فرنسا تحارب المشاريع التركية داخل حدودها وخارجها بمفردها، وهذا ما يضع باريس ضمن أولوية الأهداف التخريبية لأنقرة.
حظرت السلطات الفرنسية، قبل أيام، أنشطة منظمة "الذئاب الرمادية" المتطرّفة على أراضيها، في إطار سعيها للحدّ من التحرّكات التركية داخل حدودها بعد أن واجهت هجمات إرهابية عدّة في عدد من مدنها، بعد دعاية التحريض الكبيرة التي عمل عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد فرنسا منذ نحر بروفيسور فرنسي على يد متشددٍ شيشاني منتصف الشهر الماضي، في ضواحي باريس.
وتحاول السلطات الفرنسية اليوم وضع حدٍّ للمؤسسات والمنظمات التي تموّلها وتديرها أو تشرف عليها أنقرة داخل الأراضي الفرنسية، ولذلك لجأت لحظر المنظمة التركية المتطرّفة قبل غيرها من الجماعات الأخرى، خاصة أن أنشطتها تعد سرّية ويُعرف عنها أنها تنفذ عمليات الاغتيال والترهيب خارج تركيا، وقد تأسست منذ عقود وقتلت الآلاف من الأكراد والأرمن والعرب العلويين وغيرهم من أقليات تركيا، على اعتبار أن أفرادها يؤمنون بتفوق العرق التركي على باقي أبناء الوطن.
ومن هنا، يشكل حظر هذه المنظمة ضربة كبيرة لتركيا، خاصة أنها في الآونة الأخيرة باتت تظهر علناً في عموم أوروبا وليس في فرنسا وحدها. فقبل أشهر ظهر عناصرها حاملين السكاكين في العاصمة النمساوية فيينا عندما هاجموا متظاهرين أكرادا وأوروبيين كانوا ينددون بانتهاكات أردوغان، وقبل أقل من أسبوع، ظهر هؤلاء المتطرّفون مرة أخرى في مدينة صغيرة بالقرب من باريس وهم يقودون عشرات الحافلات ويصرخون: "أين أنتم أيها الأرمن؟". وعلى أثر ذلك لجأت باريس لحظرها بعد تحركاتٍ مشابهة لهذه المنظمة في ليون وغيرها من المدن الفرنسية بعد سلسلة اعتداءات على احتجاجاتٍ كردية وأخرى أرمينية.
كما أن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ضربت فرنسا والنمسا وغيرهما من العواصم الأوروبية، لم تكن تخلو من البصمات التركية، حيث أكدت التحقيقات أن المتطرّف الشيشاني، قاتل البروفيسور الفرنسي، كان على تواصل مع جهاديين في مدينة إدلب السورية الخاضعة لسيطرة أنقرة، ما يعني وجود احتمالٍ كبير بتلقي المتطرّف أوامر من جهاديي إدلب المدعومين والمدربين من قبل أنقرة، وربما طلبوا منه استخدام ملف "الإساءة إلى الرسول" مجدداً، والتحرك داخل فرنسا لإثارة الشغب وبث الرعب في نفوس سكانها.
وبالإضافة إلى تواصل الشيشاني مع جهاديي إدلب، فإن الرئيس التركي هدّد النمسا شخصياً قبل فترة ووعدها بالانتقام في تصريحاتٍ متلفزة دون أن يحدد ما الذي يمكن أن يقدم عليه، حتى جاءت العملية الإرهابية في فيينا وتبناها تنظيم "داعش" الإرهابي بعد مقتل ما لا يقل عن 4 أشخاص، وهذا يعني أن أنقرة تستطيع استخدام هذا التنظيم الإرهابي في أوروبا أيضاً إلى جانب منظمة "الذئاب الرمادية" التي حظرتها فرنسا، بينما يقيم عشرات الآلاف من عناصرها في ألمانيا.
وبالتالي، أوروبا اليوم على صفيحٍ ساخن وفي مقدمتها فرنسا التي تحارب المشاريع التركية داخل حدودها وخارجها بمفردها كما في شرق المتوسط وليبيا وسوريا والعراق وجنوب القوقاز، وهذا ما يضع باريس ضمن أولوية الأهداف التخريبية لأنقرة، ويعني كذلك تهديداً تركياً مباشراً وطويل الأمد عليها، إن لم يتخذ قصر الإليزيه قرارات صارمة وحاسمة بحظر أنشطة كل المؤسسات والجمعيات والمنظمات التركية على أراضيها، وبتوقيف وترحيل المراقبين وأصحاب السوابق في ملفات الإرهاب وبث الذعر عند الآمنين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة