باحث سابق بهيئة سلامة الدواء الأمريكية: لا يوجد لقاح فعال بنسبة 100%
إذا كان من فوائد لجائحة "كوفيد – 19" فستكون إتاحة الفرصة للجمهور العربي لمعرفة العلماء المهاجرين الذين يعملون في اللقاحات والأدوية
ويعد العالم المصري الدكتور أشرف الفقي، الباحث السابق بهيئة سلامة الدواء الأمريكية، أحد أهم الأسماء المشهورة عالميا في مجال اللقاحات.
ومؤخرا، أصبحت صفحة الدكتور الفقي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، من الصفحات التي يتابعها الكثيرون بحثا عن المعلومة الصحيحة والموثقة التي يتم عرضها بلا تهويل أو تهوين، وهو النهج الذي يؤمن به الرجل في التعامل مع الجائحة، وكان حريصا على الالتزام به خلال حواره مع "العين الإخبارية" من خلال تطبيق "زووم".
وخلال حواره مع "العين الإخبارية" استعرض الدكتور الفقي رؤيته لجدلية: هل نعيش الموجة الثانية من الوباء أم لا نزال نعيش في الموجة الأولى؟
كما تطرق إلى بعض النصائح التي تساعدنا على التحكم في الموجة الثانية إذا ما التزمنا بها، كما صحح أيضا الكثير من المفاهيم الخاطئة التي أثيرت خلال انفجار الشائعات التي تزامنت مع الوباء.
بداية، يرى خبراء أننا لا نزال نعيش الموجة الأولى من الوباء، فيما ذهب آخرون إلى أننا دخلنا الموجة الثانية، فإلى أي الإتجاهين تميل؟
- دعنا نتفق على أن تعبير موجة ثانية أو ثالثة هو مجرد تعبير إحصائي بحت، وليس تعبيرا طبيا فنيا، فلا يوجد تعريف طبي يقول إن الأعداد عندما تزيد بنسبة 5% نكون أمام موجة ثانية من وباء، ولكن هو تعبير إعلامي مجازي يشير إلى ارتفاع في أعداد الإصابات بعد انخفاض ملحوظ.
وفقا لهذا التعريف الإعلامي المجازي، كيف يمكن أن نصف الوضع الآن؟
- سأعيدك إلى الوضع في الربيع الماضي، حيث كان هناك تباينا في أعداد الإصابات حول العالم، ففي الوقت الذي كانت معدلات الإصابة والوفيات مرتفعة جدا في إيطاليا، كان الوضع في أمريكا هادئا، ثم ما لبس أن انخفضت أعداد الإصابات في إيطاليا وبدأنا نشهد ارتفاعا كبيرا في أمريكا، وصارت أكثر دولة في العالم بها إصابات.
وفي الوقت الراهن، بدأنا نشهد زيادة في أعداد الإصابات بإيطاليا، بينما لم تشهد أمريكا انخفاضا ملحوظا في أعداد الإصابات منذ بدأت الموجة الأولى، لذلك فإن وصف الموجة الأولى والثانية يختلف من دولة لأخرى، فأمريكا على سبيل المثال لا تزال تعيش في الموجة الأولى، بينما إيطاليا تعيش الآن موجة ثانية.
وإذا أردنا الحديث عن العالم العربي، كيف يكون التوصيف؟
- الأمر نفسه أيضا ينطبق على العالم العربي، مع الأخذ في الإعتبار أن هناك بعض البلدان مثل مصر لا تستطيع أن تعطي توصيفا دقيقا للوضع بها، وهل حدث فعلا انحسار في الأعداد عندما تم إلغاء القيود أم لا، لأن آليات الرصد ضعيفة، ولا يتم تسجيل إلا الحالات التي تصل إلى مستشفيات وزارة الصحة، بينما الحالات التي يتم علاجها في العيادات الخاصة ولا تصل للمستشفيات، فإن الوزرة لا تعلم عنها شيئا، وقد اعترف مستشار الرئيس للشؤون الصحية دكتور محمد عوض تاج الدين مؤخرا بهذه المشكلة.
ولكن يبدو الوضع أفضل في القدرة على الرصد في دول أخرى مثل الإمارات، حيث تجرى الفحوص للمواطنين في كل مكان لاكتشاف حالات الإصابة.
