القمة العربية.. «رؤية عملية» متكاملة ترسم المستقبل الفلسطيني

نقطة تحول في التعامل مع القضية الفلسطينية، طرحت حلولًا واقعية بعيدًا عن الشعارات، مع ربط الإعمار بالحل السياسي لضمان استدامته.
هكذا رأى خبراء ومسؤولون تحدثت إليهم «العين الإخبارية»، القمة العربية لإعادة إعمار غزة التي انعقدت في القاهرة، الثلاثاء، في توقيت دقيق وحساس، وشهدت توافقًا عربيًا ودوليًا على الخطة المصرية.
إسرائيل ترفض الخطة العربية لإعمار غزة
القمة العربية تعتمد خطة إعمار غزة وتدعو مجلس الأمن لنشر قوات بفلسطين
وتهدف الخطة إلى إعادة الإعمار على مرحلتين، إلى جانب تعزيز المسار السياسي نحو حل الدولتين وإصلاح السلطة الفلسطينية، حيث اتفق المحللون على أن القمة تجاوزت البعد الإغاثي إلى أفق سياسي واضح، كما شددت على أهمية الحفاظ على الوجود الفلسطيني في غزة والضفة، ورفض مشاريع التهجير.
مبادرة عربية ودولية
وفي هذا الإطار، اعتبر الدكتور أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات، أن «النتائج التي تم الإعلان عنها فيما يخص إعادة إعمار غزة تمثل تطورًا مهمًا وفي الاتجاه الصحيح، حيث تتناول إعادة الإعمار على مرحلتين دون تهجير للسكان».
كما تسلط الضوء على دور عربي وفلسطيني فاعل، إلى جانب دور الدولة، بهدف تحقيق الاستقرار وضمان شعور إسرائيل بالأمن، وهو ما تسعى إليه إسرائيل بطبيعة الحال.
وأشار عوض في حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن «هذه الخطة تعكس أهمية العامل الفلسطيني وضرورة وجود توافق فلسطيني لضمان نجاحها وتنفيذها على أرض الواقع».
ولفت إلى أن «الخطة لم تعد مجرد مبادرة مصرية، بل تحولت إلى مبادرة عربية ودولية، حيث حظيت بدعم واسع من جهات دولية كبرى، مثل الاتحاد الأوروبي، القمة الأفريقية، الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغالبية الدول العربية».
وأضاف أن «هذه النتائج لم تقتصر على إعادة الإعمار فقط، بل شملت أيضًا أفقًا سياسيًا نحو حل الدولتين، حيث تم تثبيت هذا المسار وربط جميع العوامل ببعضها البعض، بما في ذلك العلاقة بين غزة والضفة الغربية والقدس».
كما شددت النتائج على «أهمية تجديد وتطوير وإصلاح السلطة الفلسطينية لضمان نجاح الخطة واستدامتها، لافتا إلى أن هذه النتائج تتحدث عن نفسها، كونها جاءت منسجمة مع اللحظة التاريخية الراهنة، بعيدًا عن الشعارات الضخمة والخطابات غير الواقعية، ما يعكس جديتها وواقعيتها في التعامل مع القضية».
رؤية شاملة للقضية الفلسطينية
ومن جانبه، رأى الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية، أن قمة فلسطين التي عقدت في القاهرة «أعادت التأكيد على خيار السلام في إطار المواقف العربية الثابتة، كما ورد في مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002».
وأضاف يوسف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن «القمة تعاملت بدبلوماسية مع السياسات الأمريكية الأخيرة، إذ حددت الموقف السياسي العربي بناءً على المبادرة العربية، مع الإعراب عن الاستعداد للتعاون مع الإدارة الأمريكية في تنفيذ هذه الرؤية، لكن في إطار الثوابت العربية».
وأشار إلى أن «أحد الجوانب اللافتة في مخرجات القمة كان التركيز غير المسبوق على فكرة الإصلاح السياسي الفلسطيني الداخلي، وهو ما ظهر جليًا في خطاب الرئيس محمود عباس، الذي أعلن عن بعض الخطوات في هذا الاتجاه، مثل تعيين نائب لرئيس المنظمة ورئيس دولة فلسطين».
كما أكد بيان القمة على ضرورة تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة تحت إشراف الحكومة الفلسطينية، على أن تكون لجنة غير فصائلية، إلى جانب الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن، وإن كان البيان قد أضاف عبارة "عندما تكون الظروف مناسبة"، مما قد يفتح الباب لمزيد من التأجيل.
وأضاف أن «القمة قدمت رؤية متكاملة للتطورات الراهنة، حيث شدد على استكمال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ووقف العدوان على الضفة الغربية».
كما أنها المرة الأولى التي يشير فيها بيان قمة عربية إلى ضرورة وجود قوات حفظ سلام بقرار من مجلس الأمن في الأراضي الفلسطينية، رغم صعوبة تحقيق هذا المطلب بسبب الرفض الإسرائيلي والفيتو الأمريكي المتوقع.
أستاذ العلوم السياسية المصري، أكد أن «التحدي الحقيقي الآن لا يكمن في تقديم رؤية صائبة فحسب، بل في القدرة على تجسيدها على أرض الواقع، وهو ما سيتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة وإرادة سياسية قوية».
بديل لمشروع ترامب
بدوره، أكد الدكتور أمين المشاقبة، الوزير الأردني الأسبق، أن القمة تبنّت الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتي تقوم على عدة مراحل تبدأ بمرحلة الإنعاش وإيصال المساعدات، ثم إصلاح البنى التحتية الأساسية، وصولًا إلى إعادة الإعمار الشامل.
