الذكاء الاصطناعي والأسلحة البيولوجية.. مكعب روبيك يكشف خطرا بيد إرهابيين
مع انتشار الذكاء الاصطناعي، تأثر الكثيرون بتلك الأدوات التي أصبحت متاحة في يد الجميع؛ فبينما استخدمت في أحد جوانبها في تذليل العقبات، شعرت في الجانب المقابل فئات بالمخاطر من أن يسهم في القضاء على وظائفهم.
إلا أن هناك مجالات اقتحمها الذكاء الاصطناعي، شكلت تهديدات للبشرية، كونه أصبح قادرًا على المساعدة في إنشاء أسلحة الدمار الشامل - ليس ذلك النوع الذي يحتاج لمختبرات وتصنعه الجيوش في الصحاري النائية- بل بات تصنيع تلك الأسلحة متاحًا بالذكاء الاصطناعي في قبو أو من خلال مختبر بمدرسة.
فكيف ذلك؟
تقول وكالة «بلومبرغ»، إن أدوات مثل «شات جي بي تي»، أصبحت قادرة على تقديم رؤى حول الفيروسات الضارة والبكتيريا والكائنات الحية الأخرى مقارنة بما كان ممكنا تقليديا باستخدام أدوات البحث الحالية.
وأشارت إلى أن جمع تلك الأدوات بين علم الأحياء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي، بات يهدد بتحوله إلى كابوس بالنسبة للحكومات، التي كانت بطيئة في وضع أنظمة الرقابة.
ومع استمرار تحسن الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيتمكن الناس من استخدامه «لإنشاء أشياء أكثر بشاعة»، كما يقول كيفن إسفيلت، عالم الأحياء وأستاذ مشارك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في إشارة إلى الفيروسات والسموم التي لا وجود لها حاليًا»، مضيفًا: «اليوم لا يمكننا الدفاع ضد هذه الأشياء».
وللتقدم على هذا المسار، بحثت شركة Anthropic المدعومة من Amazon.com Inc وAlphabet Inc ، منذ أكثر من عام لاختبار إمكانات الشرير الخارق لبرنامج المحادثة الآلي الجديد الخاص بها «كلود»، الذي كان الهدف الأساسي وراء بنائه جعل أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر أمانًا.
ويقول المؤسس المشارك لشركة Anthropic جاك كلارك في مقابلة إنه وفريقه يعتقدون أنه مع ضخ المزيد من البيانات في منتجات الذكاء الاصطناعي، فإنها ستصبح أفضل في إخراج ردود دقيقة حول الأشياء التي يحتمل أن تكون خطيرة.
لكن ما هو «كلود»؟
إن «كلود»، مثل «شات جي بي تي»، عبارة عن روبوت محادثة يعمل بما يسمى نموذج اللغة الكبير، أو LLM، والذي يعالج كمية هائلة من النصوص لتوليد استجابات تشبه البشر بشكل مذهل.
وقال كلارك، الذي كان يعمل في بلومبرج نيوز، إن فريق Anthropic كان قلقًا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمجال علم الأحياء. كانت لديهم شكوك في أن «كلود»، وغيره من روبوتات المحادثة قد تكون قادرة على تدريب المستخدمين على كيفية التلاعب بالبيولوجيا لإحداث الضرر.
ولم تكن شركة أنثروبيك تمتلك الخبرة اللازمة لتقييم القدرات العلمية لكلود داخلياً. ويقول كلارك إنه أخبر روكو كاساجراندي، عالم الكيمياء الحيوية ومفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة، الذي أسس في عام 2005 شركة علمية وأمنية تدعى جريفون ساينتيفيك، والتي لديها عقود تمتد من البنتاغون إلى المعاهد الوطنية للصحة: «أريد منك أن تتحقق من افتراضاتنا». وعندما يتعلق الأمر بتقييم المخاطر البيولوجية، فإن كاساجراند هو المستشار الذي يلجأ إليه الجميع في واشنطن.
وشكل كاساجراندي فريقًا من الخبراء في علم الأحياء الدقيقة وعلم الفيروسات لاختبار «كلود»، لمدة 150 ساعة، لعبوا خلالها دور الإرهابي البيولوجي وأمطروا النموذج بالأسئلة، فسألوه عن مسببات الأمراض التي قد تسبب أكبر قدر من الضرر، وكيفية شراء المواد اللازمة لصنعها في المختبر وكيفية زراعة هذه المواد.
