"لا تسكني وحدك بل مع والدتي".. حملة غريبة للمقبلين على الزواج بالجزائر
فتيات جزائريات يشترطن الاستقلالية عن أهل الزوج وشباب مقبل على الزواج يطلق حملة "متسكنيش وحد تسكني مع يما" رفضا لشروط زوجة المستقبل.
أطلق شباب جزائريون من مختلف المحافظات حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعوهم إلى "عدم الرضوخ" لأحد شروط الزوجة قبل دخول "القفص الذهبي".
وتداول رواد مواقع التواصل هاشتاق #متسكنيش_وحدك_تسكني_مع_يما، (لا تسكني وحدك.. تسكنين مع والدتي)، معتبرين أنها "نصيحة" للمقبلين على الزواج.
- السحر وقتل الأطفال يعيدان عقوبة الإعدام إلى الجزائر
- "أنا إنسان لست آلة".. معلمون جزائريون يرفضون "السبت"
وانقسم الجزائريون حول هذه الدعوة بين مؤيد لها خصوصاً من الشباب الذكور، واعتبروها "إنصافاً للرجل من شروط المرأة الكثيرة قبل الزواج"، أو "تيسيراً للزواج" من خلال الحد من مصاريف كراء الشقق والمنازل.
بينما شنت فتيات ونسوة وبعض المثقفين هجوماً لاذعاً على أصحاب المبادرة، معتبرين أنها "نوع من أنواع التخلف"، أو "إهانة للمرأة الجزائرية وتصويرها بمظهر الباحثة عن الماديات".
فيما دافعت بعضهن عن اشتراط المقبلات على الزواج مثل استقلالية السكن مع زوجها عن أهله، مبررين ذلك بـ"تفادي حدوث مشاكل عائلية تصل في الغالب إلى الطلاق بين الزوجين".
إلا أن البعض نظر للمسألة من زاوية أخرى، بعد أن قدم بعض رواد مواقع التواصل قصصاً قالوا إنها حقيقية لقيام الأزواج بوضع أوليائهم في "دور العجزة" نتيجة الضغوط التي تمارسها عليه زوجته المقيمة مع والديه، بعد أن تخيره بينها أو بين والديه.
تحول مجتمعي
ومهما كانت ردود فعل رواد مواقع التواصل، إلا أن "حملة النصيحة" الغريبة فتحت وفق أخصائيين ومثقفين واحدا من أكبر الظواهر الاجتماعية في المجتمع الجزائري، الذي مر بتغييرات كبيرة في عاداته وتقاليده.
مرت الجزائر بفترة "العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الماضي، والتي عرفت تكالباً إرهابياً وتعد "محطة مفصلية" في تاريخ المجتمع الجزائري ونظرته لكثير من العادات التي توارثها عن الأجداد.
وعُرف عن العائلات الجزائرية خلال فترة الاحتلال الفرنسي أو خلال العقود الثلاثة الأولى من استقلال البلاد (1962 – 1990) بأنها كانت "أكثر تماسكاً"، حينما كانت الأسرة الواحدة تضم أكثر من 10 أبناء.
هذا المنزل كان يجمع زوجات وأطفال الأبناء بـ"إشراف وقيادة أم الزوج"، وعرفت خلالها تلك البيوت باسم "منازل الحوش" نسبة إلى احتوائها على فناء كبير ومجموعة من الغرف.
غير أن التحولات الكثيرة التي طرأت على المجتمع الجزائري بما فيها الظروف الاجتماعية قلصت من تلك العادة المجتمعية، وأصبح المقبلون على الزواج يبحثون على بيوت للإيجار حتى قبل البحث عن الزوجة.
ويعزو الأخصائيون الاجتماعيون ذلك إلى انتقال المجتمع من السكن بمنازل كبيرة إلى شقق في العمارات، وهو ما قلص على العائلات الجزائرية مساحة العيش، الأمر الذي يضطر الشباب للاستقلال بحياته مع زوجته في منزل آخر.
غير أن كثيراً من الفتيات المقبلات على الزواج يشترطن على أهل العريس "استقلالية المنزل والعيش بعيدا عن أهله" كـ"أحد الشروط غير القابلة للنقاش" على حد وصف الشاب "محمود" صاحب الـ25 عاماً.
وقال محمود لـ"العين الإخبارية" إنه "اضطر للبحث عن منزل تلبية لشرط أهل زوجته، رغم أن منزلهم العائلي يتسع".
ويرى بأن "الفتيات من حقهن استباق أي مشاكل قد تحدث مع الأهل بطلب السكن لوحدها، لكن ذلك يبقى شرطا تعجيزياً لكثير من الشباب الذين لم يلحقهم قطار الزواج أو بعضهم ممن تقدم به العمر دون زواج لهذا السبب تحديدا".
وكشف عدد من المحامين الجزائريين لـ"العين الإخبارية" عن تسجيل المحاكم الجزائرية عددا كبيرا من قضايا الطلاق أو الخلع الناجمة عن خلافات عائلية بين الزوجة وأهل زوجها، مرجعين ذلك إلى "عيشهم في رقعة سكنية واحدة، وهو ما يولد حالة من الضغط لدى أحد الطرفين أو رغبة في التحكم لدى طرف آخر".
فيما تمتلئ "دور العجزة" المتواجدة بعدد كبير من محافظات الجزائر بقصص "رمي الأبناء لأمهاتهم أو آبائهم بإصرار من زواجات أبنائهم"، وهي الظاهرة التي توقفت بعد إقرار الجزائر قانوناً يجرم وضع الأولياء في دور العجزة بوجود أبنائهم.
وتلقب والدة الزوج بعدة ألقاب مستمدة من الموروث اللغوي والشعبي الجزائري القديم أبرزها "العجوزة"، وتسميها كنتها "عجوزتي"، بينما يطلق على أخت الزوج تسمية "السلفة أو اللوسة"، وكذا والد الزوج الملقب بـ"الشيخ أو شيخي"، فيما يطلق على أهل العروسين "النساب أو النسيب".