لا بد لصانع القرار أن تكون أبوابه ونوافذه السياسية مفتوحة إلى الأبد، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء أمناء مع الغير
كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "دزرائيللي" لديه عبارة دائمة الترديد "لا يوجد في السياسة شيء اسمه خصام".
وكان يقول: "في الزواج هناك طلاق، لكن في الحياة السياسية لا يوجد زواج أبدي ولا طلاق نهائي".
الحكمة العظمى التي تعلمها وأتقنها كبار الساسة على مر التاريخ: "تحكم في غضبك، لا تخاصم أحداً، ولا تخسر أحداً إلا عند الضرورة أو عند خيانتهم للعهد والوعد، أو من على يديه دماء، أو في جوفه مال فساد"يجب ألا يكون ضمن ملفات الحكم ملف بعنوان "المغضوب عليه".
وكان "ميكيافيللى" ينصح الأمير في وصاياه له: "أبقِ دائماً قناة اتصال -ولو سرية- مع أعدائك ولا تفقد -أبداً- التواصل معهم".
من ترى مواقفه غير ملائمة لمصالحك اليوم قد تتغير الظروف والمعادلات ويصبح الأنسب والأفضل لك.
الأحداث تتسارع، والمصالح تتبدل، والمعادلات تتغير، وعناصر القوة غير مأمونة، والتوازنات الإقليمية والدولية خارج السيطرة، لذلك لا تفقد خيوط اتصالك مع "الغير".
"الغير" هنا يعني المؤيد والمعارض، القريب والبعيد، القوى والضعيف، لأن السياسة كما يقول أرسطو هي علم الرئاسة، وفي قول آخر: السياسة هي فن الرئاسة.
لا يوجد أي صانع قرار على أي مستوى من مستويات المسئولية، في زمن من الأزمنة، وفي أي نظام من الأنظمة قادر على أن يكون لديه "اكتفاء ذاتي" عن مساعدة ومشورة ودعم الناس.
لم يخلق بعد من يمتلك الصواب المطلق.
ولم يخلق بعد من لا يخطئ وهو في موقع المسؤولية.
ولم يخلق بعد من ليس بحاجة إلى الغير.
لذلك، من المهم والأساسي والضروري، والذي لا بديل عنه، ألا يغلق صانع القرار الباب في وجه غيره.
لا بد لصانع القرار أن تكون أبوابه ونوافذه السياسية مفتوحة إلى الأبد، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء أمناء مع الغير، حتى لو كانوا أكثر خصومه اختلافاً.
كل الأمور والخلافات والمواقف يؤخذ منها ويرد عليها إلا خيانة الأمانة، بمعنى خيانة المال، الوطن، الشرف الإنساني، والمهنة.
في العلاقات الإنسانية «يمكن أن يكون هناك صعود وهبوط، اقتراب وابتعاد، تقارب أو جفوة بين الأطراف".
في الحياة السياسية هذا أيضاً أمر وارد، لكنه يجب التعامل معه بعناية خاصة، لأنه لا يتصل فقط بعلاقة بين طرفين أو أكثر فحسب، لكن قد تتأثر به مصالح مئات وآلاف وأحياناً ملايين.
لا معنى للخصام السياسي، أو إعلان غضب السلطة على شخص بشكل تلقائي.
لا معنى لقطيعة وإعلان حالة العداء المستحكم ضد الغير من الآن حتى ساعة دخوله القبر. إنه تقليد عربي نراه في أزمات حالية، مثل العراق وسوريا وليبيا ولبنان!
لا معنى للغضب اللانهائي، وإغلاق أبواب الرحمة والغفران لما نعتقد أنه فعل خاطئ قد يثبت عكسه بعد فوات الأوان!
ما نعتقد أنه خطأ الغير بمقاييس يومنا هذا قد يكون الصواب بعينه غداً أو بعد غد.
الذين عادوا الأنبياء والرسل اكتشفوا أنهم كانوا يحملون رسائل الحق.
الذين خالفوا أينشتاين في نظرياته اكتشفوا أنه عبقرية فذة.
الذين اتهموا الرئيس البطل أنور السادات بأنه باع القضية الفلسطينية وخان الأمة يتمنون اليوم أن يصلوا إلى نصف ما كان يدعو إليه من شروط للسلام والتسوية.
كم من الأبرياء ظلموا، وكم من الفرص ضاعت علينا؟!
مرة أخرى، إغلاق الأبواب في وجه من يخالفك الرأي في السياسة خطأ تاريخي مكلف للغاية.
كان معاوية بن أبي سفيان، والذي عرف بأنه أحد أهم دهاة العرب، لديه عبارة يكثر ترديدها، أصبحت حكمة سياسية بليغة وعميقة: "لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إن مدوها أرخيتها وإن أرخوها مددتها".
الحكمة العظمى التي تعلمها وأتقنها كبار الساسة على مر التاريخ: "تحكم في غضبك، لا تخاصم أحداً، ولا تخسر أحداً إلا عند الضرورة أو عند خيانتهم للعهد والوعد، أو من على يديه دماء، أو في جوفه مال فساد".
يجب ألا يكون ضمن ملفات الحكم ملف بعنوان "المغضوب عليهم".
فاتني أن أقول أيضاً إن معاوية هو من قال: "إنني لا أضع سيفي؛ حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني!"
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة