محمود الجوهري.. مدرب دفاعي أم مبتكر سبق عصره؟

محمود الجوهري امتلك سجلا حافلا في ملاعب مصر والأردن وترك بصماته في ملاعب أفريقيا وآسيا، لكن ما زال هناك خلاف حول فلسفته.. طالع التفاصيل
ترك المدرب المصري التاريخي محمود الجوهري عمله بالقوات المسلحة في بلاده، مكتفياً برتبة العميد، لتتحول كثبان الصحراء الرملية من حوله إلى مروج خضراء تحيط بها مدرجات خرسانية تكتظ بالجماهير التي تهتف باسمه.
الجنرال الراحل محمود الجوهري قاد منتخب مصر إلى نهائيات كأس العالم 1990، وتوج بكأس الأمم الأفريقية في بوركينا فاسو بعد 8 سنوات، وقاد الأردن فنياً في 2002، قبل أن يصبح أحد أبرز المطورين في كرة القدم هناك لاحقاً بمناصبه الفنية والإدارية.
في رحلة إيطاليا قبل 30 عاماً، بدأ الجوهري مسيرة "الفراعنة" بتعادل مع هولندا بطل أوروبا آنذاك بهدف لمثله وسط أداء هجومي رائع، ثم خسر 0-1 من إنجلترا بمستوى أقل، وتعادل مع أيرلندا سلبياً في واحدة من أسوأ مباريات المونديال فنياً.
انتقادات كبيرة وجهها متابعو كأس العالم للجنرال المصري بسبب طريقته الدفاعية شديدة المبالغة أمام أيرلندا، وخوض اللقاء بهدف استهلاك الوقت فقط، ومن ذلك الحين التصقت به سمة "المدرب الدفاعي".
يقول حازم إمام قائد الزمالك سابقاً وأحد أهم نجوم جيل 1998 المتوج مع الجنرال، إن الجوهري قام بتنفيذ أفكار هجومية لم يكن يقدمها أي مدرب في العالم آنذاك، بداية من اللعب بمهاجم واحد، مروراً بالاعتماد على القادمين من الخلف لدخول منطقة الجزاء وعودة المهاجم إلى مركز صناعة اللعب.
ما يقوله إمام يطبقه أغلب مدربي العالم في الوقت الحالي، خاصة الألماني يورجن كلوب في ليفربول، الذي يعتمد على مهاجمه البرازيلي روبيرتو فيرمينو كصانع ألعاب وهمي لمساعدة الثنائي محمد صلاح وساديو ماني.
لكن أحمد شوبير حارس مرمى مصر في مونديال إيطاليا، يقول إن الجوهري اعتمد في بعض المباريات على ما وصفه بـ"خنق" اللعب تماماً، خاصة عندما كان يؤمن بأن المنافس هو الطرف الأفضل ولا سبيل لمجاراته في الملعب.
وبالنظر إلى بطولة بوركينا فاسو التي اقتنصها الجوهري، سنجد أن تشكيل مصر ضم 3 لاعبين في الهجوم بقيادة حسام حسن ومن خلفه الثنائي حازم إمام وعبدالستار صبري، بالإضافة إلى لاعب الوسط الهجومي أحمد حسن، والظهيرين الطائرين هجومياً دائما ياسر رضوان أو إبراهيم حسن، ومحمد عمارة.
التشكيل المذكور لا يوحي أبداً بأن الجوهري كان يتبع أسلوب "ركن الحافلة" الذي عُرف به المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو في الفترة المُعاصرة، فلو أراد الجنرال الدفاع فقط لن يشرك على الأقل 3 لاعبين لا يساهمون في الدفاع.
ويؤكد حازم إمام أن الجوهري لم يطلب من المنتخب المصري أبداً التراجع للدفاع في وسط الملعب، ولم يطالبه شخصياً بأي مهام دفاعية إطلاقاً، بل على العكس كان يمنح التعليمات للأظهرة ولاعبي الوسط بالتقدم للهجوم فور امتلاك الكرة.
وفي نهاية فترة الجوهري مع المنتخب المصري في 2002، خاض الفراعنة أصعب تصفيات لكأس العالم على الإطلاق بمجموعة ضمت المغرب والسنغال والجزائر، إلى جوار ناميبيا فريسة الجميع.
وفي تلك التصفيات أظهر الجنرال قدرات هجومية ضخمة واكتسح الجزائر 5-2 وفاز على السنغال 1-0 ومنعه سوء التوفيق من هزيمة المغرب رغم أداء هجومي مبهر في القاهرة.
لم يتأهل المنتخب المصري بسبب تفاصيل صغيرة للغاية للمونديال، لكنه ظهر في كأس أفريقيا 2002 كآخر مرحلة للجوهري، ليودع المسابقة من ربع النهائي أمام الكاميرون بعد مباراتين دفاعيتين تماماً أمام السنغال في افتتاح المجموعة، ثم الكاميرون في المباراة الأخيرة.
ويبدو أن الجوهري لم يكن يُفضل الدفاع فقط مثل دييجو سيمويني مدرب أتلتيكو مدريد أو مورينيو مدرب توتنهام هوتسبير، ولم يُفضل كاتيناتشو إيطاليا، بل إنه اضطر للتراجع عندما كان مفتقداً لأدوات المبارزة مع فرسان يتفوقون في القوة والحجم.
لكن مباريات منتخب مصر في تصفيات كأس العالم 2002 وفي بطولة أمم أفريقيا 1998 تؤكد أن الجوهري كان يمتلك أفكاراً هجومية مبتكرة، خاصة في تنفيذ الضربات الثابتة لتسجيل الأهداف ونجحت خطته كثيراً كما حدث في نهائي بوركينا فاسو ومواجهة الجزائر في تصفيات مونديال كوريا واليابان بالقاهرة.
ولا ينكر أحد أن الكُرة المصرية والأردنية والعربية بشكل عام، افتقدت الجنرال الجوهري بعد أن اختاره الله إلى جواره بعد رحلة حافلة مليئة بالنجاحات والإنجازات وترك البصمات المؤثرة في كل موضع لقدميه.