أوروبا في عهد «أمريكا أولا».. عقبات جمة وفرصة لـ«تقوية الذات»
بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب أصبحت احتمالات تحول أمريكا بعيدا عن أوروبا، أكثر واقعية من أي وقت مضى، ما يحمل في طياته فرصة.
ويتعين على أوروبا الآن الاستعداد لترامب الذي يتعامل مع القارة "بازدراء" ويتعهد بإعطاء الأولوية للمصلحة الذاتية للولايات المتحدة، بعد 4 سنوات من الشراكة الوثيقة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتكتل فيما يتعلق بحرب أوكرانيا وإدارة التبعيات الاقتصادية للصين.
وتعهد ترامب بإنهاء حرب أوكرانيا حتى لو كانت الشروط غير مواتية لأوروبا، كما أنه يستمر في التهديد بفرض رسوم جمركية على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي استعاد فيه ترامب قوته لم تقف أوروبا مكتوفة، إذ زاد الإنفاق الدفاعي لدول القارة بشكل كبير، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وفي الوقت الحالي تنفق دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، في زيادة أكثر من 1% عن 2016، حين فاز ترامب بولايته الأولى.
كما تجاوز الدعم الأوروبي لأوكرانيا نظيره الأمريكي، فمنذ فبراير/شباط 2022 قدم أعضاء الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 109 مليارات دولار من المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية، مقارنة بـ90 مليار دولار قدمتها الولايات المتحدة.
ومع احتمال انسحاب واشنطن ستحتاج أوروبا إلى بذل المزيد من الجهود السريعة لضمان أمنها، وستحتاج أيضا إلى الاستعداد للحرب الاقتصادية المتوقعة.
وبدأت المفوضية الأوروبية برنامجا اقتصاديا طموحا يعطي الأولوية للنمو من خلال تكامل السوق الأوروبية والابتكار والتحولات الرقمية والطاقة المتسارعة وتدابير الأمن الاقتصادي الأكبر.
وفي ظل اتجاه ترامب لفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق فقد تواجه القارة مخاطر اقتصادية كبرى من السياسات الاقتصادية الكلية والتجارية الأمريكية غير المتماسكة التي تعطل الاقتصاد العالمي الذي تعتمد عليه أوروبا.
فرصة
لكن قد يمنح الانسحاب الأمريكي أوروبا فرصة للوقوف على قدميها وإظهار للعالم أنها يمكن أن تكون حليفا موثوقا به في المناطق التي تبدأ فيها الولايات المتحدة بالتقصير.
ويتعين على أوروبا أن توضح لإدارة ترامب أن التخلي عن حلفائها سيؤدي إلى إضعاف الولايات المتحدة عبر تشجيع منافسيها.
والأولوية الأكثر أهمية للحكومات الأوروبية هي تأمين القارة وكبح طموحات روسيا.
ووفق "فورين آفيرز" تحتاج الحكومات الأوروبية إلى توضيح أنها لن تدعم أي جهد أمريكي لإرغام أوكرانيا على وقف إطلاق النار، والالتزام بتزويد كييف بالمعدات العسكرية التي تحتاجها إلى وقف تقدم روسيا.
حل محلي
وعلى الرغم من أن سيناريو غياب الدعم العسكري الأمريكي لأوروبا وأوكرانيا أصبح أكثر احتمالا، فإن دول القارة قادرة على إيجاد حل محلي.
ويتفق الزعماء السياسيون الأوروبيون من مختلف الاتجاهات على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي بصورة كبيرة، كما أن قرار بروكسل الأخير بضمان الدعم المالي لأوكرانيا من خلال 50 مليار دولار من العائدات المستقبلية من الأصول الروسية المجمدة، يشير إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لتولي الدفاع عن أوكرانيا.
ويتعين على أوروبا زيادة إنتاجها الصناعي الدفاعي لمعالجة القيود الحالية المفروضة على إمدادات الأسلحة الأمريكية التي لا تزال القارة تعتمد عليها.
وبالفعل أنشأت المفوضية الأوروبية منصب مفوض الدفاع المكلف بتعزيز إنتاج الدفاع في دول القارة وخفض الأسعار باستخدام نطاق السوق الموحدة للتحالف.
وسيساعد إنشاء صندوق أوروبي إضافي يصل إلى 500 مليار دولار في زيادة الإنتاج الأوروبي والاستحواذ على التقنيات الحديثة مثل الأسلحة الهجومية بعيدة المدى والدفاعات الجوية والذخائر الموجهة بدقة، فضلاً عن القدرات الاستراتيجية الحاسمة مثل المسيرات وأنظمة الاستخبارات الفضائية والاتصالات، حسب قول المجلة.
المستقبل الاقتصادي
من المرجح أيضا أن تعطل إدارة ترامب الاقتصاد العالمي من خلال التعريفات الجمركية التي قد تؤدي إلى تقليص صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة.
كما أن إغلاق السوق الأمريكية أمام السلع الصينية يعني إعادة توجيهها إلى أوروبا مما يهدد الإنتاج الصناعي المحلي.
ولتجنب الفوضى الاقتصادية ينبغي للمفوضية الأوروبية أن تقوم بتوسيع مشتريات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال مقابل الحد من العقبات التي تعترض التجارة عبر الأطلسي، بما في ذلك التعريفات الجمركية.
وبحسب "فورين آفيرز"، يتعين على أوروبا أن تلتزم بدمج سوقها الموحدة وأن تبتكر استراتيجية انتقامية موثوقة لزيادة نفوذها في المفاوضات مع واشنطن.
كما يتعين على أوروبا رفض الدوافع الحمائية، وأن تستمر في توسيع محفظتها المتنوعة من العلاقات الاقتصادية.
بصفة عامة، وخلال السنوات الأربع المقبلة ستخضع الروابط التي تجمع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لاختبار جدي، لكن أوروبا والولايات المتحدة يمكنهما الاتفاق على الاختلاف مع احترام الحساسيات الأساسية لكل منهما، خاصة فيما يتصل بالدفاع والأمن.