مسجد البَرَّاني بالجزائر.. شاهد على "عنصرية" العثمانيين
ليس وحده الاحتلال الفرنسي الذي ترك سجلاً أسود في الجزائر، فحتى للوجود العثماني ماضٍ لا يقل سوادا "وعنصرية" بهذا البلد العربي.
وتؤكد الدراسات والأبحاث التاريخية والشواهد المتبقية من مختلف المعالم التاريخية، أن المساجد كانت من أكثر المقدسات المستهدفة في تاريخ الجزائر من قبل القوى الاستعمارية التي دنست أرض هذا البلد العربي، بينها الإمبراطورية العثمانية، رغم أن الجزائر كانت "تابعة اسماً لها فقط".
وإذا كان الاحتلال الفرنسي استهدف مساجد الجزائر وحوّل كثيرا منها لـ"إسطبلات للخنازير والأحصنة" ومرشات لجنوده أو كنائس بحكم "عقيدته الدينية أو العسكرية"، إلا أن تشييد العثمانيين لمساجد بالجزائر كان بـ"خلفية عنصرية" فرّقت بين "الجنس العربي والعثماني".
ولعل مسجد "البَرَّاني" الواقع بقلب العاصمة الجزائرية وتحديدا بحي القصبة العتيق، أكبر شاهد منذ أكثر من 400 عام على "النظرة الاستعلائية" التي كان يتعامل بها العثمانيون مع العرب و"يعتبرونهم أجانب في أرضهم".
قصة التسمية
"البَرَّاني" كلمة قديمة في اللهجة العامية الجزائرية، وتعني "الغريب عن المكان أو أهله"، وهي كلمة قريبة جدا في معناها من مصطلح "الأجنبي"، إذ إن "البَرَّاني" يُقصد به "الشخص الذي لا ينتمي إلى ذلك المكان أو المنطقة ويختلف عنهم في عاداتهم وتقاليدهم".
من هنا جاء اختيار العثمانيين لاسم المسجد الذي قرروا تشييده بحي القصبة العتيق في الجزائر العاصمة عام 1653، حيث لم يكن تشييد مسجد "البَرَّاني" وفق ما تؤكده جميع الدراسات التاريخية "لنشر تعاليم الدين الإسلامي" في بلد وجدوا أهلها معتقناً للإسلام، ولا "لترك بصمة العثمانيين" في الجزائر، بل لغاية أخرى.
تذكر الأبحاث التاريخية أن العثمانيين اختاروا بناءه "خارج سور القصبة" التي كانت مقرا لحاكم الجزائر العثماني وحاشيته، وحتى يفرق "أهل الجزائر" بين ذلك المسجد وجامع آخر بُني في داخل القصبة، حيث كان يطلقون على كل من يسكن "خارج أسوار القصبة" بـ"البرانية" وهي جمع لكلمة "البراني"، وشيدوا مسجد "البراني"، وزعموا بأنه "مسجد مُسخر للأجانب لتمكينهم من الصلاة فيه".
فيما كان يُمنع عن الجزائريين "أصحاب الأرض" الصلاة في المسجد الداخلي الواقع بحي القصبة لـ"دواعٍ أمنية".
تاريخ المسجد
يقع مسجد "البراني" في منطقة "باب جديد" الواقعة بحي القصبة العتيق الذي يعد أقدم حي شعبي بالجزائر، وتم بناؤه عام 1653، قبل أن تتم عملية توسعته عام 1818 وتحول إلى "مقر للآغا العثماني".
وتوجد به مخطوطات أرشيفية تبين عقود الملكية ومخطط المسجد وحدوده، وكذا لوحتان رخاميتان تشيران إلى سنة تجديد وتوسيع المسجد.
ومسجد "البراني" مستطيل في هندسته المعمارية، وله 4 واجهات، حيث تعتبر الواجهة الغربية الرئيسية بهذا الجامع وبها المدخل الرئيسي الذي يؤدي إلى قاعة الصلاة، ويتوسط مدخل ثانوي الواجهة الجنوبية، أما الواجهة الشرقية فتحيط بها بنايات، وفي جزء منها توجد المئذنة التي لها شكل ثماني.
قاعة الصلاة بمسجد "البراني" فيها 12 عمودا، وسقفها مسطح ومشكل من أوتاد خشبية مستديرة، أما قبو المسجد فيحتوي على بيت الوضوء.
وفي سنة الاحتلال الفرنسي للجزائر في 1830، حوّله إلى "مرقد لجنوده"، قبل أن يمنحه للكاثوليكيين ويحوله إلى كنيسة سماها "سانت كروا" أو "الصليب المقدس" سنة 1839.
وفي سنة 1887، صنف الاحتلال الفرنسي جامع "البراني" كمعلم ثقافي محمي، قبل أن تسترجعه الجزائر بعد نيل استقلالها عام 1962 وتعيده مسجدا كما كان.