غياب الاحتراف أم إشعال الخلافات؟.. أزمات معلقي "بي إن" عرض مستمر
تعيش كرة القدم العربية على وقع ظاهرة استفحال الحروب الافتراضية بين جماهير الأندية والمنتخبات، مما أدى لتصاعد خطاب الكراهية.
ويبدو أن شبكة "بي إن سبورتس" تتحمل مسؤولية حالة الانقسام التي أصبحت سائدة بين الشعوب العربية، وبصفة خاصة بين جماهير الكرة، بسبب جملة من الممارسات التي لا تتماشى مع الهدف الرئيسي الذي قامت عليه اللعبة الشعبية الأولى في العالم والمتمثل بالأساس في تعزيز روح التنافس والتقارب بين الشعوب.
ودخل بعض المعلقين الذين يعملون في القناة، في متاهات غير رياضية مستغلين الشهرة التي حصلوا عليها من تعليقهم على أبرز المباريات العالمية والقارية والإقليمية، وسط اتهامات للقناة باستثمار الخلافات العربية بهدف تقسيم الشعوب عبر الاستعانة باللعبة الشعبية في العالم أو يطلق عليه مجازا بـ"أفيون الشعوب".
ومع ختام الموسم الكروي، رصدت "العين الرياضية" جملة من الانحرافات التي وقع فيها معلقو شبكة "بي إن سبورتس".
"بي إن سبورتس".. أزمات بالجملة
تكررت أزمات معلقي الشبكة الرياضية القطرية خلال السنوات الأخيرة، ولو أن الأمر زاد عن الحد خلال بطولة كأس العرب الأخيرة التي شهدت عددا من الانزلاقات غير الرياضية.
وتعرض المعلق الجزائري حفيظ دراجي بشكل خاص لحملة انتقادات واسعة من قبل الجماهير التونسية على خلفية وصفه لمنتخب "نسور قرطاج" بالتعيس، بعد الخسارة التي تكبدها في دور المجموعات أمام نظيره السوري بجانب توقعه عدم قدرته على الترشح للدور الثاني.
"سقطة" دراجي أثارت حفيظ الجماهير التونسية التي هاجمته بألفاظ قوية، خاصة وأن سوابقه عديدة وبصفة خاصة مع نادي الترجي التونسي، حيث طالب في عام 2019 بإعادة لعب مباراة إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام الوداد، تطبيقا لمبدأ العدالة الرياضية بعد اعتراض الفريق المغربي على عدم وجود تقنية الفيديو خلال المباراة التي خسرها بقرار إداري.
وجدد حفيظ دراجي استفزازه للجماهير التونسية بعد فوز منتخب الجزائر بلقب كأس العرب، حيث نشر صورة على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تظهر سقوط 3 من لاعبي منتخب تونس على الأرض أمام لاعب جزائري، مكتوب عليها: "محارب الصحراء مر من هنا".
الصورة التي نشرها المعلق الجزائري معلقا: "تحيا الجزائر" أثارت موجة من الغضب لدى الجماهير التونسية، والتي هاجمت المعلق الجزائري بقوة بسبب نشره لتلك الصورة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث دخل طارق ذياب المحلل التونسي بشبكة بي إن سبورتس على الخط، بعدما علق على التغريدة التي نشرها حفيظ دراجي، قائلا: "شكرا على حسن أخلاقك واحترامك لزملائك، وألف مبروك للمنتخب الجزائري"، قبل أن يضطر المعلق الجزائري لحذف التغريدة من حسابه.
تجاوزات المعلق الجزائري المثير للجدل طالت المغرب، حيث تم اتهامه بـ"إهانة" و"سب" الشعب المغربي بعد تسريب محادثة جمعته بفتاة مغربية لم يقع التثبت من صحتها.
الإعلامي المغربي أسامة بن عبدالله دعا شبكة قنوات بي إن سبورتس إلى طرد المعلق الجزائري حفيظ دراجي بسبب قوله إن كأس إفريقيا هي من خسرت الجزائر وليست الأخيرة من خسرتها.
المعلق الجزائري أقحم نفسه في الخيارات السياسية للمغرب، حيث انتقد بشدة المملكة بسبب تقاربها مع إسرائيل، وهو ما أثار حفيظة زملائه في شبكة بي إن سبورتس الذي هاجموه بألفاظ قوية على غرار المحلل يوسف شيبو الذي قال في هذا الصدد: "رسالة إلى حفيظ الدراجي لتطاوله أكثر من مرة على وطني وبلدي وملكنا، يجب أن تعرف أننا شعب نحب وطننا وملكنا تاج فوق رؤوسنا، فكفاك إساءة وكفاك تملقاً".
