الجزائر والمغرب.. "كرة ثلج" ضخمتها عقود من التوتر
من حرب الرمال في 1963 إلى إشكالات معقدة بـ2021 سجلت علاقات الجزائر والمغرب أطول خلاف عربي وأفريقي في "كرة ثلج" راكمت عقودا من التوتر.
ووصلت الخلافات والتوترات المزمنة بين البلدين الجارين مرحلة غير مسبوقة وخطيرة، أكدها قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية رغم الرسائل الإيجابية التي بعث بها العاهل المغربي في خطاب العرش قبل عدة أيام.
- الجزائر تعلن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب
- فرنسا تدعو الى "الحوار" بعد إعلان الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب
والثلاثاء، قرأ وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بياناً أشار إلى أنه باسم رئيس البلاد عبد المجيد تبون وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، سرد فيه جملة من مبررات الجزائر التي دفعتها لاتخاذ خطوة قطع علاقاتها مع جارتها الشرقية المغرب للمرة الأولى، وهي الأسباب التي اعتبرها الرباط "غير مبررة".
والواقع بحسب المهتمين بالعلاقات بين الجزائر والمغرب، فإن التوتر القديم المتجدد الذي انتقل إلى مستوى جديد من التصعيد بين العاصمتين، ليس سوى نتاج تراكمات 6 عقود كاملة من محاولات كسر الجليد الذي حجب إزالة أقدم خلاف بالمنطقتين العربية والأفريقية.
وتستعرض "العين الإخبارية" أبرز محطات الخلافات والتوترات التي طبعت العلاقات بين الجزائر والمغرب طوال 60 عاما كاملة.
حرب الرمال
بعد عام من نيل الجزائر استقلالها عام 1963، اندلعت حرب مفتوحة بين الجزائر والمغرب بسبب خلافات حدودية، استمرت لنحو شهر كامل من أكتوبر/تشرين الأول إلى نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
وقبلها، كانت الجزائر تعيش على وقع تمرد مسلح قاده الراحل حسين آيت أحمد بفعل خلافات على السلطة، إلا أن اندلاع الحرب مع الرباط دفع الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة إلى قول عبارته الشهيرة "حقرونا (احتقرونا)"، في إشارة إلى دخول قوات مغربية إلى الأراضي الجزائرية، في محاولة من بن بلة للتعبئة.
توصل البلدان إلى اتفاق لوقف الحرب بعد وساطة من الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، وأشرفت الأخيرة على إرساء اتفاقية وقف نهائي لإطلاق النار في 20 فبراير/شباط 1964 في باماكو عاصمة مالي.
أزمة "الصحراء المغربية"
في عام 1975، دخلت العلاقات بين الجزائر والرباط منعرجاً حاسماً بسبب موقف الجزائر الداعم لانفصال الصحراء المغربية، التي تعتبرها الرباط جزءا لا يتجزأ من تراب المملكة.
حيث أعلنت الجزائر اعترافها بجبهة البوليساريو التي تطالب بالانفصال عن المملكة المغربية، بينما شددت الرباط على أنها أقاليم سيادية.
ونتيجة لذلك، أعلنت المملكة المغربية في مارس/أذار 1976 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجزائر، في وضع استمر لـ12 سنة كاملة.
"كاب سيجلي"
أما العام 1978 فشهد محطة جديدة من التوتر بين العاصمتين، عقب اتهام الجزائر لجارتها المغربية بـ"اختراق أجوائها" بالتزامن مع مرض الرئيس الأسبق هواري بومدين.
وحينها، لم تقدم الجزائر تفاصيل كثيرة عن الحادثة، لكنها عادت لتخيم على الأجواء الملبدة بين البلدين مطلع ثمانينيات القرن الماضي، مع تولي الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد مقاليد الحكم في الجزائر عقب وفاة هواري بومدين نهاية 1979.
عادت الجزائر خلالها لاتهام المغرب بـ"محاولة زعزعة استقرارها"، وكشفت عن رواية تفاصيل عملية الاختراق الجوي المغربي والتي باتت تعرف بـ"أزمة كاب سيجلي" (وقعت في 10 ديسمبر/كانون الأول 1979)، من بوابة التحقيق القضائي.
الوساطة السعودية
لعبت السعودية دورا محورياً وبارزا في إصلاح العلاقات بين البلدين الجارين، ونجحت في إعادتها وجمع الرئيس الجزائري الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد والعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني بمدينة "مغنية" الجزائرية على الحدود مع المغرب، بإشراف ووساطة شخصية من العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز عام 1988.
