الباحث الفاضل أبوعاقلة لـ"العين الإخبارية": التراث خبرة إنسانية
أصدر نادي تراث الإمارات، ضمن إصداراته المشاركة في "معرض الشارقة للكتاب" كتاباً بعنوان "سرديات من التراث الشفاهي الإماراتي"، وهو للباحث الفاضل يوسف أبوعاقلة وهو باحث وصحفي متخصص بالتراث.
ويأتي الكتاب في 180 صفحة، ويضم 37 سردية عبر حوارات أجراها الباحث مع رواة عاصروا مرحلة ما قبل النفط، ومعظمهم من جيل كبار السن ومن رفاق المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وتدور السرديات حول تفاصيل تراثية، واجتماعية ورياضية وتجارب إحياء التراث ودعمه.
في تصريحاته لـ"العين الإخبارية"، يقول الفاضل أبوعاقلة: "لقد عملت في الصحافة التراثية زهاء 10 سنوات، تنقلت خلالها بين عدد من المجلات المعنية بالتراث، ثم انتقلت بعدها للعمل في مجلة (تراث) التي أتاحت لي الفرصة لتغطية الفعاليات التراثية الكبرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي فرصة تعلمت منها أهمية تطوير ملكة خاصة في تغطية الأحداث التراثية تجمع بين الماضي والحاضر، إذ لا يخفى على المتمعن في الشأن الثقافي بالدولة، الاتجاه الاستراتيجي نحو خلق توازن بين الثقافة الحديثة المنفتحة على العالم، وبين التراث الذي يقدم هوية الدولة وأصالتها إلى العالم".
وعند سؤاله ماذا يقصد بالصحافة التراثية؟ يوضح أبوعاقلة: "ربما تبدو عبارة الصحافة التراثية غريبة الوقع على الأذن، ولم تجر بها الألسن في الأوساط الصحافية أو الثقافية التي تشمل – ضمن صحافتها – التراث بالطبع، إلا أن هذه الغرابة قد تتبدد إن وضعناها في سياق الاتجاه العالمي المتسارع صوب التخصصية في ظل الانفجار المعرفي الذي يتزايد في كل ثانية، مما حتّم أن تنفصل علوم عن علوم، وتخصصات عن تخصصات، نسبة لثراء الأفرع بالبيانات إلى حدٍّ يخرجها من هذه الفرعية ويسمح بتعميدها حقلاً قائماً بذاته، بالتوازي مع الحاجة إلى إيجاد مساحات عمل جديدة في ظل المنافسة العالية وضيق حقول العمل القديمة".
ويضيف: "لم يكن في ذهني عند بدايات عملي الصحفي غير أنني أعمل ضمن (الصحافة الثقافية) بمعناها الشامل، المختلف عن الصحافة المعنية بالأدب وتتماسّ بطريقة ما مع المنوعات، التي يشيع تسميتها بالثقافية وتجدها منتشرة في الصحف والمجلات، لكن مع مرور الوقت وتزايد الدربة على الملاحظة، بدأت الانتباه إلى الفروقات التي تصلح لأن تصير أساساً لانفصال هذا الضرب من الصحافة عن الشجرة الأم".
يشير الفاضل أبوعاقلة إلى أن العمل في مؤسستين توليان التراث أهمية قصوى، وهما "مركز سلطان بن زايد"، و"نادي تراث الإمارات"، وفر له البيئة المناسبة للبحث والتواصل مع الفاعلين في الشأن التراثي، منهم الباحثون والخبراء والأكاديميون وكبار المواطنين. يقول: "زودتني الحوارات معهم بأفق جديد ومختلف للنظر إلى التراث بشكل عام، وتراث دولة الإمارات العربية المتحدة تحديداً؛ نظرة تخرج به إلى رحاب الحياة اليومية بدلاً من كونه مجرد منقولات جامدة مادية أو غير مادية، معزولة عن التفاعل الواجب حدوثه حين تسكين التراث في البيئة كما ينبغي له، والمحافظة على اتصاله وتسلسله الاجتماعي جيلاً بعد جيل، لكونه سيرورة وخبرة إنسانية".
يوضح أبوعاقلة أن مولده ونشأته في دولة الإمارات العربية المتحدة، ودراسته في مدارسها، كان له الأثر الكبير في سهولة تلقي التفاصيل وتحليلها، وفهم التراث بوصفه ممارسة في الأساس، يقول: "طفولتي كانت مترعة بألعاب الصبيان التقليدية، وقد عايشت الأعياد وفقاً لتفاصيلها الخاصة في الإمارات، ولبست الكندورة وهي الزي المدرسي إلى وقت تخرجي، وأكلت الهريس، والثريد، والبلاليط، وتفاعلت مع اللهجة والأغاني، وتشربت الثقافة الفريدة للإمارات التي تتجاور مع الثقافات الخاصة بكل من يسكن أرضها في تكامل وتفاعل صحي من دون صراع أو هيمنة".
يشير أبوعاقلة إلى أن كثيرا من الشخصيات التي حاورها في الكتاب كان يعرفها منذ صغره، مثل: الشيخ مسلم بن حم العامري، والإعلامي الرياضي المعروف يعقوب السعدي، يقول: "ما يسعدني التعرف على جوانب أكثر قرباً في السيرة العطرة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذي كنا نتناقل سيرته ونحن أطفال بشيء من الفخر والفرح، وحين توزيع الدفاتر بداية العام الدراسي كنا نتنافس على تلك التي تحمل صورته، لذا أعد نفسي محظوظاً أنْ سمعتُ سيرته ودونتها في حوارات صحفية من أفواه من عايشوه وقضوا سنوات في رفقته".
يؤكد الفاضل أبوعاقلة على السياق الذي جاء فيه جمع مادة الكتاب، ويقول: "على الرغم من أنني لست أدعي أن أحداً لم ينتبه من قبل إلى وجود هذه الصحافة التراثية التي أشرت إليها، إلا أن المؤكد ندرة إن لم يكن انعدام الإصدارات التي تجمع المواد الصحفية التراثية بين دفتي كتاب بدلاً من تركها ليجرفها نهر الاستخدام المؤقت للوسائط الإعلامية المقروءة، صحفاً ومجلات".
وأخيرا دعا أبوعاقلة إلى مزيد من التخصيص للتراث إعلامياً، لاسيما في المطبوع من المجلات وملفات الصحف لتزيد النسبة المخصصة له حالياً بما يوازي مكانته وتأثيره في المجتمع الإماراتي، وهو الأمر الذي يسهم حسب رأيه بفتح آفاق جديدة لصنع اهتمام قاعدي بالتراث وليس أكاديمياً فقط، لاسيما أن المجتمع الإماراتي يعشق تراثه ويتمثله في حياته، وهو بالتأكيد يرحب بالمزيد.