مهرجان كان السينمائي 2025: «ألفا» لجوليا دوكورنو: بين الجمال والمأساة في عالم الإيدز

يعتبر فيلم "ألفا" تجربة سينمائية جريئة تستعيد أوجاع الثمانينات والتسعينات عبر أداء جسدي صارخ وصورة بصرية لا تُنسى.
تعود المخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو في فيلمها الجديد "ألفا"، الفائزة بجائزة السعفة الذهبية في دورة 2021 عن فيلم "تيتان"، إلى مهرجان كان السينمائي لتقدّم رؤية سينمائية شديدة الخصوصية، تحمل طابعًا إنسانيًا غائرًا، وتُعيد تشكيل مأساة جائحة الإيدز التي اجتاحت العالم في عقدي الثمانينات والتسعينات، عبر سرد بصري شديد الجاذبية، وبمستوى عاطفي مكثف.
أبطال فيلم "ألفا"
يضم العمل طاهر رحيم، وغولشيته فاراهاني، وميليسا بوروس، ويقود هؤلاء الممثلون تجربة معقدة تستلزم انخراطًا بدنيًا ونفسيًا صارخًا، إذ يُعيد الفيلم تصوّر المعاناة الجسدية والنفسية لمصابي الإيدز، من خلال استعارات حسية وجمالية، تُترجم إلى صور مدهشة ومؤلمة في آنٍ واحد.
عودة إلى الأوبئة: الإيدز وكوفيد-19 في مرآة واحدة
الفيلم لا يستعيد فقط مشهد الثمانينات، بل يحمل بُعدًا مزدوجًا، حيث يتقاطع في شعوره الكلي مع الصدمة الحديثة التي فرضتها جائحة كوفيد-19، وما خلّفته من عزلة وفقدان، إذ ينهل من تلك الفجائع التي اختبرتها البشرية مؤخرًا، ليشكّل عبرها امتدادًا دراميًا لما شهده العالم قبل أربعة عقود.
فكرة التماثيل الجنائزية: أجساد تتحول إلى رخام
"أجسام من الرخام، ودموع من التراب"، هكذا تصف دوكورنو ببلاغة بصريتها، في عملها الطويل الثالث، حيث يتجسّد المصابون في هيئة تماثيل جنائزية ممدّدة على أسِرّة المستشفيات، كأنّما هم نصبٌ تذكارية للوجع، يتسامى فيها الجسد مع الألم إلى نقطة التلاشي. وتُعيد المخرجة عبر هذا التصوير الفني تجسيد فعل التحول، الذي لطالما شكّل سِمة مركزية في أفلامها السابقة.
التحول الجسدي لطاهر رحيم
أشارت مجلة "لوبوان" الفرنسية إلى أن طاهر رحيم خضع لتحول جسدي بالغ في "ألفا"، إذ فقد قرابة 20 كيلوغرامًا ليُجسّد الشخصية، ما عكس انغماسه العميق في تفاصيل الدور وأبعاده، ويمثّل هذا التحول الجذري نقيضًا واضحًا لشخصية فينسنت ليندون في "تيتان"، التي كانت تُعبّر عن القوة الجسدية، ما يُبرز التباين في الطرح الجسدي والدرامي بين العملين.
قراءة نقدية فرنسية مشجعة: هل يفوز الفيلم؟
وفي تقييمها للفيلم، كتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "ألفا" أحد أكثر الأعمال التي تستحق السعفة الذهبية في دورتها الـ78، مؤكدة أن الفيلم – سواء حاز الجائزة أم لم يفعل – سيظل من أبرز لحظات هذه الدورة، إلى جانب فيلم "سيرات" لأوليفر لاكسي، و"صوت السقوط" للمخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي، الذي وصفته الصحيفة بأنه كنز بصري حقيقي.
حساسية اجتماعية: الإيدز وما تبعه من تهميش
ينطلق فيلم "ألفا" من مرجعية اجتماعية تاريخية شديدة التأثير، حيث يُشير بوضوح إلى حجم التهميش والخوف من الآخر اللذين سادا فترة جائحة الإيدز، إذ كان انتشار الرعب المجتمعي أوسع من انتشار الفيروس ذاته، وهي مشاعر تستعيدها دوكورنو في معالجة درامية لا تفتقر إلى الحنان ولا القسوة.
ذاكرة شخصية وصورة كونية
دوكورنو، المولودة عام 1983، تستلهم هذا العمل من فترة مراهقتها، حيث كانت تعيش تحت وطأة هذا الوباء، وتُغلف حكايتها بتيارات شعورية كثيفة، تجعل من "ألفا" تجربة جماعية تتقاطع فيها السيرة الشخصية مع التذكير بفقد جماعي، ومصير مُلبَّد بالخسارة.
لقطة ختامية بمثابة أثر لا يُمحى
وفي وصفها لمشهد التماثيل في الفيلم، قالت صحيفة "لوموند" إن "التماثيل الجنائزية في 'ألفا'، التي جُسّدت فوق أسِرّة المستشفيات، من أكثر الصور رقة وجذرية منذ بداية المنافسة"، لتؤكد عبر ذلك مدى تفرد العمل في تعبيره البصري، وصدقه الإنساني القاسي.
aXA6IDMuMjAuMjM4LjI5IA== جزيرة ام اند امز