35 لوحة بفضل حجر كورونا.. فنان فلسطيني في العزل
عدد المصابين بفيروس كورونا في فلسطين تجاوز الـ300، وتعافت 62 حالة، وعدد الوفيات جراء الوباء بلغ 2 فقط
شكل الفن الفلسطيني مسارا طويلا يواكب الأحداث المتواترة، ومنها جائحة فيروس كورونا المستجد التي أشغلت الفنان التشكيلي الدكتور خالد نصار، ليجد نفسه في تجربة فريدة من نوعها.
نصار اضطر إلى البقاء داخل مدرسة لقضاء مدة الحجر الصحي مع مئات المسافرين العائدين إلى قطاع غزة من مصر، لكنه لم يرفع راية الانتظار ولم يعط رأسه للفراغ.
وقرر أن يحارب كورونا على طريقته الخاصة، بأن يحول المدرسة إلى مرسم، ومعرض للوحاته التي رسمها كتعبير عن واقع لا يزال يفرد ذاته على الكون بأسره بقوة كوفيد 19.
يقول الفنان التشكيلي الدكتور خالد نصار (59 سنة) بعد انتهاء فترة حجره الصحي ورجوعه إلى بيته لـ"العين الإخبارية": "الفنان بطبيعة الحال يتعامل مع الوقائع بحساسية مفرطة، فيجد الزمن كالجرس في رقبته لا يهدأ من إصدار أصواته كلما ارتطم بغبار الأحداث، لذا قررت منذ اللحظة الأولى لدخولي مدرسة الحجر الاحترازية أن أشغل نفسي بالرسم".
وأضاف: "طلبت الأدوات من القائمين على المدرسة وتمت الاستجابة لطلباتي، وفي اليوم الثاني وعند ظلال الجدران فرشت مرسمي وبدأت أحاكي كورونا بلغة الألوان، والمحجورون معي كمشاهدي مباريات كأس العالم يحدقون في يداي وهي تسبح باللوحات، وينتظرون نهاية كل عمل لي لكي يتسابقوا على حمله وتعليقه على سور المدرسة الداخلي".
وتابع: "هذا الإقبال شجعني أكثر على رسم جماليات الطبيعة، وأن أبتعد عن رموز الوباء وصوره إلا ما تطلبت الفكرة فأجد نفسي راسماً فيروس كورونا، أو موجهاً ومروجاً لما تطالب به الجهات المختصة من الناس حفاظاً على سلامتهم كعبارة خليك بالبيت، وغيرها، ولم أرسم الكمامة ولا ثياب الوقاية ولا أدوات التطهير والتنظيف كما فعل بعض الرسامين، ولكنني ابتعدت عن المباشرة، وحاولت التنقيب عن جمال الحياة وألوانها الزاهية لكي أرفع الروح المعنوية عند المحجورين، وأبعث برسائل تحد لمواجهة هذا الوباء".
واعتبر أن "الفن التشكيلي رسالة سامية كأي فعلٍ إبداعي يمارسه المبدعون، لهذا فمهمتي كانت أن أغير بيئة المكان، وأصرف الناس عن الوباء وأفتح لهم أسرار هذا الفن بألوانه".
وواصل حديثه: "عند مرسمي كان ينشغل المتواجدون معي بما أوجدته الألوان لتتغير أمزجتهم من الشحوب إلى السعة والأمل، ونجحت إلى حد كبير بالتعبير عن التفاؤل، وتجاوز الضغوط النفسية، والبعد عن الأهل والقلق من نتائج الفحوصات المخبرية للوباء".
الدكتور نصار شارك بعشرات المعارض العربية والدولية، ومثل فلسطين أكثر من مرة في أكثر من دولة، وحاز على تكريم العديد من المؤسسات والجهات المحلية والعربية، ونال أكثر من شهادة دكتوراه فخرية على ما قدمه في هذا الفن.
واستفاد من فترة الحجر الصحي، ليخرج بعد 21 يوماً وقد رسم 35 لوحة زيتية بعضها القليل يعبر عن الوباء وأغلبها تعبر عن الجماليات الكونية، والطبيعة الخلاقة، وإرادة الإنسان في الأزمات والصعاب.
هذا المغنم الفني زاد من رصيد الفنان وجعله أقرب إلى فئة لم تكن تهتم من قبل بالرسم والفن التشكيلي والألوان، بل استطاع أن يحول المحجورين إلى جمهور متذوق للفن التشكيلي إلى درجة أن كثيرين من الذين كانوا معه اشتروا أوراقاً وأقمشة وطلبوا منه أن يرسم لهم لوحات خاصة، ففعل برحابة صدر، واعتبر ذلك من وسائل تعزيز الروح الإيجابية لدى الطالبين، وجزءا من رسالته الإنسانية كفنان.
ولا يعتبر الفنان نصار لمصير اللوحة بل يعتبر لوجودها ولتكن في أي مكان مهما كان بعيداً عنه، ويقول: "سعادتي أن أصادف في يوم من الأيام لوحة لي عند شخص نسيت اسمه ومتى التقينا، روحي تبعث من جديد عندما أشاهد لوحتي على صفحة شخص ما جمعتنا مدرسة الحجر الصحي، أو أن يأتيني اتصال من شخص كان معي في الحجر ليثني على لوحتي التي أصبحت زينة جدار منزله".
وتابع: "لهذا لم أشعر بالضجر في حجري الصحي وإن طال، ولم أشتك من طول الانتظار، بل مرت الأيام وكأنّها لمح بصر، وعدت إلى بيتي ومعي لوحاتي، وبعضها سيكون لمعرض تنظمه الجهة التي مدتني بأدوات الرسم في محافظة رفح".
الدكتور نصار كأي فنان لديه هدف وأمامه طموح يريد الوصول إليه بعد تنظيف الكون من وباء كورونا فيقول: "طموحي أن أعرض لوحاتي عن هذه الفترة التي نعيشها في معرض كبير في عواصم عربية ودولية، لكي أؤكد ما أؤمن به دوماً بأن الوباء عابر سبيل والإنسان المبدع والمعافى هو المقيم، وإلى ذلك اليوم أقول لكل الناس التزموا بيوتكم وحافظوا على أنفسكم وأشغلوها بما هو مفيد".
الوباء إلى زوال وإن خلدته الفنون ونقلت صوره وأسماء ضحاياه إلى الأجيال، فالإنسان سيبقى ابن الحياة، هذا ما قالته آخر لوحة للفنان خالد نصار.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الأربعاء، أن عدد المصابين بفيروس كورونا تجاوز الـ300، وتعافت 62 حالة، وعدد الوفيات جراء الوباء بلغ 2 فقط.