بالضبط الوضع أفضل بكثير، وهذا يساعد صانع القرار على اتخاذ قرارات صحيحة بناء على أعداد حقيقية وليست تقديرية، ولكن لكي أكون منصفا فإن هذه المقدرة، لها علاقة إلى جانب الإمكانيات المادية، بكثافة السكان في المتر المربع، فكلما زادات كثافة السكان في المتر المربع، كلما زادت فرص انتشار الفيروس، لأن هذا الفيروس ينتقل عن طريق الرذاذ والهواء.
وفي دولة مثل مصر يعيش 100 مليون نسمة على 5% من مساحتها، لذلك فرص الانتشار أسرع، والقدرة على تنفيذ آليات الرصد في الشارع صعبة جدا.
فوجئنا مؤخرا بتقرير نشره العالم الأمريكي "بيتر دوشي"، ذهب فيه إلى أن دراسات المرحلة الثالثة من التجارب السريرية أغفلت كبار السن، كما أنها ليست مصممة لإثبات أن اللقاح يمنع الإصابة والوفاة، فما رأيك؟
بداية لزم التنوية إلى أنه لا يوجد لقاح في العالم فعال بنسبة 100%، وكانت أعلى نسبة من الفعالية وصلت لها اللقاحات كان لقاح الحصبة (95%)، لذلك من المتوقع ألا تزيد فعالية لقاحات كورونا التي دخلت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية عن 60 أو 70%، وهذا لا يعيب اللقاح، وليس مبررا لعدم تناوله أو القول بإنه لا يوفر حماية كافية، بدليل أننا لا نتوقف سنويا عن نصيحة الناس بضرورة تناول لقاح الإنفلونزا، رغم أنه لا يوفر حماية 100%، فمن كل 100 يحصلون على اللقاح هناك 20 إصابة.
أما بالنسبة لحديث الباحث عن إغفال كبار السن في التجارب السريرية، فهذا أمر طبيعي حيث تلزم الجهات الرقابية أن تكون الشريحة الأولى التي تجرى عليها التجارب هي الفئة من 18 إلى 55 عاما، على أن يتم استكمال التجارب على الفئات الأكبر عمرا في وقت لاحق بعد إثبات مأمونية وفعالية اللقاح على الفئات الأصغر سنا.
أتفهم ما تقول، ولكن من المفترض ألا يتم توزيع اللقاح إلا بعد أن تكون كل الفئات العمرية مشمولة في تجاربه، والباحث هنا يقول إن وجود اللقاح لن يكون الرصاصة السحرية للتخلص من الوباء.
طبعا أتفق مع هذه الرسالة، ولكنها تتعلق بأي لقاح وليس لقاح فيروس كورونا المستجد وحده، فالفلسفة الخاصة بأشهر تقنيات اللقاحات، أن تعطي للشخص الفيروس بشكله الخامل أو جزء منه، بحيث يساعد ذلك فسيولوجيا على إنتاج خلايا ذاكرة مناعية تواجه الفيروس الطبيعي عندما يستنشقه الإنسان.
وهذه المواجهة تتباين قدرتها من شخص لآخر، فقد تمنع الإصابة تماما، أو تجعل الشخص يصاب بأعراض خفيفة، ومن ثم إذا كان هناك مجتمعا من 10 أفراد، وحصل 6 منهم على اللقاح، فإن الحماية التي توفرت لمن حصل على اللقاح ستقلل من انتقال الفيروس في المجتمع، ورويدا رويدا قد يختفي أو تقل حدته، وهذا ما حدث مع الإنفلونزا حيث بدأت قوية تحصد أرواح الملايين، ثم أصبحت مرضا عاديا.
بما أنك طرحت الإنفلونزا كمثال، هناك من الخبراء من يرى أن جائحة كورونا يمكن أن تنتهي بدون لقاح مثلما انتهت الإنفلونزا الإسبانية في 1920، بينما يرى آخرون أن هذا الخيار وإن كان ممكنا، إلا أن تكلفته ستكون مرتفعة نتيجة وفاة الملايين.
للأسف هناك أطباء تريد أن تخوض هذا الجدل، ويتم من خلاله استدعاء مقارنة القوة بين الفيروسين، وأيهما أقوى من الآخر، وكأننا في مباراة كره قدم.