وأضاف الوزير الأردني الأسبق في حديث لـ"العين الإخبارية" أن «التوافق العربي على هذه الخطة جاء كبديل واضح لمشروع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كان يقوم على تهجير الفلسطينيين من غزة».
وشدد على أن «هناك رفضًا عربيًا قاطعًا لمثل هذه الطروحات، ودعوة واضحة للمجتمع الدولي لتبني الخطة المصرية باعتبارها المسار الأكثر عدالة وواقعية».
وأشار المشاقبة إلى أن «القمة أكدت ضرورة وجود مسار سياسي واضح لحل القضية الفلسطينية يقوم على حل الدولتين، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية».
وأكد أن دعوة البيان الختامي إلى نشر قوات دولية لحفظ الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة، تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.
وأشاد بالدور المصري في توحيد الموقف العربي وتنسيق الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، مؤكدًا أن مصر نجحت في وضع حد للغطرسة الإسرائيلية عبر تقديمها بدائل حقيقية لمشاريع التهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف أن مصر هي الدولة الوحيدة القادرة على قول كلمة الحق بشأن أهمية حل الدولتين، فضلًا عن كونها الشقيقة الكبرى للدول العربية، التي تدرك أهمية دورها وقدراتها الدبلوماسية في دعم القضية الفلسطينية.
توقيت شديد الحساسية والخطورة
وفي السياق ذاته، أكد السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن القمة العربية التي انعقدت في القاهرة جاءت في توقيت شديد الحساسية والخطورة، في ظل مرحلة مصيرية تمر بها القضية الفلسطينية، وتهدد الأمن القومي العربي، وفي القلب منه الأمن القومي المصري.
وشدد حجازي في حديثه لـ"العين الإخبارية" على أن مصر تقدمت للقمة العربية بمبادرتها الشاملة التي تم اعتمادها عربيًا، لتكون وثيقة عربية تقدم مخرجًا للأوضاع الراهنة في المنطقة، وترتكز على إعادة إعمار غزة تحت شعار "التعمير والفلسطينيون على أرضهم".
وأوضح أن المبادرة تبدأ بمرحلة إغاثة عاجلة تتضمن إنشاء ثلاث مناطق آمنة مزودة بالكهرباء والمياه، لإعادة الحياة إلى قطاع غزة خلال الأشهر الستة الأولى.
كما تشمل الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، بمبادرة مصرية وبرعاية الأمم المتحدة، يشارك فيه المجتمع الدولي لتأمين التمويل اللازم، حيث قدّرت قمة الرياض الحاجة إلى 20 مليار دولار في المرحلة الأولى.
بينما قدّرت الأمم المتحدة أن عملية إعادة الإعمار ستتطلب ما بين 3 و5 سنوات بتكلفة تصل إلى 53 مليار دولار، مما يؤكد أن الجهد يجب أن يكون دوليًا وشاملًا.
وتابع أن "الخطة المصرية لا تتوقف عند الجانب الإنساني والإغاثي، بل تطرح أفقًا سياسيًا واضحًا يضع حل الدولتين كضمانة حقيقية لتنمية غزة واستقرار المنطقة، خاصة بعد الدمار الذي ألحقته إسرائيل بالقطاع، حيث دمرت مرافق أساسية مثل مطار غزة ومينائها، فضلًا عن تكرار عمليات التدمير التي استهدفت المشاريع التنموية الممولة دوليًا".
وأشار إلى أن الحل المطروح لا يقتصر على إعادة الإعمار، بل يشمل تحركًا دبلوماسيًا لعقد مؤتمر دولي للسلام بحلول نهاية يونيو/حزيران المقبل، يهدف إلى بلورة رؤية شاملة لحل الدولتين، باعتباره الركيزة الأساسية للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأكد أن هذه الرؤية المصرية-العربية تهدف إلى مواجهة مخططات التهجير القسري للفلسطينيين، وخلق بيئة أكثر أمنًا واستقرارًا في المنطقة، بما يمهد لانطلاقة تنموية كبرى تشمل القوى الإقليمية الفاعلة، في إطار إعلان مبادئ يرسخ لنظام أمني إقليمي يقوم على التعاون والاستقرار.
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أوضح أن "الخطة المصرية تحظى بدعم دولي واسع"، مشددا على أن "هذا الطرح يهدف إلى حماية مصالح المنطقة من المشاريع الخارجية التي تسعى لإدامة الصراع والمعاناة الإنسانية، خدمةً لمصلحة طرف واحد هو إسرائيل".
وأكد أن مصر، من خلال قيادتها لهذا التحرك، لا تقدم فقط بديلًا واقعيًا وعمليًا لمخططات التهجير، بل تؤسس لحل مستدام يدعم القضية الفلسطينية ويفشل المخططات الرامية لإعادة رسم خارطة المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية.
كما أشار إلى أن التعاون المصري مع لجنة الإسناد المجتمعي، التي شكلتها حركتا فتح وحماس تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، سيسهم في إعادة تنظيم الأوضاع داخل غزة، بدعم من مصر وبعض الدول العربية، مع تعزيز دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في القطاع، بما يضمن استقرار الأوضاع على الأرض.
وشدد حجازي على أن مصر، من خلال هذه الرؤية، تقدم للعالم الحل الواقعي القابل للتطبيق، وتفشل مخططات اليمين الإسرائيلي وداعميه، في الوقت الذي تضع فيه المنطقة أمام فرصة حقيقية لبناء مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.