لا يمكن الحديث عن استقرار الأمن القومي العربي في جزئه الشرقي والعراق قراره مختطف أو أنه يعاني من الانقسام
ربما لم يشهد التاريخ الحديث وضعاً مأساوياً على دولة العراق مثلما يحدث خلال الفترة الحالية الممتدة منذ أكثر من عقد من الزمن حتى باتت أغلب المنتديات السياسية العربية والدولية، التي يلتقي فيها السياسيون العرب مع غيرهم لا تكف عن التساؤل عما إذا كان هذا الوضع سيطول أو أن وضعه سيكون "قضية" عربية أخرى من القضايا المستعصية على الحل، كما القضية الفلسطينية، آخرها مداخلة وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، مؤخراً، في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، إذ اعتبر التدخلات الخارجية في العراق تهدد استقرار الدول العربية، وهو في هذا عنده كل الحق، لأن العراق من ركائز النظام العربي.
هناك مؤشرات حقيقية على الأرض تؤكد أن مرحلة اختطاف العراق وقراره العربي توشك على الانتهاء، وأن حل كل المشكلات والتحديات التي يواجهها يعتمد على الإنسان الوطني وليس على القادة الطائفيين أو الباحثين عن المجد الشخصي
تشعبت قضية العراق وتعددت حلقاتها السياسية والاجتماعية بسبب مواقف بعض سياسييها خصوصا الذين كانت الدول العربية تراهن على أنهم عامل مهم لعودة العراق إلى الصف العربي، ولكن أحيانا (وهي كثيرة) يكونون أقرب إلى الموقف الإيراني من الموقف الوطني، وذلك بحثاً عن مجد سياسي شخصي على حساب الدولة العراقية وشعبها مثلما يفعل الآن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي تسبب في خلق حالة من الارتباك السياسي في الموقف، فأحياناً يؤيد مظاهرات ضد الوجود الإيراني من خلال مشاركة أتباعه في الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإنهاء "اختطاف القرار" العراقي من إيران، وأحياناً تجده يدعم الموقف الإيراني كأنه يقف ضد رغبة الشعب العراقي.
ينبغي ألا نستغرب من الاهتمام العربي والخليجي -بشكل أخص- بما يحدث في العراق، ليس فقط من جانب أن الأمر في أحيان كبيرة من حنين عربي عفوي باعتباره جزءا من الجسد السياسي العربي وما يمس شعبه يمس كل العرب، وإنما وضعه لا يعني أو يهم العراقيين وحدهم كونه أحد "الأعمدة" العربية الأساسية بجانب كل من مصر وسوريا، التي بدأ الهمس السياسي عن عودتها للصف العربي برغبة عربية كاملة، وهو ما يعطي مؤشراً لاحتمال عودة النظام العربي. فللعراق والعراقيين موقعهم المميز في الجغرافيا الخليجية، ليس فقط من جانب التداخل العائلي وموقعه الجغرافي في مواجهة واحد من أخطر مهددي الاستقرار في المنطقة العربية، وإنما الأمر بات يتعلق بمستقبل التحديات التي تواجه استمرار كيانه السياسي في ظل وجود قيادات قبلت على نفسها أن تخدم ملفات ضده.
لا يمكن الحديث عن استقرار الأمن القومي العربي في جزئه الشرقي والعراق قراره مختطف أو أنه يعاني الانقسام، فدوره حاجة عربية وخليجية ملحة، وبالتالي لا يمكن إلغاؤه ولا الحديث حول الاستغناء عنه، بل الكل يتمنى أن يعود سريعاً أو أن يكون انحسار دوره مؤقتاً.
العرب يريدون من العراق أن يكون دولة مستقرة تعيش في مؤسساتها التي تخدم الإنسان العراقي قبل التفكير في أجندات تخدم إيران، ويريدونه الدولة الإقليمية التي كانت تقف ضد من كل يحاول المس بالدول الشقيقة لها، وتلك الدولة التي كانت تربطها علاقات مع الدول الكبرى في العالم، حيث دفع العرب والخليجيون ثمنا كبيراً بتراجع دوره و"مرضه السياسي"، لهذا كل ما يتم الآن من حديث وعمل عربي هو فقط من أجل أن يطمئنوا عليه لأن عودة دوره يؤثر إيجاباً على كل العرب، ولهذا شعر العرب بقلق كبير نتيجة دعوات مقتدى الصدر بمظاهرات هي أقرب إلى أنها ضد الإنسان العراقي مع أنه كان أحد الرهانات الخليجية والعربية كونه أحد الشيعة العروبيين.
ليس بسيطاً ما شهده العراق خلال الفترة من عام 2003 إلى الآن، وهناك مؤشرات حقيقة على الأرض تؤكد أن مرحلة اختطاف العراق وقراره العربي توشك على الانتهاء، وأن حل كل المشكلات والتحديات التي يواجهها يعتمد على الإنسان الوطني وليس على القادة الطائفيين أو الباحثين عن المجد الشخصي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة