تناقض الكرة الجزائرية.. بين تألق المنتخب وخسوف الأندية
تعيش كرة القدم الجزائرية على وقع تناقض صارخ بين النتائج الرائعة التي يحققها منتخب الجزائر والفشل الذريع للأندية المحلية قاريا وإقليميا.
هذا التناقض الرهيب بات جليا في العامين الأخيرين، حيث شهد أداء منتخب الجزائر قفزة نوعية ترجمها بالفوز بلقب كأس أمم الأفريقية 2019، في حين زاد تراجع الأندية الجزائرية بسبب عدة عوامل.
عودة قوية للمنتخب
عاش منتخب الجزائر فترة صعبة للغاية ما بين عامي 2014 و2018، وتحديدا بعد مشاركته في منافسات كأس العالم 2014 بالبرازيل، التي تأهل فيها للدور ثمن النهائي، قبل أن يخسر أمام ألمانيا بصعوبة بالغة.
رحيل المدرب البوسني وحيد خاليلوزيتش والاختيارات الخاطئة التي قام بها الاتحاد الجزائري لكرة القدم على مستوى المديرين الفنيين، فضلا عن تراجع أداء بعض اللاعبين المهمين، كلها عوامل أثرت بشكل سلبي على نتائج منتخب الجزائر الذي عاش فترة صعبة للغاية، جعلته يحقق نتائج ضعيفة في كأس أمم أفريقيا، ويعجز عن التأهل لنهائيات كأس العالم 2018 بروسيا.
وشكل قرار تعيين جمال بلماضي نقطة فارقة في مسيرة منتخب الجزائر، حيث استعاد توهجه في توقيت قياسي، ليفوز بلقب كأس الأمم الأفريقية 2019، بعد مسيرة موفقة حقق خلالها 7 انتصارات، أثمنها أمام السنغال في المباراة النهائية بنتيجة 1-0.
تألق منتخب "الخضر" تجاوز الإطار القاري، حيث حقق في شهر أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية فوزا تاريخيا أمام كولومبيا بنتيجة 3-0، قبل أن يتعادل في فترة التوقف الدولي الأخيرة أمام المكسيك بنتيجة 2-2.
منتخب الجزائر نسخة بلماضي انهزم في مباراة وحيدة، وتحديدا تلك التي جمعته ببنين في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018 ضمن تصفيات كأس أمم الأفريقية 2019.
وطوال سنتين كاملتين، خاض بطل أفريقيا 20 مباراة لم يتكبد فيها أي هزيمة، حيث حقق 16 فوزا، فضلا عن 4 تعادلات.
هذا التألق اللافت لمنتخب الجزائر جعله يحقق قفزة نوعية في التصنيف الشهري للمنتخبات الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم، حيث ارتقى للمركز الـ35 عالميا، بعد أن كان يحتل المركز الـ67 في عام 2018.
ويجمع العديد من الملاحظين على أن النسخة الحالية لمنتخب "محاربي الصحراء" هي الأقوى عبر التاريخ، في ظل تواجد عدة لاعبين من أصحاب المستويات العالمية، يقودهم رياض محرز نجم مانشستر سيتي الإنجليزي، وإسماعيل بن ناصر لاعب ميلان الإيطالي، فضلا عن مدرب يملك قيمة فنية وتكتيكية كبيرة.
ويعتقد إسحاق حمزة، الصحفي المتخصص في متابعة كرة القدم الجزائرية، أن تألق منتخب الجزائر في الفترة الأخيرة يعود بالدرجة الأولى لجمال بلماضي.
وقال في هذا الصدد: "الوصفة السحرية التي وضعها جمال بلماضي للدمج بين اللاعبين المتخرجين في الدوري الجزائري واللاعبين من أصحاب الجنسية المزدوجة المتخرجين في المدارس الأوروبية التي تركز على عاملي الالتزام والعمل الجدي، أفرزت منتخبا قويا نجح في وقت قياسي في السيطرة على كرة القدم الأفريقية".
خسوف الأندية الجزائرية
على النقيض، تعيش كرة القدم الجزائرية تراجعا لافتا على مستوى الأندية التي عجزت عن الفوز بأي لقب خارجي خلال السنوات الـ6 الأخيرة.