وبحسب «بلومبرغ»، فإن «كلود» كشف عن مهارة في المساعدة في التخطيط الخبيث: حيث اقترح طرقًا لدمج مسببات الأمراض في الصاروخ لضمان أكبر قدر ممكن من الضرر. كما كان لديه أفكار حول كيفية اختيار أفضل الظروف الجوية والأهداف للهجوم.
وقالت أودري سيرليس، التي كانت محللة أولى في جريفون في الفريق الذي قام بتقييم كلود، إن برنامج المحادثة كان «مفيدًا حقًا في مرحلة العصف الذهني»، مشيرة إلى أن ردوده تجاوزت ما تميل غوغل إلى إظهاره.
بدورها، أضافت فروجي جاكسون، وهي عالمة عملت أيضًا في المشروع لصالح جريفون: «في بعض الأحيان كان يطرح جزءًا مثيرًا للقلق من المعلومات التي لم تطلبها حتى». فعلى سبيل المثال، شارك برنامج المحادثة فكرة عن طريقة غير عادية لإصابة شخص ما لإحداث أقصى قدر من الضرر. وقد فعل ذلك بسرعة.
ولقد فاجأت براعة «كلود» حتى كاساجراندي الذي أمضى عقوداً من الزمن في تقديم المشورة للولايات المتحدة حول كيفية الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل وغيرها من التهديدات البيولوجية، وهو قلق بشأن مدى سهولة الذكاء الاصطناعي في صنع مثل هذه الأسلحة نظراً لسهولة الوصول إلى المواد.
وقال كاساجراندي: «حتى لو كانت لديك التعليمات المثالية لصنع قنبلة نووية، فإن اتباع هذه التعليمات سيكلف عشرات الملايين - إن لم يكن مئات الملايين - من الدولارات. لسوء الحظ، هذا ليس هو الحال مع البيولوجيا». فعلى سبيل المثال، يسمح جيل جديد من الآلات سهلة الاستخدام للناس الآن بطباعة الحمض النووي دون الكثير من الإشراف. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المبتدئين على تعلم كيفية استخدامها.
ولإيصال هذه النقطة إلى مسؤولي إدارة بايدن، لجأ إلى أستاذ معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إسفيلت لشراء الحمض النووي الاصطناعي اللازم لتصميم أحد مسببات الأمراض التي اقترحها كلود. ولم يكن من الصعب الحصول على المواد، التي لا تسبب العدوى دون إجراء عمل معملي تقني، حتى إن كلود قدم نصائح حول كيفية شرائها.
مكعب روبيك
ثم قام كاساجراندي بتجميع صندوقه الأسود من أنابيب الاختبار لحملها إلى مبنى أيزنهاور التنفيذي، بجوار الجناح الغربي. لقد استغرق الأمر منه بضعة أسابيع من اختبار كلود لأول مرة إلى الحصول على المكونات اللازمة للسلاح البيولوجي وإحضارها إلى أحد المكاتب الحكومية الأكثر حراسة في البلاد.
ودخل روكو كاساجراندي إلى البيت الأبيض حاملاً صندوقًا أسودًا أكبر قليلاً من مكعب روبيك. كان بداخله اثني عشر أنبوب اختبار تحتوي على مكونات - إذا تم تجميعها بشكل صحيح - من المحتمل أن تسبب الوباء التالي.
لم يكن كاساجراندي، يخطط لإطلاق سلاح بيولوجي في غرفة مليئة بمسؤولي البيت الأبيض. لقد كان هناك لإطلاعهم على الطرق العديدة التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها تعليم المستخدمين كيفية صنع فيروسات خطيرة.
وقال في غرفة مليئة بمسؤولين أمريكيين في ربيع عام 2023 إن أدوات مثل «شات جي بي تي»، يمكن أن تساعد الإرهابيين في تحديد العوامل البيولوجية القوية وتأمين المواد اللازمة لصنعها.
وأشار إلى أنه لن يمر وقت طويل قبل أن يتمكن الذكاء الاصطناعي ليس فقط من المساعدة في إعادة إنشاء مسببات الأمراض الموجودة، بل بابتكار مسببات أمراض أكثر خطورة.
