية.
الدلالة الثانية للزيارة هي إدراك الرئيس السوري جيدا لحجم ومكانة وثقل دولة الإمارات التي تترأس حاليا مجلس الأمن الدولي لشهر مارس/ آذار الجاري، في المجتمعين الدولي والعربي، فضلا عن قيادتها دبلوماسية نشطة لتعزيز الأمن والسلام في العالم، ودور رائد في تعزيز التضامن العربي.
أما الدلالة الثالثة، فتتمثل في ثقة الأسد بالقيادة الإماراتية ومواقفها الشجاعة وإدراكه سعيها الدؤوب لحل أزمة بلاده.
الدلالة الرابعة هي إدراك الأسد جيدا أن أبواب دولة الإمارات التي فتحت أمامه، ستكون بداية لفتح الكثير من الدول العربية أبوابها أمامه اقتداء بها ودعما لتوجهاتها الداعمة للتضامن العربي وحل الأزمة السورية، إذ أن سياسة دولة الإمارات دائما ما تكون ملهمة للعديد من الدول العربية التي تثق في رجاحة رؤيتها وحكمة قيادتها.
سر التوقيت
ومن حيث التوقيت، تعد زيارة الأسد، هي الأولى له لدولة عربية منذ اندلاع الأزمة في بلاده قبل 11 عاما.
كما أن الزيارة تحمل بعدا لافتا، يتمثل في أنها تأتي بالتزامن مع ذكرى اندلاع الأزمة السورية منتصف مارس/ آذار عام 2011، في رسالة ضمنية في هذا التوقيت بأن سوريا بدأ تتلمس الخطى لحلول لتلك الأزمة، وأن الأسد يدرك جيدا أن زيارة دولة الأمارات ستكون محطة فارقة على طريق حل تلك الأزمة.
وبالإضافة إلى ذلك، تأتي الزيارة قبل نحو 7 شهور من القمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتفتح زيارة الأسد لدولة الإمارات، مجددا الباب أمام احتمال عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية، بعد أن علّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ نهاية نوفمبر/تشرين ثاني 2011 عضوية سوريا في الجامعة العربية، عقب اندلاع أزمتها.
محطات هامة
تلك الدلالات والرسائل تستند إلى محطات إنسانية ودبلوماسية هامة ساندت فيها دولة الإمارات سوريا على الدوام.
وتؤمن دولة الإمارات بالحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة السورية، ومرارا أكدت ذلك في كل المؤتمرات الدولية والمباحثات الثنائية، مشددة على دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة، إلى جانب جهود الوساطة الدولية الأخرى الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق سلام في سوريا بناء على مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254.
كما أكدت مرارا وتكرارا رفضها للتدخل الأجنبي في الشأن السوري، والتشديد على أهمية وجود دور عربي فعال في سوريا، ومساعدة السوريين في العودة إلى محيطهم العربي.
ومرارا وفي أكثر من محفل دولي، أكدت الإمارات أن الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وشددت على أهمية إيجاد دور عربي فاعل في جهود الحل السياسي ومساعدة سوريا في العودة إلى محيطها العربي.
وترجمت دولة الإمارات، هذا التوجه على أرض الواقع عبر أكثر من محطة، بدأتها بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق ديسمبر/كانون أول 2018.
وفي مبادرة إنسانية رائدة، تجاوزت فيها الإمارات الحسابات السياسية الضيقة، وأعلت التضامن الإنساني، مؤكدة أنها ستبقى على الدوام خير سندٍ لأشقائها وأصدقائها وللإنسانية جمعاء، إيمانا منها بأن التضامن الإنساني بين الشعوب راسخ، والخلاف السياسي عابر مهما امتد.
مبادرات إنسانية
وفي ترجمة عملية لتلك المبادئ والقيم، جاء الاتصال الهاتفي الذي أجراه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس السوري بشار الأسد في 27 مارس/آذار من عام 2020 مع بدء تفشي الفيروس، لبحث دعم الشعب السوري جراء تفشي جائحة كورونا.
ولا يزال العالم يذكر الكلمات التي يخلدها تاريخ الإنسانية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الاتصال، حين قال إن "سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة".
مبادرة إنسانية رائدة أتبعتها أبوظبي بمبادرة سياسية جديدة، حيث دعا الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، في مارس/ آذار الماضي إلى ضرورة عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية.
وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، بالعاصمة أبوظبي، آنذاك، إنه من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود لجامعة الدول العربية، وهذا يتطلب جهدا أيضا من الجانب السوري كما يتطلب جهدا من "الزملاء في الجامعة العربية".
وأضاف أن الأمر يتعلق بالمصلحة العامة، أي مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة، لافتا إلى أن هناك "منغصات" بين الأطراف المختلفة، لكن لا يمكن سوى العمل على عودة سوريا إلى محيطها.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالا هاتفيا من الرئيس بشار الأسد جرى خلاله بحث علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة.
كما تناول الاتصال تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط إضافة إلى مجمل القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك.
وفي زيارة نوعية، أجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، زيارة إلى سوريا، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هي الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من 10 أعوام، تستهدف دعم عودة دمشق إلى حاضنتها العربية.
الزيارة التي وصفتها دمشق بأنها "خطوة شجاعة" بدأت تمهد أجواء عودة سوريا المرتقبة إلى الحاضنة العربية.
مسارات جديدة للتعاون
تلك المحطات توجتها الإمارات، باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد، مساء الجمعة، في أول زيارة لدولة عربية.
وحرص الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، خلال مباحثاتهما مع الأسد على نقل رسائل إنسانية وسياسية تؤكد دعم بلادهما للشعب السوي والدفع قدما بحل أزمته.
وأعرب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال لقائه الأسد، في استراحته في المرموم بدبي، عن خالص أمنياته لسوريا الشقيقة وشعبها الكريم أن يعم الأمن والسلام كافة أرجائها وأن يسودها وعموم المنطقة مقومات الاستقرار والازدهار بما يعود على الجميع بالخير والنماء.
وتناول اللقاء مجمل العلاقات بين البلدين وآفاق توسيع دائرة التعاون بما يرقى إلى مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين نحو المستقبل، ويخدم مستهدفات التنمية الشاملة لدى الطرفين، وبما يعزز من فرص السلم والاستقرار في سوريا والمنطقة على وجه العموم.
كما تطرق النقاش إلى استعراض الأوضاع الراهنة في سوريا، وكذلك مختلف المستجدات على الساحتين العربية والدولية، ومجمل الموضوعات محل الاهتمام المشترك.
وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حرص دولة الإمارات على اكتشاف مسارات جديدة للتعاون البنّاء مع سوريا، ورصد الفرص التي يمكن من خلالها دفع أوجه التعاون المختلفة قُدماً بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين.
بدوره أعرب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الأسد في قصر الشاطئ بأبوظبي عن تمنياته أن تكون هذه الزيارة فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا الشقيقة والمنطقة جمعاء.
وبحث الجانبان العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين بما يحقق مصالحهما المتبادلة ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
وناقش الجانبان خلال اللقاء عددا من القضايا محل الاهتمام المشترك وتأكيد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية إضافة إلى دعم سوريا وشعبها الشقيق سياسياً وإنسانياً للوصول إلى حل سلمي لجميع التحديات التي يواجهها.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن سوريا الشقيقة تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية.
كما تبادلا وجهات النظر وموقف البلدين تجاه مجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.