عبد القادر بن صالح.. رحيل "منقذ" الجزائر
قاد الجزائر إلى بر الأمان بأصعب مراحلها السياسية ونجح في واحدة من أكثر محطات البلاد اضطرابا قبل أن يهزمه مرض عضال ويجبره على الترجل.
وتُوفي، اليوم الأربعاء، الرئيس الجزائري السابق عبدالقادر بن صالح، عن عمر ناهز 80 عاماً بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وفق ما أعلن التلفزيون الرسمي بالجزائر.
وبرحيله، تودع الجزائر بأسبوع واحد ثاني رئيس سابق لها، بعد عبد العزيز بوتفليقة الذي توفي في الساعات الأولى من يوم السبت الماضي، عن عمر ناهز 84 عاماً بعد صراع طويل مع المرض.
- الجزائر تبكي مجددا.. وفاة الرئيس السابق عبدالقادر بن صالح
- وفاة "بوتفليقة" الرئيس الذي بدل قدَر الجزائر مرتين
وقد تكون من غرائب السياسة في الجزائر كما يراها البعض، أن يرحل رئيس سابق والرئيس الذي خلفه بأسبوع واحد، وهما الرجلان اللذان كان الرقم الأول والثاني في حكم الجزائر خلال عقدين من الزمن.
رحل الرئيسان اللذان توليا أكبر المسؤوليات بالجزائر طوال نحو عقدين كاملين في ظروف حساسة، إذ تقلد بوتفليقة دفة الحكم والجزائر تبكي همجية الإرهاب ليجعل منه ماضٍ "لا يؤسف عليه".
أما الرئيس الراحل عبد القادر بن صالح، فتولى الحكم لمدة لم تتجاوز 7 أشهر، لكنها كانت ثاني أخطر مرحلة سياسية تمر بها الجزائر، بعد فترة تسعينيات القرن الماضي المعروفة بـ"العشرية السوداء" نتيجة تغول هجمات الجماعات الإرهابية، وخلفت مقتل زهاء ربع مليون جزائري.
الرئيس المنقذ
تولى بن صالح رئاسة البلاد مؤقتاً خلفاً للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بصفته رئيساً لمجلس الأمة، وفق ما يخوله الدستور الجزائري، حيث يعتبر هذا المنصب "ثاني رجل في هرم الدولة الجزائرية" أو نائباً "غير معلن" لرئيس البلاد.
عُرف بن صالح بـ"قلة كلامه" وهدوئه ورزانته وحتى "خجله"، وكان متحدثاً بارعاً باللغة العربية، وقد تكون تلك الصفات التي جعلته يعبر بالجزائر نحو بر الأمان وسط حالة من الغليان الشعبي غير المسبوقة.
7 أشهر حكم فيها بن صالح الجزائر، بدأها قوي البنية، وختمها بوجه شاحب وضعيف البدن، هي المسؤولية الثقيلة التي حفزت مرض السرطان على نهش جسد بن صالح.
ورغم حالة الهيجان الشعبي والمسيرات المليونية التي كانت تخرج كل جمعة مطالبة بإصرار على رحيل جميع رموز النظام السابق، إلا أن الرئيس السابق بن صالح وبمرافقة الجيش، تمكنوا من تجاوز تلك المرحلة الصعبة "دون إراقة دماء".
وفي الوقت الذي تم فيه الزج بأغلب رموز النظام السابق، إلا أن اسم بن صالح بقي بعيدا عن أي شبهة فساد، فقد عرف عنه نزاهته وابتعاده عن أضواء حاشية النظام السابق.
غادر بن صالح الحياة، بعد أن حقق ما يعتبره كثيرون بـ"المعجزة السياسية"، عقب إسهامه في نقل الجزائر إلى بر الأمان وتنظيم انتخابات رئاسية عجلت بـ"قطع سيناريو انهيار مؤسسات الدولة".
ويعتبر عبد القادر بن صالح ثاني رئيس مؤقت في تاريخ الجزائر بعد الراحل رابح بيطاط الذي خلف مؤقتاً الرئيس الأسبق الراحل هواري بومدين عقب وفاته 28 ديسمبر/كانون الأول 1978 لمدة 45 يوماً، انتخب خلالها الشاذلي بن جديد رئيساً جديداً للبلاد.
الرئيس المؤقت
عبد القادر بن صالح الذي برز اسمه في تسعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال، وكان أيضا خامس "رئيس للدولة" في تاريخ الجزائر، بعد رابح بيطاط (1979)، ومحمد بوضياف (1992) وعلي كافي (1992 – 1994)، واليامين زروال (1994 – 1995)، ورئيس الدولة هو الشخصية التي تتولى رئاسة الجزائر في ظروف استثنائية سواء بموجب الدستور في حالة الشغور، أو في حالات استثنائية "فرضت العمل خارج إطار الدستور" كما حدث في أزمة التسعينيات.
وعبد القادر بن صالح الأب لأربعة أبناء، ولد في 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941 بمنطقة "بني المهراز" في محافظة تلمسان (غرب الجزائر) ومن أصول مغربية.
