فوضى مالية تمزق نسيج الأسر.. أزمة «خفية» في الاقتصاد الأمريكي
رغم الأرقام الرسمية التي تعكس متانة نسبية للاقتصاد الأمريكي، تتكشف تحت السطح أزمة اقتصادية مختلفة في طبيعتها وأعمق في تأثيرها.
هذه الأزمة بحسب مقال نشره موقع "بيزنس إنسايدر" لا تظهر بوضوح في بيانات الناتج المحلي أو أداء أسواق الأسهم، لكنها تتجلى يوميًا في حياة ملايين الأمريكيين. فهي أزمة عدم الأمان المالي الشخصي، حيث تتآكل قدرة الأسر على التخطيط، ويصبح الاستقرار الاقتصادي شعورًا هشًا لا يلبث أن يتبدد عند أول صدمة.
وبالنسبة لكثيرين، لم يعد القلق مرتبطًا بالركود أو البطالة الجماعية، بل بسلسلة من المخاطر الفردية المتراكمة: فاتورة طبية مفاجئة، زيادة حادة في أقساط التأمين الصحي، أو فقدان محتمل للوظيفة. هذه المخاوف تحولت إلى سمة دائمة في المشهد الاقتصادي، حتى بين من يُصنفون ضمن الطبقة المتوسطة المستقرة نسبيًا.
كما أن تكاليف الرعاية الصحية تمثل أحد أبرز محركات هذه الأزمة الصامتة. فارتفاع أقساط التأمين، إلى جانب تضخم كلفة الخدمات الطبية نفسها، جعل المرض — أو حتى محاولة الوقاية منه — عبئًا ماليًا ثقيلًا.
وباتت كثير من الأسر تشعر بأنها عالقة في معادلة مستحيلة: لا تستطيع تحمل كلفة المرض، ولا كلفة البقاء بصحة جيدة. هذه الضغوط لا تؤثر فقط على الميزانيات الأسرية، بل تدفع أيضًا إلى سلوكيات اقتصادية دفاعية، مثل تأجيل العلاج أو تقليص الإنفاق الاستهلاكي، ما يترك أثرًا أوسع على النشاط الاقتصادي.
تزايد عدم اليقين
في الوقت نفسه، تتزايد مصادر عدم اليقين في سوق العمل. ورغم أن معدلات التوظيف لا تزال عند مستويات مقبولة، تظهر مؤشرات على تصدعات تدريجية، مع تصاعد المخاوف من موجات تسريح محتملة، خاصة في قطاعات تتأثر بالتقلبات التكنولوجية والاضطرابات السياسية. هذا القلق الوظيفي يضعف ثقة المستهلكين، ويجعل أي قرار إنفاق أو استثمار شخصي محفوفًا بالحذر.
ولا تتوقف الضغوط عند الصحة والعمل. تكاليف المعيشة الأساسية — من السكن إلى التعليم ورعاية الأطفال — تواصل الارتفاع بوتيرة تفوق نمو الدخل لدى شريحة واسعة من الأمريكيين. ومع عودة الحديث عن الرسوم الجمركية وتداعياتها المحتملة، يزداد الخوف من موجة جديدة من التضخم، ما يضغط أكثر على القوة الشرائية للأسر.
ويشير اقتصاديون إلى أن جوهر المشكلة يكمن في انتقال المخاطر من مستوى الشركات إلى مستوى الأفراد. فبينما تمتلك الشركات أدوات للتحوط، وتأمينًا ضد الصدمات، وقدرة على تمرير التكاليف، يجد الأفراد أنفسهم مكشوفين أمام أي طارئ. تكلفة الصدمة المالية ترتفع، واحتمال وقوعها يزداد، في حين تضعف شبكات الأمان التي كان يُفترض أن تخفف من حدتها.
مزاج المستهلكين
وينعكس هذا الشعور المتنامي بعدم الاستقرار بوضوح في مزاج المستهلكين. فالتشاؤم حيال الأوضاع المالية الشخصية يتصاعد، حتى في ظل مؤشرات اقتصادية كلية إيجابية. الفجوة بين «الاقتصاد على الورق» و«الاقتصاد في الجيب» تتسع، ما يخلق تناقضًا حادًا بين الخطاب الرسمي والواقع المعاش.
واعتبر المقال أن الأزمة الاقتصادية الأمريكية اليوم ليست بالضرورة أزمة نمو أو إنتاج، بل أزمة ثقة وأمان مالي فردي. اقتصاد يبدو قويًا من الخارج، لكنه يترك عددًا متزايدًا من مواطنيه يعيشون في حالة ترقّب دائم، يخشون أن تنقلب حياتهم المالية رأسًا على عقب مع أول طارئ. وهذا النوع من الأزمات، وإن كان أقل صخبًا، قد يكون الأشد أثرًا على المدى الطويل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز