2023 عام المناخ الغاضب.. كوارث منقوشة في الذاكرة
لم يعد يخفى على أحد أن الظواهر المناخية المتطرفة، أصبحت شائعة بشكل متزايد مع تسارع أزمة تغير المناخ، بسبب الاحتباس الحراري، الذي يغير في الواقع من خصائص هطول الأمطار من حيث التكرار والشدة والمدة.
ومع نهاية عام 2023، يستحق شهر سبتمبر/ أيلول، أن يوصف بأنه "سبتمبر الغاضب"، إذ كان واحدا من أكثر شهور العام، التي شهدت أحداثا مناخية متطرفة، تجمعت كلها في 12 يوما فقط، حيث بدأ الشهر بإعصار اجتاح هونغ كونغ، واقتلع الأشجار وأغرق المدينة، ليتبع ذلك سلسلة من الأحداث المناخية القاسية التي ضربت 10 بلدان وأقاليم، وكانت الفيضانات في ليبيا الأكثر كارثية، التي أودت بحياة أكثر من 11 ألف شخص، وفقًا للأمم المتحدة وخلفت عدة آلاف في عداد المفقودين.
وهذه أبرز أحداث العام المناخية:
أسوأ العواصف في أوروبا
ضربت العاصفة دانيال، مساحات واسعة من منطقة البحر الأبيض المتوسط، نتيجة لنظام الضغط المنخفض القوي للغاية، وهو نوع نادر نسبيًا من العواصف له خصائص مشابهة للأعاصير التي يمكن أن تؤدي إلى هطول أمطار خطيرة والفيضانات.
وأثرت العاصفة، التي تشكلت في الخامس من سبتمبر/أيلول، على اليونان أولاً، مما أدى إلى هطول أمطار أكثر مما نشهده عادة خلال عام كامل، وتحولت الشوارع إلى أنهار قاتلة، وغمرت قرى بأكملها وأجبرت عمال الطوارئ على ركوب قوارب مطاطية لإنقاذ الأسر من منازلهم التي غمرتها المياه.
ولقي ما لا يقل عن 15 شخصا حتفهم، وفقًا لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي وصفه بأنه "أحد أقوى العواصف التي ضربت أوروبا على الإطلاق".
وقال وزير البيئة اليوناني ثيودوروس سكيلاكاكيس إن الفيضانات، التي أعقبت حرائق الغابات المدمرة في البلاد، "تحمل بصمات تغير المناخ".
وشعرت تركيا المجاورة بالتأثير أيضا، حيث سجلت 7 وفيات على الأقل، واضطر سكان المناطق المشجرة إلى الخوض في المياه التي يصل ارتفاعها إلى الركبة، وتحيط بهم الأشجار المتساقطة، في حين شهدت أجزاء من إسطنبول، أكبر مدينة في البلاد، فيضانات مفاجئة مميتة أدت إلى مقتل شخصين على الأقل.
كما ضربت فيضانات شديدة بلغاريا شمال اليونان، مما أسفر عن مقتل أربعة على الأقل، وفي أماكن أخرى من أوروبا، شهدت عاصفة منفصلة - العاصفة دانا - هطول أمطار غزيرة في جميع أنحاء إسبانيا، مما أدى إلى إتلاف المنازل ومقتل ثلاثة أشخاص على الأقل.
دمار في ليبيا
وكان التأثير الأكثر تدميراً على الإطلاق في ليبيا، حيث تحركت العاصفة دانيال عبر البحر الأبيض المتوسط، واكتسبت قوتها من مياه البحر الدافئة بشكل غير عادي، قبل أن تتسبب في هطول أمطار غزيرة على شمال شرق البلاد.
وتسببت الأمطار الغزيرة في انهيار سدين، مما أدى إلى موجة ارتفاعها 7 أمتار، وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، واندفعت المياه نحو مدينة درنة الساحلية، فدمرت أحياء بأكملها وجرفت المنازل إلى البحر.
ولقي أكثر من 11 ألف شخص حتفهم وما زال ما لا يقل عن 10 آلاف آخرين في عداد المفقودين، وفقا للأمم المتحدة، ويعتقد أن العديد منهم جرفتهم المياه أو دفنوا تحت الأنقاض.
وبينما تترنح البلاد، ومع تزايد اليأس في عمليات البحث والإنقاذ، يقول الخبراء إن حجم الكارثة قد تضخم بشكل كبير بسبب مجموعة من العوامل بما في ذلك البنية التحتية المتداعية، والتحذيرات غير الكافية وتأثيرات أزمة المناخ المتسارعة.
وقال مارتن غريفيث، مسؤول الإغاثة في الأمم المتحدة، في تصريحات صحفية: "إنها مأساة لعب فيها المناخ والإهمال دورا كبيرا في التسبب بهذه المأساة الرهيبة والمروعة".
ويرى الخبراء أن الأزمة السياسية التي تعيشها تلك الدولة الواقعة في شمال أفريقيا جعلتها غير مستعدة لمواجهة الفيضانات، وعاقت إيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها.
وقال سياران دونيلي، نائب الرئيس الأول لشؤون الاستجابة للأزمات والتعافي والتنمية في لجنة الإنقاذ الدولية: "إن الوضع في ليبيا يتدهور بشكل مطرد بسبب سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، بالإضافة إلى آثار تغير المناخ".
وأضاف: "على الصعيد العالمي، أدى تغير المناخ إلى جعل هذه الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تواتراً وشدة، مما يزيد من صعوبة قدرة المجتمعات على التأقلم وإعادة البناء، خاصة في المناطق المتضررة من النزاع".
