سوق البالة في سوريا.. رحلة شاقة من أجل ملابس عيد الفطر
ازدهار أسواق الثياب المستعملة في دمشق ومناطق أخرى وباتت الخيار الوحيد لاقتناء ملابس جديدة
بين كومة من الثياب المبعثرة على طاولة في أحد أسواق البالة في دمشق، تفتّش شام بتأن عن قميص تشتريه لترتديه خلال عطلة عيد الفطر من دون أن تتكبّد مبلغاً كبيراً وسط أزمة معيشية خانقة في سوريا.
خلال سنوات الحرب، ازدهرت أسواق الثياب المستعملة في دمشق ومناطق أخرى وباتت الخيار الوحيد لاقتناء ملابس جديدة، على وقع ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة بشكل يحول دون تمكن شريحة واسعة من السوريين من تحمّله.
وتقول شام علوش (28 عاماً)، الموظفة في شركة طيران خاصة، لوكالة فرانس برس، "البالة ملاذي الوحيد لارتداء ملابس جديدة في العيد"، مضيفة "لولا هذا السوق، لما تمكّنت من شراء الثياب أبداً".
ووسط سوق القنوات، تعرض عشرات المحال بضاعتها على طاولات وعربات، أو تعلقها على منصات على جانبي الطريق، حتى يتمكن الزبائن من معاينتها.
وبين عشرات القطع الملونة، تسحب شام قميصاً أصفر اللون وتشتريه مقابل ثلاثة آلاف ليرة سورية (دولاران وفق سعر صرف السوق).
وتلحظ شام التي تتردّد الى السوق سنوياً قبل العيد ارتفاعاً في الأسعار هذا الموسم. وتقول "تشكيلة الملابس قليلة هذه السنة وسعرها أغلى، لكنها مع ذلك تبقى أرخص بكثير من الملابس الجديدة".
وتضيف "نوعية ملابس البالة جيدة، وسعرها مقبول ومتناسب مع ذوي الدخل المحدود".
ويمكن شراء قميص من سوق البالة بدءاً من ألف ليرة (أقل من دولار) بينما يبدأ سعره في المحال الجاهزة من تسعة آلاف.
كذلك، تتوجه دانة شوكة (28 عاماً) صباح كل سبت إلى سوق البالة بحثاً عن قطع ملابس مميزة وبخسة الثمن، لدرجة باتت تحفظ وجوه التجار والعكس صحيح.
وتقول "بات التسوّق من البالة والبحث عن الثياب الرخيصة والجميلة أشبه بالعادة قبل العيد أو أي مناسبة أخرى"، مؤكدة "بثمن قطعة جاهزة.. يمكنني شراء ثلاث أو أربع قطع من البالة".
وسوق البالة في القنوات واحدٌ من ستة أسواق للملابس المستعملة في دمشق وضواحيها. وكان بعضها موجوداً قبل الحرب بينما ازدهر البعض الآخر خلالها. وتتواجد أسواق مماثلة في المحافظات بينها حلب وحماة.
داخل محله في سوق القنوات، رتّب مالك أبو العطا (52 عاماً) المئات من قطع الملابس أملاً بجذب الزبائن، بعدما أقفل محلّه لأسابيع استجابة لقرار الحكومة بإغلاق الأسواق والمؤسسات في إطار التدابير الوقائية من فيروس كورونا المستجد.
ويقول "البالة هي شبّاك العيد للمواطنين الذين لا يستطيعون تحمل نفقات شراء ملابس جديدة.. فالراتب الشهري للموظف لا يكفيه لشراء بنطالين وقميص".
ويضيف أبو العطا الذي اعتمر قبعة سوداء وقميصاً أزرق اللون "أحفظ وجوه زبائني جيداً، لكني ألحظ في هذا العيد الكثير من الوجوه الجديدة".
على بعد عشرات الأمتار من أبو العطا، يعبّر التاجر غسان طباع عن خيبة أمله بعدما أمل بموسم يعوّض خسارته جراء الاغلاق لأكثر من شهر.
ويقول أنه ينتظر منذ ساعات دخول زبون، مضيفا "هذا أسوأ موسم عيد يمرّ علينا مقارنة مع السنوات الماضية. نبيع القطعة بـ500 ليرة سورية ولا أحد يشتري".
ويتحسّر على أيام كان فيها عدد زبائنه كبيراً، بين فقراء "يشترون أي شيء يسترهم"، وطبقة وسطى "تبحث عن ماركات عالمية".
أمّا اليوم، فقد بات "الطعام أولوية الجميع، والملابس أمراً ثانوياً، لا أحد يشتري إلا للضرورة".
ودفع الوضع الصعب طباع الى وضع محله بـ"رسم البيع" منذ أيام قليلة لأسباب عدّة بينها انخفاض المدخول اليومي وارتفاع تكاليف البيع والشراء. ويتوقّع أن "يضطرّ الكثير من التجار لبيع محالهم إذا استمرّ الوضع على حاله".
ويقول "لا يوجد عيد هذه السنة أيضاً.. لم نر العيد منذ نحو عشر سنوات".