توصل قائدا البلدين إلى استئناف العلاقات، وتوقيع اتفاق ثنائي لـ"تطبيع كامل للعلاقات" في 16 مايو/أيار 1988 تضمن 4 بنود، تعلقت أساساً بـ"تعزيز العلاقات وحسن الجوار وإقرار السلم، وإعادة تفعيل المعاهدات والاتفاقيات بين البلدين، والمساهمة في تسريع بناء اتحاد المغرب العربي"، وكذلك الاتفاق على "استفتاء لتقرير المصير" في الصحراء المغربية.
المغرب العربي
شكلت نهاية ثمانينات القرن الماضي "العصر الذهبي" للعلاقات الجزائرية – المغربية "تحت بوتقة اتحاد المغرب العربي"، بعد اجتماع قادة دوله الخمس وهي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا بمدينة زرالدة في العاصمة الجزائرية بتاريخ 10 يونيو/حزيران 1988، الذي اشتهر بـ"بيان زرالدة".
وفي 7 فبراير/شباط 1989، عقد قادة اتحاد المغرب العربي قمة ثانية بمراكش المغربية، تم خلالها التوقيع على "إنشاء اتحاد المغرب العربي".
غلق الحدود
عادت العلاقات بين البلدين الجارين إلى "نقطة الصفر" في تسعينيات القرن الماضي، وظهرت معها ملامح تصعيد جديد بين البلدين عام 1993 وسط اتهامات متبادلة بدعم منشقين ومطالب بتسليم مطلوبين أمنيا.
عام بعد ذلك، أي في 1994، تعرض مقهى للسياح الأجانب بمدينة مراكش المغربية لهجوم إرهابي، اتهمت إثره السلطات المغربية المخابرات الجزائرية بالوقوف وراء الاعتداء، وقررت فرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين وطرد عشرات الجزائريين من أراضيها.
نفت الجزائر اتهامات جارتها الغربية، وقرر الرئيس الأسبق اليامين زروال الرد على الخطوة المغربية بفرض التأشيرة على المغربيين، وإغلاق الحدود في اجراءات لا تزال سارية بين البلدين حتى اليوم.
وخلال حملته الانتخابية نهاية 2019، اعتبر الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون أن حادثة مراكش "مفتعلة من قبل المخابرات المغربية" على حد وصفه، و"اشترط اعتذارا رسمياً" من الرباط على ما أسماه "إهانة الجزائريين".
انفراج ظرفي
مع تولي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم بالجزائر في 1999، طفت بوادر انفراجة في العلاقات مع الرباط، تجلى ذلك في مشاركته بمراسم تشييع جنازة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني عام 2000، ولقائه الأول مع الملك محمد السادس.
ومع نهاية مارس/أذار 2005، انعقدت أول قمة جزائرية – مغربية بين الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والعاهل المغربي الملك محمد السادس بالجزائر على هامش مشاركته في القمة العربية التي احتضنتها الجزائر، وهي القمة التي بشرت بكسر الجمود وإعادة الدفء للعلاقات بين البلدين، وشهرا بعد ذلك، اتفق قائدا البلدين على إلغاء فرض التأشيرة على رعايا الجارتين.
تعمق الأزمة
رغم ذلك، راوحت العلاقات بين البلدين مكانها في عهد بوتفليقة، ولم تفلح محاولات البلدين للحوار في التوصل لإنهاء خلافهما المزمن.
ومنذ بداية العام الحالي، تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب بشكل غير مسبوق وصل حد القطيعة الدبلوماسية، بعد اتهامات جزائرية متتالية لجارتها بـ"التجسس ودعم انفصاليين".
ليصل الأمر في النهاية إلى إعلان الجزائر أمس الثلاثاء قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب حيث ساقت أسباب اعتبرتها الرباط "غير مبررة" لهذه الخطوة.
وسبق أن دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، الجزائر إلى "بناء علاقة ثنائية أساسها الثقة وحسن الجوار، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات ليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبولة من العديد من الدول".
وتابع خلال خطابه بمناسبة عيد العرش مطلع الشهر الجاري: "أؤكد لأشقائنا أن الشر والمشاكل لن تأتيكم من المغرب، لأن ما يمسكم يمسنا وما يضركم يضرنا.. أمن وطمأنينة الجزائر من أمن وطمأنينة المغرب.. ما يمس المغرب يمس الجزائر".
وأردف: "المغرب والجزائر يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والاتجار في البشر، وهذا هو عدونا الحقيقي.. وإذا عملنا سويا على محاربتها سنتمكن من الحد من نشاطها وتجفيف منابعها".
aXA6IDE4LjIyNC41My4yNDYg جزيرة ام اند امز