ويعتبر رئيس الجزائر المؤقت من جيل الثورة التحريرية (1954 – 1962)، حيث التحق بصفوف جيش التحرير الوطني الذي حارب الاستعمار الفرنسي عام 1959 انطلاقاً من المملكة المغربية، وكان عمره حينها 18 سنة.
كُلف بن صالح في الثورة التحريرية الجزائرية بزرع ونزع الألغام، قبل أن ينتقل إلى قرية "بزغنغن" القريبة من مدينة الناظور المغربية، حيث أصبح محافظاً سياسياً إلى غاية استقلال الجزائر عام 1962.
وفي العام نفسه، طلب بن صالح تسريحه من جيش التحرير الوطني، واستفاد من منحة دراسية إلى جامعة دمشق، التي حصل منها على شهادة بكالوريوس في الحقوق.
ومع ذلك، لم يلتحق عبد القادر بن صالح بالقضاء، بل عمل صحفياً بيومية "الشعب" الجزائرية الحكومية عام 1967، ثم مراسلاً ومديراً لمكتب الشرق الأوسط في مجلة "المجاهد" الحكومية الأسبوعية، وصحيفة "الجمهورية" اليومية.
وخلال الفترة الممتدة من 1970 إلى 1974، شغل منصب مدير المركز الجزائري للإعلام والثقافة ببيروت، وأشرف خلالها على إصدار مجلة "الجزائر: أحداث ووثائق"، ثم مديراً عاماً لصحيفة "المجاهد" الحكومية من 1974 إلى 1977.
وفي عام 1977، قرر بن صالح العودة إلى النشاط السياسي، وانتخب نائباً برلمانياً عن محافظة تلمسان (غرب الجزائر) لثلاث مرات متتالية، ما سمح له بالبقاء في منصبه 15 سنة كاملة، وتولى خلالها رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الجزائري لمدة 10 سنوات.
التحق بعدها رئيس الجزائر المؤقت بالسلك الدبلوماسي عام 1989، حيث عين سفيرا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية، وممثلا دائماً لدى منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وبعدها جرى تعيينه في منصب مدير للإعلام وناطقاً رسميًا لوزارة الخارجية الجزائرية.
في أكتوبر/تشرين الأول 1993، أصبح بن صالح عضواً وناطقاً رسمياً "للجنة الحوار الوطني" التي قادت الحوار والتشاور بين مختلف القوى السياسية وممثلي المجتمع المدني، وأعدت ندوة الوفاق المدني في فبراير/شباط 1994 التي انبثقت عنها أرضية الوفاق الوطني والأخيرة تشكلت بموجبها هيئات المرحلة الانتقالية في مرحلة الأزمة التي واجهت البلاد يومها، وتعيين اليامين زروال رئيساً للدولة.
وفي مايو/أيار 1994، انتخب عبد القادر بن صالح رئيساً "للمجلس الوطني الانتقالي" (برلمان انتقالي) لمدة 3 أعوام، وهي الهيئة التي أوكل لها مهمة التشريع خلال المرحلة الانتقالية.
وفي فبراير/شباط 1997، أسس بن صالح عن مجموعة من السياسيين حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يرأسه حالياً رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، وحصل خلالها على أغلبية مقاعد البرلمان الجزائري في تشريعيات 1997.
وبعد فوزه بمقعد برلماني عن محافظة وهران (غرب الجزائر) انتخب عبد القادر بن صالح رئيساً لـ"أول برلمان تعددي" بتاريخ الجزائر في 14 يونيو 1997، وانتخب في فبراير/شباط 2000 رئيساً لاتحاد البرلمان العربي لعامين، ورئيساً للاتحاد البرلماني الأفريقي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2004.
وفي 2 يوليو 2002، انتُخب عبد القادر بن صالح رئيساً لمجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري) أو كما يسمى أيضا "مجلس الشيوخ"، وأعيد انتخابه بالمنصب ذاته في 11 يناير/كانون الثاني 2007، وفي 10 يناير 2016.
عقب ما عُرف بـ "احتجاجات السكر والزيت" بالجزائر، عين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2011 عبد القادر بن صالح رئيساً "لهيئة المشاورات الوطنية"، وهي اللجنة التي تولت قيادة المشاورات مع الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وشخصيات وطنية، وخلصت إلى وضع تقرير عن هذه المشاورات تتضمن جملة من الإصلاحات السياسية.
وفي 2013، عاد بن صالح لتولي الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي إلى غاية 2015.
ثقة دائمة
خلال هذه الفترة، كان رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح ممثلاً للرئيس الجزائري في مختلف المحافل الدولية، ومثّل الجزائر في القمم العربية السنوية وقمم الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الاسلامي.
وبعد غياب الرئيس الجزائري عن المشهد منذ 2013 بسبب وضعه الصحي، عوّض رئيس مجلس الأمة بوتفليقة في استقبال قادة الدول، بحكم هرمية السلطة الجزائرية، حيث ينص الدستور الجزائري على أن رئيس مجلس الأمة هو الرجل الثاني في الدولة، ورئيس المجلس الدستوري هو الشخصية الثالثة، وبإمكان الأخير تولي "رئاسة الدولة" في حال شغور منصبي رئاسة الجمهورية ومجلس الأمة.