وأضاف: "تاريخك معروف لا داعي لذكره، ألم تكن جزءاً من نظامك الذي أنت تنتقده قبل أن يتم طردك وأصبحت تحشر نفسك في أمور وقضايا لا علاقة لك بها، احترم نفسك أولاً وزملاءك والقناة التي تعمل بها، فلولاها لكنت ملقى مع العصابة".
محمد عمور، مدير شبكة قناة بي إن سبورتس، رد عليه أيضا بطريقة صارمة حيث قال: "حدودكم الغربية؟ كاليفورنيا مثلاً؟ من قال لك أصلا إننا نود فتح جد أمها مع أمثالك؟ لأن ملك وسطر ألف سطر تحت كلمة ملك طلب فتح الحدود (لأسباب لا يفهمها أمثالك) تظنون أننا نحتاج إليكم؟ ثم القضية الفلسطينية ماذا فعلتم لها يا ببغاوات باستثناء الشعارات البومدينية (نسبة للرئيس الثاني للجزائر هواري بومدين) البائدة".
ولم يترك دراجي أي فرصة للاشتباك مع جماهير المغرب، حيث شارك بقوة في هاشتاق "أوقفوا فساد الكاف" بعدما قرر إقامة نهائي دوري أبطال أفريقيا في الدار البيضاء.
الغريب أن قنوات الجزيرة المملوكة لنفس مالك "بي إن سبورتس" أعادت نشر تغريدات دراجي عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتفتح المجال أمام جماهير البلدين للاشتباك لفظيا.
انحرافات معلقي الشبكة الرياضية القطرية لم تقتصر على دراجي، إذ تعرض المعلق التونسي عصام الشوالي لانتقادات لاذعة من الجماهير الجزائرية بسبب تعليقه المستفز خلال المباراة بين مصر والجزائر في بطولة كأس العرب للمنتخبات.
وكان الشوالي قال إن المصريين هم الذين علّموا الجزائريين مبادئ اللغة العربية والدين الإسلامي، وهو ما أثار حفيظة الجماهير الجزائرية التي اعتبرت الأمر استفزازا مقصودا.
الإعلام الجزائري لم يقف مكتوف الأيدي، حيث انتقد المعلق التونسي بشكل قوي واتهمه بالجهل ومحاولة التنقيص من قيمة بلدهم بشكل غير لائق وغير مقبول.
تجاوزات دراجي والشوالي انعكست بشكل سلبي على العلاقة بين الشعبين التونسي والجزائري، حيث تشهد شبكات التواصل الاجتماعي حربا كبيرة منذ عدة أشهر، قوضت العلاقة المثالية التي كانت تجمع البلدين طوال العقود الأخيرة.
ويجدر التذكير إلى أن عصام الشوالي تعرض في وقت سابق لانتقادات لاذعة من قبل الشخصية السعودية المعروفة تركي آل الشيخ الذي هاجم شبكة بي إن سبورتس، بسبب تعليق الأخير على هدف السعودية في منتخب مصر ببطولة كأس العالم روسيا 2018، والذي قال فيه: "إن الهدف جاء بعد سنوات من الغياب".
وقال تركي آل شيخ خلال فيديو تم بثه: "تعودنا من القناة الحقيرة على هذه الأشياء، عصام الشوالي و(التونسي هشام) الخلصي و(المصري علاء) صادق لحم أكتافهم من المملكة العربية السعودية، وهم خونة، وهؤلاء الحشرات نترك لهم النباح ونحن نستمر في التقدم".
وأضاف تركي آل شيخ: "حتى الكلب فيه صفة الوفاء، ولا ننتظر منهم التراجع أو الاعتذار، ومصيرهم يرضخوا ويرجعوا وبعدها هؤلاء الحشرات بالجزمة من كل سعودي وعربي حر".
أزمات بي إن سبورتس طالت أيضا كرة القدم المصرية، حيث احتج النادي الأهلي ضد القناة القطرية، بسبب تولي المعلق المصري أحمد الطيب التعليق على بعض مباريات الفريق في دوري أبطال أفريقيا.
وكتب محمد الجارحي عضو مجلس إدارة النادي عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "استفزاز غير منطقي مهنيا وغير مقبول جماهيريا، أن يتم اختيار معلق متعصب في تعليقه ضد النادي الأهلي لمباراة أفريقية يخوضها الفريق، ويتكرر الأمر وكأنه مقصود"، مضيفاً، "هل هذا منطق مهني لشبكة قنوات كبرى! الأمر يحتاج لإعادة نظر وبشكل عاجل".