الولايات المتحدة أول دولة أثارت هذا الجدل في مرحلة مبكرة من الوباء، حيث كان هناك تقليل من شأن حدة الوباء الحالي عن طريق استدعاء المقارنة مع الإنفلونزا.
وعن نفسي ليس لدي أي مانع في أن يخوض العلماء أحاديث علمية في هذا الصدد، ولكنني أرفض أن يكون الهدف من هذا الجدل الوصول لنتيجة التهوين من شأن الأزمة الحالية وإعطاء طمأنة غير حقيقية للناس، ودفعهم لعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية وارتداء الكمامات، وهذا التوجه ثبت فشله في أمريكا، بدليل أن الرئيس الأمريكي أصبح يرتدي الكمامة الآن.
بما أنك ترفض التهوين، دعنا نتحدث عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها لكي تمر ما تعرف إعلاميا بـ"الموجة الثانية" بسلام على عالمنا العربي؟
هناك أمرين لا ثالث لهما، أولهما الالتزام بالكمامة، والحرص على تناول لقاح الإنفلونزا، فإذا التزم 60% من مواطني أي دولة بهذين الأمرين، ستكون الموجة الثانية من كورونا أقل وطأة.
وما العلاقة بين فيروس كورونا ولقاح الإنفلونزا؟
لزم التنوية في البداية أن لقاح الإنفلونزا لا يقي من كورونا، ولكننا نعتبره أمر مهم في خطة مواجهة الموجة الثانية، لأن الإثنين ينتقلان بنفس الطريقة والأسلوب، كما أن أعراضهما متشابهة، وهذا تطابق من النادر أن يحدث بين الفيروسات ومن شأنه أن يسبب حالة من الارتباك، لأنه في حالة الإنفلونزا الشديدة التي تستدعي دخول غرف العناية المركزة، سيتم معاملة مريض الإنفلونزا حتى تظهر نتائج التحاليل على أنه مريض كورونا، كما أن وجود مريض الإنفلونزا في الأساس مع مريض كورونا سيسبب بعض الضغوط التي لا تستطيع بعض الأنظمة الصحية تحملها، وأخيرا فإن الإصابة بالإنفلونزا يجعل المريض أكثر عرضة للإصابة بكورونا، واجتماع الفيروسين معا يرفع معدلات الخطر على حياه المريض.
إذا كان اللقاح يمكن تحمله، فإن البعض قد يرفض استخدام الكمامة.
لماذا؟ الكمامة أسهل إجراء يمكن فعله، ولا تستهينوا به، فهو أحد الأسلحة الرئيسية التي واجهت بها فيتنام وهونج كونج القريبتين من الصين فيروس كورونا، ونجحتا نجاحا منقطع النظير بفضل التزامهما بالكمامة، وهو نجاح يدرس بمنظمة الصحة العالمية.
وبالمقارنة، ففي الولايات المتحدة مثلا، هناك ولايات أقرتها في البداية وأخرى رفضتها، ويمكن معرفة أهمية الكمامة بالمقارنة بين الولايات التي أقرتها وتلك التي رفضتها من خلال أعداد الإصابات.
كنت حريصا وأنت تتحدث عن مصل الإنفلونزا أن تؤكد على أنه لا يقي من كورونا، بينما توجد دراسة لفريق من جامعة روتشستر الأمريكية، ذهبت إلى أن الإصابة بنزلات البرد التي تسببها فيروسات كورونا الشائعة يمكن أن يوفر الحماية من الإصابة بكورونا المستجد.. فما رأيك؟
النشر في دورية علمية لا يمنح أي دراسة صك المصداقية أو أن أصحابها على صواب. صحيح أن النشر العلمي أمر مهم، لكن هناك أبحاث يتم نشرها ثم يثبت لاحقا أن ما ذهبت إليه من نتائج قد يكون غير دقيق بالدرجة الكافية، مثل ما قيل في بداية الوباء وعبر دراسة منشورة أيضا إن لقاح الدرن يوفر حماية من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وتبين لاحقا أن ذلك غير دقيق بنسبة كبيرة، وإلا لم نكن لنشهد هذه الأعداد من الإصابات في بعض الدول التي تعطي هذا اللقاح إجباريا مثل مصر، وبالنسبة لهذه الدراسة، فأنا شخصيا لا أميل إلى ما ذهبت إليه.
