بعد الضربة الأسترالية.. فرنسا تشق طريقها للمحيطين الهندي والهادئ
تكثف باريس مساعيها حاليا لكسب أرضية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية، بعد قرار أستراليا إلغاء عقد غواصات فرنسية بشكل مفاجئ.
القرار الأسترالي تسبب في زعزعة استراتيجية فرنسا في تلك المنطقة، حيث تبحث باريس مع أوروبا عن وسيلة للتواجد في مركز التوتر هذا بين العملاقين الصيني والأمريكي.
وقال الباحث الفرنسي أنطوان بونداز، من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية "إنها ضربة قاسية جدا"، مضيفا أنه "من الضروري ألا يؤدي ذلك إلى إعادة النظر بالاستراتيجية بكاملها".
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الباحث في معهد لوي الأسترالي ارفيه لومايو، قوله إنها "ضربة قاسية للرئيس إيمانويل ماكرون، مع تداعيات تجارية ضخمة ويمكن أن تدفع باريس لإعادة النظر في شراكاتها الاستراتيجية مع العالم الأنجلوساكسوني".
وكان الرئيس الفرنسي أعطى منطقة المحيطين الهندي والهادئ أولوية منذ عام 2018.
ومنذ بضع سنوات، تتجه كل الأنظار إلى هذه المنطقة الشاسعة التي تمتد من سواحل شرق أفريقيا إلى الغرب الأمريكي والمليئة بالنقاط الساخنة، الاقتصادية أو العسكرية والتي ستضم 60% من السكان ومن إجمالي الناتج الداخلي في عام 2030.
وهي منطقة مهمة إلى حد أنه في حال وصلت الصين والولايات المتحدة إلى "فخ ثوسيديدس" الشهير، وهي نظرية تتوقع أنه في حال شنت إمبراطورية مهيمنة الحرب على أخرى ناشئة، فمن المرجح أن تكون هي مسرح تلك المواجهة.
لذلك تلعب باريس على عدة محاور: عسكرية ودبلوماسية واقتصادية وتقيم علاقات مميزة مع بعض الدول الأساسية في المنطقة مثل الهند وأستراليا واليابان خصوصا.
محاولة المشاركة
يقول الباحث نيكولا ريغو من معهد الأبحاث الأسترالي "أسبي" إنه "بصفتها القوة الأوروبية الوحيدة التي لها أراض في المحيطين الهندي والهادئ وقواعد عسكرية دائمة وقدرات في المكان ورؤية استراتيجية للمنطقة، تحاول فرنسا المشاركة في اللعبة الكبرى الجديدة على المستويين الإقليمي والعالمي وتشجع الأوروبيين على أن يكونوا متأهبين أكثر للدفاع عن مصالحهم في المنطقة".
خصوصا لعدم وجود بنية أمنية في تلك المنطقة التي تتعايش فيها عدة منظمات: آسيان ومنظمة شنغهاي وأبيك وكواد، والآن اوكوس، الشراكة الجديدة بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وقال دبلوماسي من دول في المنطقة: "لدينا هندسة مرنة جدا".
في هذه الأجواء المشحونة، تتطلع فرنسا إلى تجنب الوقوع في ثنائية واشنطن-بكين وسياستهما التي تزداد عدائية.
وأكد الجنرال فرنسوا لوكوانتر الذي كان رئيسا لهيئة أركان الجيوش الفرنسية في الآونة الأخيرة لصحيفة لوموند أن "رسم مسار وسط يتطلب أولاً وقبل كل شيء أن يتم الاعتراف به كلاعب مشروع.. نحن حلفاء مخلصون للأمريكيين لكننا لا نرغب في أن نكون تابعين".
متوسطة الثقل
لذلك تحاول باريس نشر إمكانات عسكرية في المنطقة لكنها تراهن أيضا كثيرا على شراكات مع أطراف مهمة فيها.
وقال الباحث الأسترالي روري ميدكالف في كتاب "إمبراطورية المحيطين الهندي-الهادئ" إن تلك المنطقة تضم العديد من الدول المتوسطة الثقل، دول مهمة لكنها ليست الصين ولا الولايات المتحدة ويمكنها، عبر العمل معا، أن تؤثر على توازن القوى".
هكذا تقاربت فرنسا مع الهند، عبر بيع رافال وعمليات عسكرية مشتركة في المحيط الهندي وفتح قواعدها في جيبوتي ولارينيون أمام البحرية الهندية.
من بين هذه الدول التي كانت باريس تراهن عليها أستراليا، لا سيما مع هذا العقد الذي فُسخ.
وقال مصدر مقرب من الملف: "كان العنصر الأساسي في التعاون الفرنسي الأسترالي".
هذه النكسة تثبت حدود "الاعتماد على ثلاث دول، اثنتان منها حليفة للولايات المتحدة (اليابان وأستراليا) وكل أعضاء كواد (هيكلية رباعية تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند وهي موجهة ضد الصين)"، وفقا لـ"بونداز".
وأضاف: "نظرا للتهديد الصيني، فإن فرنسا لا تعد حليفا أساسيا لهذه الدول. لذا يجب على باريس أن تسعى إلى شراكات أخرى مع دول مثل إندونيسيا وكوريا الجنوبية".
ولفت إلى أن العلاقة بين فرنسا وأستراليا يجب أن تجد سبلا أخرى "لأن كانبيرا تبقى شريكا مهما في جنوب المحيط الهادئ ولا يمكننا تغيير الجغرافيا".
المستوى الأوروبي
إلى جانب المجال العسكري تستخدم باريس أيضا الأوراق الدبلوماسية والاقتصادية في محاولتها تحفيز بروكسل.
عينت فرنسا في نهاية 2020 أول سفير لها كلف بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهي تشارك في بعض الهيكليات الإقليمية وتنضم اليها، كما فعلت السنة الماضية مع رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي.
واقتصاديا، أحد التحديات هو دعم دول المحيط الهادئ الصغيرة التي تقدم لها الصين مساعدة لزيادة نفوذها.
لكن مصدرا دبلوماسيا يقول إن "الأمور يجب أن تكون على مستوى الاتحاد الأوروبي". وسيكشف الاتحاد الخميس عن استراتيجيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في خطابها حول حال الاتحاد الأربعاء إن "أوروبا يجب أن تكون حاضرة وفاعلة في المنطقة".
aXA6IDE4LjIxNy4yNTIuMTk0IA== جزيرة ام اند امز