ومنذ تتويج نادي وفاق سطيف بلقب دوري أبطال أفريقيا في عام 2014، فشلت الأندية الجزائرية في إثبات وجودها على الصعيدين القاري والإقليمي.
مشاكل كرة القدم الجزائرية تفاقمت في السنتين الأخيرتين بسبب تداعيات المنشطات والتلاعب وهروب المواهب، وفقا لما أكده الجزائري زهير لحلح، الصحفي بجريدة الهداف الجزائرية.
ويقول لحلح في هذا الصدد: "كرة القدم الجزائرية المحلية تعيش فترة صعبة للغاية بسبب ثلاثية المنشطات والتلاعب وهروب المواهب التي أدت لتراجعها بشكل كبير عل الصعيد الخارجي".
وأوضح: "يتعين على الهياكل المختصة التحرك بشكل صارم من أجل التغلب على هذه العوائق الـ3 التي تحول دون استعادة الأندية الجزائرية لتوهجها، صحيح أن هناك إرادة قوية من الاتحاد الجزائري لكرة القدم للتغلب على هذه المشاكل، غير أن المجهود ينبغي أن يكون جماعيا ومنصبا نحو هدف واحد، وهو استعادة الأندية الجزائرية لتنافسيتها على الصعيدين القاري والإقليمي، واقتفاء أثر منتخب الجزائر الذي حقق نجاحات كبيرة في فترة زمنية قصيرة".
أزمة المنشطات
وتعاني كرة القدم الجزائرية من آفة المنشطات، وهو ما جعل السلطات الرياضية تخصص ميزانية ضخمة تقدر بـ6.5 مليون دولار من أجل تكثيف اختبارات الكشف عن المنشطات.
وكانت لجنة الانضباط التابعة لاتحاد الكرة الجزائري قامت في 2016 بتسليط عقوبة الإيقاف 4 سنوات على خير الدين مرزوقي، اللاعب الأسبق لمولودية العاصمة، بسبب تناول المنشطات.
وشهد موسم 2018-2019 اكتشاف عدد قياسي من الحالات المرتبطة باستعمال المواد المحظورة، حيث تم إيقاف محمد أصيل سيود، لاعب اتحاد بسكرة، لفترة 6 أشهر بعد ثبوت تعاطيه مواد محظورة على وجه الخطأ.
وفي ذات السياق، تم إيقاف الثلاثي هشام شريف الوزاني، وبلال نايلي، وإلياس بن يوسف لفترة 4 سنوات، بسبب سقوطهم في اختبارات كشف المنشطات، كما تم إيقاف محمد خير الدين حاج لنفس الفترة بسبب رفضه الخضوع لاختبار كشف المنشطات.
وكان الاتحاد الجزائري لكرة القدم وجه في شهر يونيو/حزيران المنقضي تحذيرا صارما للاعبين، وذلك في إطار الحرب التي يخوضها ضد ظاهرة استعمال المنشطات في كرة القدم المحلية.
ونشر جمال دامرجي، رئيس اللجنة الطبية بالاتحاد الجزائري لكرة القدم، بيانا على الموقع الرسمي للاتحاد، تضمن تحذيرا صريحا للاعبين فيما يخص تناول المنشطات، حيث تم التشديد على عدم وجود أي تسامح مع اللاعبين الذين سيثبت تورطهم في ذلك الأمر.
التلاعب بالمباريات
مشكلة التلاعب بالمباريات أثرت أيضا بشكل كبير على مصداقية كرة القدم الجزائرية، كما لعبت دورا كبيرا في تراجع المستوى الفني للمسابقات المحلية.
وعاشت كرة القدم الجزائرية في شهر مايو/أيار الماضي أزمة كبيرة على وقع التسريب الصوتي المنسوب لفهد حلفاية، المدير العام الاسبق لنادي وفاق سطيف، الذي بدا فيه وهو يخطط لترتيب نتائج بعض المباريات بهدف مساعدة فريقه على التتويج بلقب الدوري المحلي.
ويقول حلفاية في التسجيل الصوتي المنسوب إليه إنه تحدث مع مسؤول في أحد الأندية لتمكين وفاق سطيف من الحصول على نقاط المباراة التي تجمع فريقيهما، على أن يساعد هذا الفريق على الفوز بالمواجهة التي ستجمعه بمضيفه أهلي برج بوعريريج.
