زياد بهاء الدين: اقتصاد مصر أمام اختبار حقيقي للاستفادة من سنوات التضحيات
أكد أن القطاع الخاص لن يعمل بثقة في ظل ازدواج الأدوار بين الحكومة والمستثمرين
في وقتٍ تتزايد فيه التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد المصري ما بعد برنامج الإصلاح الحالي مع صندوق النقد الدولي، كشف الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي المصري الأسبق عن رؤيته للأولويات التي ينبغي تنفيذها في المرحلة المقبلة.
وقدم بهاء الدين، خلال ندوة بعنوان "هل وضع برنامج صندوق النقد الاقتصاد المصري على المسار الصحيح؟"، تقييماً لرؤيته لأداء البرنامج الحالي مع صندوق النقد، مؤكدًا أن الاتفاق مع الصندوق «كان ضرورة في لحظة اقتصادية بالغة الصعوبة»، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الإصلاح الهيكلي لم يكتمل بعد، وأن البلاد بحاجة إلى برنامج وطني جديد أكثر عدالة وواقعية يعكس احتياجات المجتمع، ويحافظ على الانضباط المالي دون إغفال البعد الاجتماعي، وضرورة تحويل تضحيات السنوات الماضية إلى مكاسب حقيقية.
اختبار حقيقي للاقتصاد المصري
في هذا السياق، عرض بهاء الدين رؤيته لدور الدولة، ولسياسات سعر الصرف، وللعلاقة مع المؤسسات الدولية، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاقتصاد المصري على تحويل تضحيات السنوات الماضية إلى مكاسب مستدامة.
وأشار إلى أن تقييم البرنامج الحالي مع صندوق النقد الدولي يبدأ من التساؤل حول ما تحقق منه وما لم يتحقق، مشيرًا إلى أن البرنامج نجح في ضبط الإطار المالي والنقدي وتحسين مستوى الشفافية والانضباط، لكنه لم يحقق التقدم الكافي في الإصلاح الهيكلي الأعمق، خصوصًا فيما يتعلق بدور الدولة في النشاط الاقتصادي وخروجها المنضبط من بعض القطاعات التجارية.
وأضاف بهاء الدين أن التعامل مع صندوق النقد الدولي لا يجب أن يُختزل في كونه مجرد قرض مالي، موضحًا أن مصر "عضو مهم في المنظومة، ولها حقوق كما عليها التزامات"، من بينها "الحصول على المشورة الفنية والاطلاع على الدراسات والتقارير التي تُسهم في بناء السياسات الاقتصادية الرشيدة".
السعر الحقيقي للجنيه
وأوضح نائب رئيس الوزراء الأسبق أن تحرير سعر الصرف في مارس/ آذار الماضي لم يكن سبب الأزمة بل كشف حقيقتها، قائلاً إن "التحرير لم ينشئ وضعًا جديدًا بل كشف عن السعر الحقيقي للجنيه المصري الذي كانت تخفيه السوق الموازية وتعدد أسعار الصرف"، مؤكدًا أن "القرار كان ضروريًا بعد أن أصبح الاقتصاد معطلاً بسبب تشوهات سوق النقد الأجنبي".
وأكد بهاء الدين أن الصفقات الاستثمارية والتدفقات المالية الكبيرة التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية ساعدت على عبور الاختناق الاقتصادي، لكنها "لا تمثل بديلاً عن الإصلاح الهيكلي طويل الأمد القائم على الإنتاج والتصدير والاستثمار الحقيقي"، موضحًا أن "الاستدامة الاقتصادية لا تتحقق إلا من خلال اقتصاد منتج ومتنوع يخلق فرص عمل حقيقية".
وأشار إلى أن بطء خروج الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية كان من أبرز العوامل التي عطّلت مراجعة الصندوق الأخيرة، موضحًا أن "القطاع الخاص لا يستطيع أن يعمل بثقة في ظل ازدواج الأدوار بين الدولة والمستثمرين، ولذلك فإن وضوح الحدود بين الجانبين شرط ضروري للنمو".
ما بعد صندوق النقد
وقال بهاء الدين إن وجود برنامج اقتصادي منظم يظل أفضل كثيرًا من غياب أي برنامج، مضيفًا أن "الأسوأ هو أن ندفع كلفة الإصلاح ثم لا نحصد عائده، لأن ذلك يهدر التضحيات التي قدمها المواطنون والاقتصاد معًا".
وشدد نائب رئيس الوزراء الأسبق على أن ما بعد الصندوق يجب أن يكون برنامجًا وطنيًا واقعيًا، موضحًا أن المقصود بالوطنية هنا "ليس في مقابل المؤسسات الدولية، وإنما بمعنى أن يكون البرنامج أكثر اهتمامًا بأولويات المجتمع المصري مثل التعليم والصحة والسكن والحماية الاجتماعية، مع استمرار الانضباط المالي والشفافية".
وأكد أن المرحلة المقبلة تمثل فرصة حقيقية للبناء على ما تحقق، وأن "استكمال الإصلاح الهيكلي هو الطريق الوحيد لتحويل التضحيات إلى مكاسب مستدامة"، مشددًا على أن التراجع بعد ما تحقق سيكون الخطأ الأكبر في مسار الإصلاح الاقتصادي.