الأنبار العراقية.. كرم العشائر يحظر الفنادق
العشائر تعتبر أنه من "المعيب" أن يبيت ضيفهم في فندق بمقابل مادي، وبيوتهم مفتوحة لاستقباله وإكرامه.
في الأنبار العراقية، تعد عملية البحث عن فندق أمرا عبثيا، فعشائر المحافظة التي تعتبر الضيافة "خطا أحمر" متمسكة بمنع بناء أي فندق أو مكان يبيت فيه ضيفهم بمقابل.
ففي تلك المنطقة التي تعد من أكبر محافظات العراق من حيث المساحة، تعتبر العشائر أنه من "المعيب" أن يبيت ضيفهم في فندق بمقابل مادي، وبيوتهم مفتوحة لاستقباله وإكرامه.
كرم يتجاوز الطائفية
تقاليد تتجاوز جميع التقسيمات والخلافات بأنواعها، إن كانت سياسية أو طائفية، لتجعل من الضيف شخصا مبجلا فوق مستوى كل الاعتبارات، وله حق المبيت والطعام، قبل أن يغادر إلى وجهته.
المنطقة الواقعة على الحدود مع سوريا خضعت، لمدة طويلة، لسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي؛ ما جعل التجار والمقاولين يعزفون عن دخولها خوفا مما يفرضه التنظيم من قوانين مجحفة.
وبتحريرها عام 2016، باتت المنطقة الصحراوية مقصدا، بل حلبة منافسة بين التجار والمستثمرين، ممن يتسابقون لدخولها من أجل بعث الحياة من جديد في شرايينها بعد سنوات من الركود.
كريم البصراوي، وهو تاجر قطع سيارات، قال متحدثا لإعلام فرنسي: "كنت في زيارة عمل، في أحد الأيام بالفلوجة، وظننت أنه بإمكاني إيجاد فندق للبقاء، وإنهاء عملي مع شخص كنت أنوي زيارته، لكن عند وصولي فوجئت بعدم وجود أي فندق، وضيعت طريقي وطرقت باب منزل أسأل أصحابه عن الشخص المعني".
وبمجرد أن عرف هؤلاء الناس أن الشاب الثلاثيني قادم من محافظة البصرة، وأنه غريب عن المنطقة، لم يترددوا في دعوته للدخول، وتقديم الطعام والشاي له، قبل أن يعدوا له مكانا لقضاء ليلته.
تقليد عشائري يتجاوز الانتماءات الطائفية، وفق المصدر نفسه، لأن الزائر لا يسأل في تلك الأنحاء عن طائفته، بل تسقط جميع العناوين هناك، ليحمل عنوانا واحدا، وهو أنه ضيف وجب تكريمه.
"الضيافة المقدسة"
الزعيم العشائري، الشيخ محمد خلف الشعباني، يعتبر أن "الفنادق أمر معيب ومخجل، لأننا تربينا على أن الضيافة خط أحمر لدينا، فنحن نجلّ الضيف كما نجلّ الله".
وبتعبير حاسم قال "مسألة الفنادق غير قابلة للنقاش، فهي غير موجودة هنا، ولن نسمح بوجودها، ونحن نبيع كل ما نملك من أجل إكرام الضيف".
خط أحمر ترسمه عشائر الأنبار حول هذه المسألة "المعيبة" و"المخجلة" في نظرهم، حيث يعتبرون أن تشييد الفنادق لا يتماشى مع تقاليدهم في التعامل مع زوارهم، حتى أنهم يخصصون لاستقبال الضيف قاعات فسيحة في منازلهم، حتى وإن كانت هذه القاعات تستحوذ على معظم المساحة.
ولذا "عندما نبدأ ببناء بيوتنا نبني أولا قاعة الاستقبال والديوانية الكبيرة للضيافة التي يجب أن تكون كبيرة حتى لو اضطر الأمر أن نعيش كلنا في غرفة واحدة"، بحسب ما جاء على لسان الشعباني.
وفي هذه التقاليد لا يتوانى السكان عن استقبال الضيف حتى وإن لم يكن يقصدهم، كما يقول الحلاق عمر النمر.
ويشرح العادات المتبعة في هذا الأمر: "الضيف يبقى لدينا ليلة على الأقل قبل أن نأخذه إلى الشخص المقصود، وينبغي أن يأكل ويشرب ويرتاح عندنا، وإلا نصبح حديث الناس".
نواميس نابعة من التقاليد السارية في تلك المناطق، وهي نفسها ما جعل طفلا لم يتجاوز الـ12 من عمره يصر على تقديم اللبن والتمر، عام 2008، لصحفي من وسيلة إعلام فرنسية، كان يغطي الحرب بين القوات العراقية والأمريكية ومسلحي تنظيم "القاعدة" الإرهابي.
وأصر أيضا على إقناع الصحفي وفريقه بقضاء الليلة بمنزل والديه.
ومن وجهة نظر مختصة، قال عالم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) الفرنسي من أصول عراقية، داود هشام، إنه "في ظل هذه الظروف، لا يمكن تصور أن يبحث زائر عن فندق في الرمادي، حيث التقاليد المحلية تفرض واجب الضيافة، وهذا هو حال المدن الأخرى في المحافظة أيضا".
التقاليد العشائرية.. ضوابط فوق القوانين
وتخلو مدينة الرمادي من أي فندق، والأثر الوحيد الذي يشير إلى بداية مشروع من هذا النوع، يتمثل في هيكل خرساني مهجور، قال السكان إن شركة تركية أرادت بناء فندق في الأنبار عام 2013، غير أنها أوقفت الأشغال عقب اجتياح تنظيم "داعش" للبلاد في 2014.
في المقابل، قال عضو مجلس محافظة الأنبار، عذال عبيد ضاحي، إن المنطقة بحاجة أكيدة لإنشاء فنادق للأعراس والحفلات أو استقبال الوفود.
غير أنه سرعان ما استدرك حديثه مشيرا إلى أنه "لا جدوى من ذلك لأن العشائر هنا لا تقبل".
aXA6IDE4LjE4OC4xMTMuMTg1IA== جزيرة ام اند امز