الذكاء الاصطناعي يقتحم قطاع الإنشاءات.. هل المقاولون مستعدون؟

يشهد العالم طفرة كبيرة في مشاريع المدن الذكية، يقودها طموح ضخم لإعادة صياغة شكل المدن والبنية التحتية في المستقبل، لتتلاءم مع تغيرات المناخ وتطورات التكنولوجيا وأساليب الحياة الجديدة الأكثر تطورا وحداثة.
ولم تعد هذه المبادرات مجرد مخططات عمرانية، بل باتت تجارب متكاملة تقوم على البيانات والتقنيات الرقمية لتعزيز الاستدامة وكفاءة الإدارة، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل مواقع البناء التي تُنفذ هذه الرؤى العملاقة جاهزة فعليًا لمواكبة متطلبات المدن الذكية؟
فجوة رقمية في مواقع البناء
يقول إبراهيم إمام، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة PlanRadar، إن الواقع يكشف عن فجوة رقمية لا يمكن تجاهلها في قطاع البناء، حيث ما زالت الكثير من المواقع تعتمد على الأساليب التقليدية والأدوات المبعثرة بدلًا من أنظمة رقمية موحدة.
ويضيف إمام لـ"العين الإخبارية"، أن هذه الفجوة تترجم إلى خسائر مالية هائلة. فبحسب تقرير صادر عن PlanRadar بعنوان "فقدان المعلومات في قطاع البناء"، تكبد القطاع العالمي خسائر بلغت 1.84 تريليون دولار في 2020 نتيجة البيانات غير الدقيقة وضعف التواصل بين الأطراف.
ويؤكد رئيس شركة PlanRadar، أن هذه الخسائر لم تتوقف عند التكاليف المالية، بل امتدت إلى التأخيرات، وتكرار الأعمال، وفقدان الشفافية، وهي كلها تحديات لا تتوافق مع متطلبات المدن الذكية التي تقوم على التكامل اللحظي للبيانات والإدارة المركزية والتعاون الفعّال بين جميع المشاركين في المشروع.
بيانات موجودة لكن غير مُستغلة
ولا يكمن التحدي في نقص البيانات، بل في سوء استغلالها، فبحسب تقرير McKinsey، فإن أقل من 1% من بيانات البناء يتم استخدامها بفعالية، وهو ما يكشف حجم الفرصة الضائعة.
ويشير إمام إلى أن هذه المشكلة تجعل من المستحيل تقريبًا تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي بكامل طاقتها، طالما أن القاعدة الأساسية (أي البيانات) فير منظمة أو غير محدثة.
الحل من وجهة نظر إمام يبدأ باعتماد منصات رقمية موحدة تدمج التوثيق والتقارير والتواصل داخل نظام متكامل، وهو ما يوفر الشفافية ويقلل من الفاقد، لكنه يؤكد أن التقنية وحدها لا تكفي، بل يجب أن يصاحبها تدريب وإدارة تغيير داخل الشركات لضمان استخدام الأدوات بالشكل الأمثل.
ويرى أن الفرصة كبيرة أمام مقاولي الخليج لتبني هذا التحول، ليس فقط لتسليم المشاريع بكفاءة أعلى، وإنما أيضًا لتحقيق قيمة طويلة الأمد تتماشى مع تطلعات المدن الذكية.
ثورة مؤجلة في المقاولات
ويمثل الذكاء الاصطناعي، بحسب إمام، نقطة تحوّل كبرى لمستقبل قطاع البناء، فهو قادر على تحسين عمليات التصميم، والتنبؤ بالأعطال قبل حدوثها، واكتشاف العيوب تلقائيًا، وتحسين إدارة الموارد، ودعم اتخاذ القرارات بسرعة ودقة.
لكن هل المقاولون مستعدون فعلًا؟.. يجيب إمام: “ليس بعد”، ولا يرجع السبب إلى غياب الرغبة أو إدراك الفوائد، بل إلى أن البنية الأساسية لم تجهز بعد لدعم هذه الطفرة التكنولوجية.
وبحسب تقرير Autodesk لعام 2023، أكثر من 70% من المقاولين أعربوا عن اهتمامهم باستخدام الذكاء الاصطناعي في أعمالهم، لكن 15% فقط يطبقونه بالفعل في مشاريع نشطة، بسبب عدة معوقات أبرزها: رداءة البيانات، نقص الكفاءات المتخصصة، وغموض العائد الاستثماري المتوقع.
خطوات نحو المستقبل
التحول نحو الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى خطوتين أساسيتين، أولاهما رقمنة العمليات اليومية في مواقع البناء، بدءًا من التقارير ومتابعة المهام، وصولًا إلى عمليات التفتيش والتواصل، لضمان إنتاج بيانات عالية الجودة تُعد الأساس لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
أما الخطوة الثانية، فهي تأهيل وتدريب الفرق على جميع المستويات، من المهندسين ومديري المشاريع إلى مشرفي المواقع، بحيث يصبحوا قادرين على التعامل مع مخرجات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها على أرض الواقع.
وفي سوق تنافسي شديد مثل الخليج، حيث تقاس قيمة المقاول بسرعة الإنجاز وجودة التنفيذ، سيكون المقاولون الذين يستثمرون في بناء هذا الأساس الرقمي الآن في موقع الريادة خلال السنوات المقبلة، فالمستقبل، كما يشدد إمام، لن ينتظر المتأخرين عن الركب، خاصة في عصر يقترب فيه الذكاء الاصطناعي من أن يكون المحرك الأساسي لقطاع البناء عالميًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMiA= جزيرة ام اند امز