الأعاصير المزدوجة في آسيا
ورغم أن حجم الدمار والخسائر في الأرواح البشرية كان أصغر في آسيا، فإنها شهدت أيضاً عواصف مميتة وغير مسبوقة.
مر إعصارا - ساولا وهايكوي - عبر المنطقة في غضون أيام من بعضهما البعض خلال الأسبوع الأول من سبتمبر، مما تسبب في أضرار واسعة النطاق في جزيرة تايوان، ومدينة هونج كونج وأجزاء أخرى من جنوب الصين بما في ذلك شنتشن.
وعلى الرغم من أن إعصار ساولا أغلق المدارس والشركات في هونج كونج لمدة يومين، إلا أن الضرر الحقيقي جاء بعد أسبوع عندما تعرضت المدينة لعاصفة مفاجئة، حيث غمرت الفيضانات محطات المترو وفاضت الأنهار على الطرق.
وتسببت العاصفة في هطول أعلى معدل لهطول الأمطار في الساعة منذ بدء التسجيل في عام 1884، وفقًا لسلطات هونج كونج.
وفي تايوان، ترك إعصار هايكوي عشرات الآلاف من المنازل بدون كهرباء، وتم إجلاء أكثر من 7000 ساكن.
وقالت جونغ إيون تشو، عالمة الغلاف الجوي والمناخ في جامعة سيتي في هونغ كونغ في تصريحات صحفية إن "الأعاصير المزدوجة كانت حالة استثنائية، خلقت الظروف لعاصفة شديدة بشكل غير عادي في الأسبوع التالي، وجلبت الأعاصير كتلتين هوائيتين بطيئتين الحركة، مثقلتين بالرطوبة وتسافران في اتجاهات مختلفة، مما أدى إلى اصطدامهما وإلقاء تلك المياه فوق هونغ كونغ".
وأوضحت أنه: "إذا كان هناك إعصار واحد فقط، فلن يتسبب في هذا النوع من الأمطار الغزيرة"، مشيرة إلى أنه "على الرغم من أن هذا الحدث لا يرتبط بشكل صريح بتغير المناخ، إلا أن ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان تساعد في تغذية عواصف أقوى".
وأضافت: "إذا أصبح المناخ دافئا، وإذا أصبح سطح (المحيط) أكثر دفئا، فإن الغلاف الجوي يمكن أن يحمل المزيد من الرطوبة، وإذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار درجة واحدة (مئوية)، يمكن أن يحتوي الغلاف الجوي على رطوبة أكثر بنسبة 7٪".
وأشارت إلى تاريخ تسجيل هطول الأمطار كل ساعة في هونغ كونغ، وقالت إنه "في الماضي، كانت هناك عقود بين أحداث هطول الأمطار القياسية، لكن الفجوات بين السجلات تضيق بسرعة، ومع ارتفاع درجة حرارة عالمنا، أصبح الطقس المتطرف الذي كان يحدث مرة واحدة في العمر أمرا متكررا".
أمطار غزيرة في الأمريكتين
وغمرت المياه أجزاء من الأمريكتين أيضا، وسجلت البرازيل أكثر من 30 حالة وفاة الأسبوع الماضي بعد هطول أمطار غزيرة وفيضانات في ولاية ريو غراندي دو سول، وهي أسوأ كارثة طبيعية تضرب الولاية منذ 40 عامًا.
وقالت عالمة الأرصاد الجوية البرازيلية ماريا كلارا ساساكي في تصريحات صحفية، إنه "في غضون أسبوع، تلقت الولاية متوسط كمية الأمطار المتوقعة طوال شهر سبتمبر بأكمله".
وفي الوقت نفسه، في الولايات المتحدة، تصدر مهرجان "الرجل المحترق" عناوين الأخبار الدولية بعد أن ضربت عاصفة مطيرة غزيرة المنطقة، حيث طلب من عشرات الآلاف من الحاضرين الحفاظ على الطعام والماء بينما تقطعت بهم السبل في صحراء نيفادا.
وتعرضت المنطقة النائية لما يصل إلى 0.8 بوصة " أي حوالي ضعف متوسط هطول الأمطار في سبتمبر" خلال 24 ساعة فقط.
وعلى الجانب الآخر من البلاد، دمرت الفيضانات في ولاية ماساتشوستس مئات المنازل والشركات والبنية التحتية بما في ذلك الجسور والسدود والسكك الحديدية، وتجاوز هطول الأمطار في أجزاء من ماساتشوستس ونيوهامبشاير أكثر من 300% عن المعدل الطبيعي ، وفقًا لبيانات خدمة الطقس.
وقالت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي حينها إن "درجات حرارة المحيط الدافئة القياسية قد غذت موسم الأعاصير المفرط النشاط في المحيط الأطلسي"، وأن "أكثر من 90% من ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم على مدار الخمسين عاما الماضية حدث في المحيطات".
وقال فيل كلوتزباخ، عالم الأبحاث في قسم علوم الغلاف الجوي بجامعة ولاية كولورادو في تصريحات صحفية، إن "هذا يعني أن المزيد من العواصف قادرة على التشكل أكثر مما كان ممكنا في عام نموذجي لظاهرة النينيو، فحتى العواصف التي تضعف بسبب التغيرات في الرياح ، يمكنها البقاء على قيد الحياة وتكتسب القوة مرة أخرى بمجرد أن تجد ظروفا أفضل".