التاريخ المناخي.. أداة استراتيجية لتحصين المجتمعات

يساعدنا فهم الماضي في الاستعداد للمستقبل.
شهدت أمريكا الشمالية موجات جفاف مدمرة خلال فترة العصر الهولوسيني، الذي بدأ قبل نحو 11700 سنة مضت. تتميز تلك الحقبة بفترة مناخ دافئ بعد العصر الجليدي الأخير، وانتشرت موجات جفاف قادت إلى تغيرات جذرية في النظم البيئية وموت الغابات. كانت هناك العديد من الأسباب الغامضة حول موجات الجفاف تلك؛ فهذا يساعد في تعزيز فهمنا لتلك التغيرات التي مرت على الأرض، ما يعزز من قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية في المستقبل.
وفي هذا الصدد، عملت مجموعة بحثية دولية على تحليل تطور أسباب الجفاف في منطقة شرق قارة أمريكا الشمالية، للكشف عن الغموض المحدق بفترات الجفاف السابقة؛ خاصة وأنّ إمدادات المياه قد تغيرت بصورة كبيرة خلال موجات الجفاف الشديدة، ونشر الباحثون دراستهم في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في 15 أبريل/نيسان 2025.
محاكاة رقمية!
استعان الباحثون بالبيانات التي حصلوا عليها من حبوب لقاح أحفورية من عدة مواقع في أمريكا الشمالية، بعد ذلك، استخدموا خوارزمية حاسوبية تقوم على التعلم الآلي. من خلال ذلك، استطاع الباحثون إعادة بناء نموذج يوضح التغيرات الحاصلة في مستويات الرطوبة على مدار العصر الهولوسيني. وقد ساعدتهم تلك المحاكاة الرقمية على استكشاف أسباب الجفاف الطويل.
فترات مختلفة
وجد الباحثون تعرّض مناطق مختلفة من قارة أمريكا الشمالية لفترات جفاف مختلفة على مدار آلاف السنين. وقد بدأت بالظهور تدريجيًا، أولًا في شمال شرق الولايات المتحدة والمناطق المجاورة في كندا. بعد ذلك، انتقل الجفاف إلى الغرب. كما وجدوا أيضًا من خلال عمليات المحاكاة المناخية أنه في أوائل العصر الهولوسيني، كان هناك ضغط عالٍ عند الغطاء الجليدي في الجزء الشمالي من القارة -تلك المنطقة تُعد اليوم جزءًا من القطب الشمالي- وتسبب الضغط في توجيه انتقال الرطوبة، ما أثر على التحوّلات الجغرافية في ظروف الجفاف.
يتشابه جفاف العصر الهولوسيني مع المناخ المتوقع أن يسود أمريكا الشمالية خلال العقود القادمة. لذلك؛ فمن المتوقع أيضًا زيادة انتشار الجفاف في معظم أمريكا الشمالية. ومن هذا المنطلق؛ فإنّ محاكاة جفاف العصر الهولوسيني أمر مهم؛ لبناء توقعات أكثر صحة عن مستقبل المناخ، وبالتالي تعزيز قدرات المجتمعات على الصمود.
وأرجع الباحثون بعض الأسباب وراء الجفاف الماضي والمستقبلي إلى أنّه في أوائل العصر الهولوسيني، كان الجفاف ناتجًا عن بعض الأسباب الطبيعية مثل تغير بطيء في مدار الأرض، الأمر الذي أدى لارتفاع درجات الحرارة بصورة قياسية في فصول الصيف عبر أجزاء كبيرة من قارة أمريكا الشمالية؛ فانتشر الجفاف. أما اليوم؛ فالاحترار العالمي وارتفاع نسب الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، تقود نحو الجفاف.
خلص مؤلفو الدراسة إلى أنّ الاحترار الذي تعاني منه الأرض اليوم لم يحدث ربما قبل 100 ألف سنة؛ إذ تسببت الأنشطة البشرية في إحداث بعض التغيرات في الدورات المناخية الطبيعية التي تمر بها الأرض لأسباب طبيعية تتعلق بمدار الأرض. وهذا يعني أننا في حاجة لخفض الانبعاثات واتخاذ إجراءات واستراتيجيات أكثر فعالية لمواجهة تلك الأزمة وتأمين الحياة على سطح الأرض من أجل الأجيال القادمة.