تسقيف المهور للقضاء على العنوسة في الجزائر.. خطة شعبية بديلة
"أقلهن مهرا أكثرهن بركة"، لم تعد "تلك البركة" الهدف المنشود في الجزائر، بل "أقلهن مهرا أكثرهن زواجاً" مع تزايد نسب العنوسة في البلاد.
وانتشرت في الجزائر مؤخرا مبادرات لـ"تسقيف المهور" بعدد من المحافظات، خصوصاً بوادي سوف (جنوب) والمسيلة وخنشلة وأم البواقي (شرق) بهدف تسهيل زواج الشباب والحد من ظاهرة العنوسة المتفشية منذ عدة سنوات بالجزائر.
- "لا تسكني وحدك بل مع والدتي".. حملة غريبة للمقبلين على الزواج بالجزائر
- كورونا يدفع آلاف الجزائريين إلى مكاتب الزواج.. ومخاوف من كارثة
وقرر أعيان عدة محافظات جزائرية تسقيف مهور الزواج عند مبلغ 8 ملايين دينار أي ما يعادل 593 دولارا و10 ملايين دينار (742 دولارا أمريكيا)، بعد أن كان المبلغ يتعداه بالضعف أو أكثر.
ولقيت المبادرات استحسان شباب تلك المناطق، معتبرين أن تكاليف الزواج تبقى أكبر عائق أمامهم لإكمال نصف دينهم.
فيما امتدت المبادرة إلى معظم الولايات، حيث طالب رواد مواقع التواصل بتعميم المبادرة على كل محافظات البلاد لما سموه "إنقاذ الشباب من الضياع والعنوسة".
نقاش حاد
ورغم حالة الترحيب العارمة التي عبر عنها شباب تلك المحافظات الجزائرية، إلا أن طرح المبادرة وأهميته ومدى نجاعتها في الحد من ظاهرة العنوسة قابله "نقاش حاد" بين الجنسين عبر منصات التواصل وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
وكانت "سيدرا برلين" من أكثر الناشطات عبر موقع "فيسبوك" التي جمعت في تعليقها آراء جزء من الفتيات والنساء بـ"منطق تجاري وإنساني" حول مبادرة تسقيف المهور، وحذرت مما اعتبرته "إهانة الزوجة".
وذكرت في تعليقها قائلة: "صحيح المهر عائق عند أولاد الحلال الذين يطالبون بالحلال، ولكن ذلك لا يعني أن تأخذ بنت الناس ينصف قيمتها وتعود لإهانتها بأنك تزوجتها بالمجان، هي قبلت بك وتفهمت وضعيتك، كن أنت أيضا متفهماً لها وصنها يصونك الله ويرزقك أولادا صالحين".
أما ناشطة أخرى تدعى "أولادي سر سعادتي" فقد نظرت للمبادرة من زاوية أخرى من خلال تعليقها الذي قالت فيه: "لا يهمني المهر، ما يهمني أن يكون الرجل رجلا، يملك بيتاً يجمع فيه عائلته وأبنائه ويعيشون في أمان، ومن لا يملك منزلا سيبقى يعيش في المشاكل".
بينما قلل شباب آخرون من أهمية تسقيف المهور، وطرحوا "إشكالات أخرى" تواجههم عند الزواج مثلما ذكر "عبد الغاني" في تعليق قال فيه: "المهر اتركوه جانباً، نريد تسقيف ظاهرة أريد منزلي لوحدي، في هذه الحالة الجميع سيتزوج".
ويقصد الناشط بذلك ظاهرة أخرى في المجتمع الجزائري بحسب ما تؤكده وسائل الإعلام المحلية والحقوقيون، وهي اشتراط المرأة قبل زواجها أن يكون لها منزل مستقل عن منزل عائلة خطيبها.
ويجد الكثير من الشباب الجزائري صعوبة في تلبية شروط الخطيبة، بالنظر إلى ارتفاع إيجار المساكن، واشتراط أصحابها عقودا لا تقل عن عام، الأمر الذي يتطلب بحسبهم ميزانيات ضخمة من أجل المهر وتكاليف الزواج والكراء وحاجيات المنزل.
وليس ذلك هو العائق الوحيد بحسب شهادات كثير من الشباب الجزائري، إذ ذكر كمال البالغ من العمر 45 عاما أسباب عدم تمكنه من الزواج في هذا السن.
وذكر في حديث مع "العين الإخبارية" أن ما واجهه من صعوبات هي نفسها العوائق التي يمر بها كثير من شباب الجزائر، وتحدث عن تكاليف الزواج التي قال إنها "تبقى باهظة" في الجزائر، مرجعاً ذلك إلى سيطرة العادات والتقاليد على تفاصيل الزواج "دون مراعاة تغير الأوضاع الاجتماعية".
وكشف عن تجاربه "الفاشلة" للارتباط بـ5 فتيات بسبب ما قال "اشتراط عائلاتهن مهورا خيالية تصل إلى 30 مليون دينار (2226 دولار) وقطع من الذهب الذي تبقى أسعاره مرتفعة جدا، وكذا إقامة حفل الزفاف في قاعة خاصة أدنى أسعارها 15 مليون (1113 دولار)".
مضيفاً "والأكثر من ذلك، معظمهن رفضن أن نبدأ حياتنا في بيت أهلي واشترطن منزلا مستقلا، وهو ما يتجاوز إمكانياتي، فراتبي لا يتعدى 5 ملايين دينار، وفي هذه الحالة أجد نفسي مقبلا على قفص الديون وليس القفص الذهبي".
11 مليون عانس
وتؤكد الأرقام الرسمية بأن الجزائر تبقى من أكثر دول العالم التي تعاني من ظاهرة ارتفاع نسب العنوسة وسط الجنسين.
ويبلغ عدد العوانس في الجزائر نحو 11 مليون امرأة بزيادة سنوية تقدر بنحو 200 ألف سنوياً.
و11 مليون امرأة عانس في الجزائر كلهن يفوق سنهم 25 سنة، بينهم 5 ملايين فوق سن الـ35، وفق أرقام رسمية من الديوان الجزائري للإحصائيات.
بينما ينتقد أخصائيو علم الاجتماع في الجزائر حصر مصطلح "العنوسة" على النساء والفتيات، ويؤكدون بأنه يشمل الذكور منهم، معتبرين أن الأرقام المعلن عنها أكبر في حال إضافة الرجال "العوانس".
في مقابل ذلك، خالفت الجزائر التوقعات منذ العام الماضي، وسجلت ارتفاعاً كبيرا في عقود الزواج "في عز جائحة كورونا" رغم إجراءات تعليق عقود الزواج وغلق قاعات الأعراس ومنعها حفلات الزفاف حتى بالبيوت.
وقدمت عدة بلديات جزائرية أرقاماً قالت إنها "معتبرة" لعقود الزواج منذ العام الماضي، بينما اعتبر جزائريون أن "الزواج في زمن جائحة كورونا" أحسن طريقة لتفادي تكاليف الزواج، حيث لا يكون هناك زفاف ولا قاعة أفراح ولا إطعام مدعوين.