وأشار حلفاية إلى أنه لو فاز فريقه على مضيفه اتحاد بسكرة، وخسر شباب بلوزداد أمام مضيفه جمعية الشلف، فإن وفاق سطيف سيتوج بلقب الدوري، منوها أن الهبوط سيكون من نصيب نصر حسين داي ونجم مقرة.
وتغلب وفاق سطيف على اتحاد بسكرة 2-0، بينما تعادل شباب بلوزداد مع مضيفه جمعية الشلف 2-2 في الجولة الـ21، والتي أقيمت يومي 5 و7 مارس/آذار الماضي.
قضية حلفاية ليست الأولى التي تم فيها إماطة اللثام عن عملية تلاعب بنتائج المباريات في الدوري الجزائري، ففي عام 2018 ألقت الشرطة الفرنسية القبض على 7 أشخاص بشرق فرنسا، بسبب تورطهم في رهانات بخصوص المباراة التي جمعت بين فريقي وفاق سطيف ودفاع تاجنانت.
المباراة أقيمت يوم 12 مايو/آيار 2018، حيث كان فريق دفاع تاجنانت مهددا بالهبوط، ويحتاج للفوز على وفاق سطيف في الجولة الـ29 من أجل البقاء، ونجح في ذلك بالفعل، بالفوز بنتيجة 3-2.
الأشخاص الـ7 الذين تم اعتقالهم في شرق فرنسا، راهنوا بأموال كبيرة على فوز تاجنانت بنفس النتيجة غير المتوقعة، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تفتح تحقيقا في الأمر.
عبدالباسط زعيم، الرئيس الأسبق لنادي اتحاد عنابة، اعترف أيضا في تصريحات تلفزيونية، العام الماضي، بتورطه في عمليات ترتيب مباريات بهدف مساعدة فريقه على الصعود إلى دوي الدرجة الثانية خلال الموسم الماضي.
زعيم أكد أنه دفع مبالغ مالية طائلة من أجل الصعود إلى دوري الدرجة الثانية، مشيرا إلى أنه ليس بإمكان أي فريق الصعود دون القيام بهذا الأمر.
ولم يقف الاتحاد الجزائري لكرة القدم مكتوف الأيدي أمام هذه الاعترافات، حيث تم تقديم شكوى قضائية ضد الرئيس الأسبق لنادي اتحاد عنابة بتهمة الفساد الرياضي.
وتم إحالة زعيم إلى قسم الجنح بمحكمة عنابة، حيث تم الحكم عليه بـ6 أشهر سجن نافذة، بالإضافة إلى عام آخر مع إيقاف التنفيذ.
هروب المواهب
عامل آخر أسهم في تراجع مستوى كرة القدم الجزائرية، وهو هروب المواهب من الدوري الجزائري نحو الدوريات التونسية والسعودية والفرنسية.
وخسرت كرة القدم الجزائرية في ظرف سنتين أكثر من 50 لاعبا فضل معظمهم الانتقال للجار التونسي الذي أقر قانونا جديدا، وهو قانون شمال أفريقيا، الذي سمح باعتبار لاعبي الجزائر والمغرب وليبيا ومصر محليين.
ومن أبرز الأسماء التي التحقت بالدوري التونسي الخماسي عبد القادر بدران وعبد الرؤوف بن غيث وبلال بن ساحة وإلياس الشتي ومحمد أمين توغاي، الذين انضموا كلهم لنادي الترجي، فضلا على الرباعي زين الدين بوتمان وزكرياء النعيجي وحسين بن عيادة وإبراهيم فرحي الملتحق حديثا بالنادي الإفريقي.
هذه الهجرة الجماعية أثرت على مستوى كرة القدم الجزائرية التي فقدت تنافسيتها على الصعيدين القاري والإقليمي.
ويعتقد الصحفي الجزائري إسحاق حمزة أن المشكلة الأساسية للأندية الجزائرية هي غياب الإمكانيات و الهيكلة.
وقال في هذا الصدد: "لا يعقل مثلا ان نطلب من فريق محلي التتويج بدوري الأبطال و هو لا يملك حتى ملعب للتدريب، حتى لا نقول مركز تكوين".
وأتم: "الاستثناء الذي صنعه وفاق سطيف في فترة سابقة كان نتيجة روح جماعية صنعها المدرب و خبرة الإدارة، لذلك يجب هيكلة الأندية حتى تستطيع مجابهة كبار القارة".