من بين ما قيل أيضا إن الدول التي شهدت أعدادا كبيرة من المصابين في الموجة الأولى سيكون الوضع لديها أخف خلال الموجة الثانية نتيجة ما يسمى بـ"مناعة القطيع"، هل توافق على هذا الرأي؟
للأسف هنا سوء فهم لمناعة القطيع، فهذه المناعة تتشكل من طريقين لا ثالث لهما، الأول أن يكون لدى 60 إلى 70% من المواطنين أجساما مضادة ضد الفيروس تشكلت نتيجة إصابة سابقة، أو أن يكون لدى نفس العدد أجساما مضادة تشكلت نتيجة التلقيح.
ففي بلد مثل مصر التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، يجب أن يصاب 70 مليون مواطن أولا حتى تحدث مناعة القطيع، وبالتالي نستطيع حينها حماية 30 مليون مواطن، وهذا الطريق لتكوين المناعة فوق طاقة احتمال أي منظومة صحية، لأن هناك صعوبة في التعامل مع هذا العدد الكبير من الإصابات، ومن ثم فإن الطريق الذي تكون تكلفته أقل هو "التلقيح".
ودعني أفرق هنا بين اللقاح والتلقيح، فالتلقيح هو أن يتم حقن الناس باللقاح، لأنه يمكن أن يكون لديك لقاحا جاهزا، ولكن تسري شائعة أنه غير فعال، فيظل هذا اللقاح على الأرفف ويصبح بلا قيمة.
من الجيد أنك تطرقت لهذه القضية، لأن هناك معلومات وليس شائعات يمكن أن تؤثر على إقبال الناس على اللقاحات؟
- وما هذه المعلومات؟
معلومة مثل وفاة طبيب برازيلي مشارك في تجارب لقاح أكسفورد وشركة استرازينكا، ومثل إصابة مريض بريطاني بمرض غامض بعد تناول اللقاح الحقيقي، وحدث نفس الأمر أيضا في تجارب لقاح شركة "جونسون آند جونسون" حيث أصيب أحد المشاركين بمرض غريب.
- دعنا نتفق في البداية على أنه عندما يكون لديك 30 أو 40 ألف متطوع في تجارب المرحلة الثالثة، وتحدث بعض الأعراض الجانبية عند متطوع أو حتى 10، فهذا وارد جدا، ولكن ما يقلق أن يكون هناك نمطا يخبر بوجود أعداد متزايدة من المتطوعين يحدث لديهم نفس العرض الجانبي، فهذا هو ما يقلق.
ولم يحدث ذلك في كل تجارب اللقاحات، وكل الحالات التي أشرت إليها لم تكن مؤثرة، فالطبيب البرازيلي تبين أنه من المجموعة الضابطة التي تناولت اللقاح الوهمي وليس الحقيقي، كما أن الإصابتين كانتا للمتطوع البريطاني في تجارب أكسفورد، والمتطوع الآخر في تجارب شركة "جونسون آند جونسون" تبين عدم وجود علاقة باللقاح.
إذا كان ليس لهما علاقة باللقاح والطبيب تبين أنه من المجموعة الضابطة، فلماذا لم يتم الانتظار حتى تظهر الحقيقة كاملة ويتم إعلانها للناس بدلا من إثارة القلق لديهم بإعلان المشكلة ثم القول لاحقا إن اللقاح بريء منها؟
كما أن الهيئات الرقابية المالية تلزم الشركات في البورصة بالإفصاح عن أرباحها وتعاملاتها، فإن الهيئات الرقابية الدوائية تلزم الشركات بالإعلان عن أي أعراض جانبية تحدث خلال التجارب.
ولكن الإعلان يثير حالة من الشك والقلق عند الناس؟
العكس هو الصحيح، فالأثر السلبي لإخفاء الحدث، أكبر بكثير من الأثر السلبي الذي يمكن أن يحدث عند إعلانه، لأنه لو تم تسريب معلومة إخفاء شركة لأي حدث يقع أثناء التجارب، فهذا من شأنه أن يتسبب في خسارتها للعملة الذهبية في مثل هذا الظرف الصحي، وهي ثقة الناس في المنتج، ففقدان الثقة يمكن أن يتسبب في عدم قدرة العالم على مواجهة الوباء بالتلقيح، حينها يمكن أن يكون هناك 10 لقاحات، ولكن الناس تحجم عنها، الأهم من إجازة اللقاح هو ثقة الناس فيه.