«ماذا لو كان كل إرهابي لديه عالم صغير يجلس على كتفه؟» هكذا قال كاساجراندي بعد أشهر من الإحاطة التي قدمها للبيت الأبيض، مضيفًا: لم يعد احتمال إنتاج أسلحة بيولوجية من صنع الذكاء الاصطناعي خيالاً علمياً. فلقد تحولت هذه الأدوات من مجرد هراء مطلق قبل عام إلى أدوات جيدة للغاية.
انتشرت أخبار الاجتماع عبر شبكات الأمن في البلاد، فسعى مسؤولون من وزارات الدفاع والخارجية والأمن الداخلي والتجارة، من بين آخرين، إلى استيضاح الأمر.
وقال أشخاص مطلعون طلبوا عدم ذكر أسمائهم لمناقشة قضايا الأمن القومي الحساسة، إن الاجتماعات كانت بمثابة جرس إنذار حول مدى عدم استعداد الولايات المتحدة لما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في خلقه، مشيرين إلى أن هذه الإحاطة ستساعد في النهاية في تشكيل الإجراءات التي ستتخذها إدارة الرئيس جو بايدن للحماية من التهديد.
ماذا فعلت إدارة بايدن؟
في الأشهر التي تلت إحاطات كاساغراندي العام الماضي، أصبحت إدارة بايدن مهووسة بشكل متزايد بالتهديدات البيولوجية التي تستخدم فيها الذكاء الاصطناعي. ووفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر، أبدى بايدن ورئيس أركانه ومستشاره للأمن القومي ونائبة الرئيس كامالا هاريس اهتمامًا شخصيًا بالأمر.
وفي يوليو/تموز من العام الماضي، حصل البيت الأبيض على التزامات طوعية من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة، بما في ذلك OpenAI وAnthropic وMicrosoft، لاختبار أنظمتها الخاصة لتقييم «أهم مصادر مخاطر الذكاء الاصطناعي» في مجال الأمن البيولوجي. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.
وبحلول نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أصدرت إدارة بايدن أمرًا تنفيذيًا شاملاً، دعت فيه كل وكالة فيدرالية تقريبًا إلى المساعدة في التخفيف من تهديدات الذكاء الاصطناعي. كما فرضت إشرافًا أكبر على الأبحاث الممولة من الحكومة باستخدام تسلسلات الحمض النووي من صنع الإنسان - مثل تلك الموجودة في الصندوق الأسود لكاساغراندي.
ومهدت الطريق لمعهد سلامة الذكاء الاصطناعي الذي سيجمع بين الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية لمراجعة النماذج. ودعت الحكومة إلى وضع إرشادات ومتطلبات إعداد التقارير لأدوات الذكاء الاصطناعي المدربة على البيانات البيولوجية مثل الحمض النووي والحمض النووي الريبي، والتي يمكن أن تخلق كائنات حية جديدة بصفات تجعلها أكثر خطورة.
وقالت هاريس، متحدثة في حدث كشف النقاب عن الخطة في نوفمبر/تشرين الثاني، إن الأسلحة البيولوجية المصاغة بواسطة الذكاء الاصطناعي «يمكن أن تعرض وجود البشرية للخطر».
فهل كان استخدام الأمراض كسلاح شيئا جديدا؟
تقول «بلومبرغ»، إن استخدام الأمراض كسلاح ليس بالأمر الجديد بالطبع؛ إذ تظهر وثائق من القرن الثامن عشر ضباطاً بريطانيين يناقشون نشر الجدري بين الهنود الحمر من خلال البطانيات. كما أدى استخدام الأسلحة الكيميائية مثل غاز الخردل في الحرب العالمية الأولى إلى إبرام بروتوكول جنيف في عام 1925، والذي صُمم للحد من تطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
لكن هذا البروتوكول كان غير فعال إلى حد كبير؛ ففي الحرب العالمية الثانية، ورد أن اليابان أسقطت براغيث موبوءة بالطاعون من طائرات فوق ريف الصين.
وفي سبعينيات القرن العشرين، كانت هناك معاهدة عالمية أخرى لحظر تطوير واستخدام الأسلحة البيولوجية. لكن هذه المعاهدة لم تكن قابلة للتنفيذ ــ إذ تقول أجهزة الاستخبارات الأمريكية إن العديد من البلدان ربما تدير مثل هذه البرامج.
aXA6IDE4LjE5MC4xNjAuNiA=
جزيرة ام اند امز