تاريخ ومستقبل على المحك.. «أبل» في ورطة التعريفات الجمركية

كانت شركة أبل تُعتبر يوماً ما رمزاً للتعاون بين الولايات المتحدة والصين، لكنها تجد نفسها اليوم في موقف هش للغاية.
وذلك بسبب تصاعد الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، تواجه الشركة رسوماً جمركية قاسية، مما يضع الرئيس التنفيذي تيم كوك في موقف صعب، ويختبر قدرته على الحفاظ على استراتيجية التوازن الجيوسياسي.
وفي 3 أبريل/نيسان، وبعد إعلان ترامب فرض رسوم جمركية "متبادلة" على معظم الشركاء التجاريين لأمريكا، انخفضت القيمة السوقية لشركة أبل بمقدار 311 مليار دولار.
وفي اليوم التالي، ردّت الصين بفرض رسوم بنسبة 34% على السلع الأمريكية وقيود على تصدير المعادن النادرة، مما تسبب في تراجع أكبر لأسهم أبل. وعلى عكس بقية عمالقة التكنولوجيا، تعتمد أبل بشكل كبير على مبيعات الأجهزة، خاصة iPhone، الذي يتم تصنيعه في الغالب في الصين، مما يجعلها الأكثر تأثرًا.
وكان كوك قد حاول مؤخرًا كسب ود الإدارة الجديدة بإعلان استثمار بقيمة 500 مليار دولار في أمريكا، في محاولة واضحة للحصول على إعفاءات من الرسوم الجمركية كما حدث خلال فترة ترامب الأولى.
ولكن هذه المحاولة لم تؤتِ ثمارها. فقد جاءت الرسوم الجديدة، التي تبلغ 54% على الواردات من الصين، أكثر قسوة مما توقعت الشركة. ومع تصنيع ما يصل إلى 90% من أجهزة iPhone في الصين، فإن التكاليف الجمركية تُطبق على تكلفة الإنتاج وليس على سعر البيع بالتجزئة، مما قد يضيف نحو 330 دولارًا إلى تكلفة إنتاج هاتف iPhone الذي تبلغ تكلفته الخام نحو 550 دولارًا، وفقًا لتحليلات ديفيد فوغت من بنك UBS.
خياران
وتواجه أبل الآن معضلة كبيرة: هل ترفع الأسعار على المستهلكين، أم تتحمل التكاليف داخليًا؟ والمشكلة، بحسب التقرير، هي أن مبيعات iPhone، التي تمثل أكثر من نصف إيرادات الشركة، راكدة بالفعل. ومع سعر الجهاز الذي يقترب من 1000 دولار، فإن رفع السعر قد ينفّر المزيد من العملاء، خاصة مع تأخر في ميزات الذكاء الاصطناعي.
والخيار الآخر هو أن تتحمل الشركة العبء، أو تشاركه مع الموردين. لكن ذلك سيضغط على أرباحها لينخفض هامش الربح الإجمالي من 46% إلى 40%، وتتراجع أرباح السهم الواحد بنسبة تصل إلى 20%. ورغم أن هوامش ربح أبل أعلى من منافسيها مثل سامسونغ، إلا أن الضرر لا يمكن تجاهله.
وإضافة إلى التكاليف المتزايدة في أمريكا، هناك خطر آخر قادم من الصين. قد تجعل الرسوم الانتقامية الصينية بعض المكونات أكثر تكلفة، مثل زجاج "غوريلا" المستخدم في أجهزة أبل، والذي تصنعه شركة Corning الأمريكية في ولاية كنتاكي. كما أن القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة قد تؤثر على موردين أساسيين لأبل.
انخفاض المبيعات
وبينما شهدت مبيعات أبل في الصين تراجعًا، فقد انخفضت إيرادات الشركة هناك بنسبة 8% العام الماضي بسبب ضعف الطلب على أجهزة iPhone وiPad. ويُحتمل أن يسرّع المستهلكون الصينيون هذا التراجع من خلال مقاطعة منتجات أبل باعتبارها رمزًا للسياسات الأمريكية العدائية، بينما يزداد الإقبال على البدائل المحلية مثل هواوي وأوبو وشاومي.
ولا يُستبعد أن تلجأ الحكومة الصينية لاتخاذ إجراءات انتقامية مباشرة ضد أبل. فقد أفادت بلومبرغ في فبراير/شباط أن السلطات الصينية تفكر بفتح تحقيق احتكاري في الرسوم التي تفرضها أبل على مطوري التطبيقات، مما قد يشكل بؤرة توتر جديدة في الحرب التجارية.
ومع تراجع الحال بالصين، وغياب البدائل الآمنة في آسيا بعد فرض رسوم على الهند (26%) وفيتنام (46%)، يبدو أن خيارات أبل محدودة. وتدعو إدارة ترامب أبل لنقل التصنيع إلى أمريكا، لكن التحديات التقنية لإعادة التصنيع إلى أمريكا ضخمة. فحتى إنتاج الرقائق الإلكترونية لشركة أبل من قبل شركة TSMC التايوانية استغرق سنوات واحتاج دعمًا حكوميًا كبيرًا ليبدأ في ولاية أريزونا. ويتطلب الأمر جهودًا مماثلة لنقل شبكة الموردين بالكامل إلى أمريكا، وهو ما لم تُقدم إدارة ترامب أي حوافز لتحقيقه حتى الآن.
ويشير خبير سلاسل التوريد كيفن أو ماراه إلى أن أبل كان بإمكانها اتخاذ قرار بنقل الإنتاج إلى أمريكا منذ سنوات باستخدام الأتمتة بدلاً من العمالة الرخيصة، لكن الوضع اختلف الان. ويؤكد المحلل دان آيفز أن iPhone مصنوع بالكامل في أمريكا قد يصل سعره إلى 3500 دولار.
وتيم كوك، الذي كان يُشاد به لقدرته على التنقل بذكاء في عالم السياسة العالمية، يواجه اليوم أصعب اختبار في مسيرته. ومع تراجع النفوذ في الصين وتقلص الخيارات الآسيوية، ومستقبل غير مؤكد في أمريكا، فإن مستقبل أبل -ومستقبل كوك نفسه بعد 14 عامًا على رأس الشركة- أصبح على المحك.
aXA6IDE4LjExNi4xMTIuMTY0IA==
جزيرة ام اند امز