وانتقد أحمد حسام ميدو، نجم الزمالك السابق، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تعامل بعض زملائه السابقين معه بعد قراره الانسحاب من القناة لأسباب سياسية، حيث قال "صديقي لأخضر بالريش أعتز بك كثيرا، وهناك الكثير من الأمور تجهلها فيما يخص رحيلي عن بي إن، لذا أنصحك بأن تصمت وألا تتحدث فيما لا يعنيك".
وغرد ميدو، "أتفهم موقفك وأنك تحاول أن تتملق لإدارة القناة بسبب قرب إحالتك للمعاش، ولكن ليس من الرجولة أن تتحدث عن زملائك السابقين".
وتابع النجم الأسبق لمنتخب مصر: "لا أحب المزايدة، ولكن هناك أمورا من الصعب عليك أن تفهمها، بعد أن أعمت الأموال عينيك لسنوات طويلة وتعودت عليها".
وأضاف ميدو: "أعتز بأصدقائي القطريين، وأحترم فيهم وطنيتهم ودفاعهم عن بلادهم وعن أميرهم، وأؤكد مرة أخرى أنه بعيدا عن السياسة الشعب القطري من أطيب وأرق الشعوب".
ما سر أزمات بي إن سبورتس؟
الإعلامي المغربي أحمد أركيبي علق قائلا: "منذ انطلاقتها في عام 2003 تحت مسمى الجزيرة الرياضية، روجت الشبكة القطرية لفكرة تعزيز التقارب ببين الشعوب العربية، غير أن السنوات الأخيرة شهدت انزلاقات بالجملة من قبل عدة معلقين".
وتابع في تصريحات لمراسل "العين الرياضية": "إدارة القناة تعاملت بشكل سلبي مع هذه الانحرافات، مما شجع هؤلاء المعلقين على التمادي في استفزازاتهم عبر تعاليقهم وتغريداتهم على حساباتهم الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي".
وواصل: "الأمر يتعلق بالأساس بالمعلق الجزائري حفيظ دراجي الذي تجاوز جميع الخطوط الحمراء وبات يشكل خطرا على استقلالية القناة بسبب مواقفه المتعصبة في الجانبين الرياضي والسياسي."
وأضاف: "دراجي استفز الشعبين التونسي والمغربي بشكل سافر للغاية من دون أن تتدخل القناة وتعيد الأمور لنصابها".
وقال أيضا: "الأمور لم تعد صحية في القناة القطرية بعد أن تسبب الأخير في انقسامات كبيرة مع زملائه التونسيين والمغربيين بسبب تعليقاته ومواقفه المستفزة."
وأضاف: "هناك إحساس عام في المغرب بأن القناة القطرية تشجع ضمنيا، من خلال سلبيتها، حفيظ دراجي على مواصلة استفزاز باقي البلدان العربية، مما يثير الشكوك حول تواجد استراتيجية لاستثمار الخلافات العربية".
وأتم: "تعصب المعلق الجزائري فاق كل الحدود وبات من الواضح أن الأخير فوق المحاسبة، بل أكثر من ذلك هو يمثل حاليا ورقة رابحة للقناة من أجل خلق مزيد التوتر بين الشعوب العربية."
من جهته، اعتبر الصحفي التونسي أسامة بن حمادة أن تجاوزات معلقي شبكة بي إن سبورتس ليست من باب الصدفة وتدخل ضمن أجندة سياسية تهدف لإثارة نار الفتنة بين الشعوب العربية.
وقال في هذا الصدد: "من الواضح أن الخط التحريري للقناة القطرية مرتبط بشكل رئيسي بأجندات سياسية تهدف لمزيد إثارة الانقسامات بين الجماهير العربية"
وتابع: "الأحداث السياسية التي عاشها العالم العربي في السنوات الأخيرة أجبرت معلقي شبكة بي إن سبورتس على اتباع السياسة المتبعة من قبل الدولة القطرية بشكل خاص".
وواصل: "هناك محاولات صريحة لتسييس الرياضة بالاستعانة ببعض المعلقين الذين اكتسبوا شعبية كبيرة بعد تعليقهم على أحداث رياضية كبيرة."
وقال أيضا: "في السابق، كانت هناك محاولات لاعتماد مبدأ الحياد من خلال تكليف معلقين وطنيين بنقل المباريات التي تجمع بين بلدين عربيين، غير أن هذه السياسة تغيرت من خلال الاعتماد على معلق من دولة ثالثة، مما زاد من حدة الانتقادات والشكوك لدى الجماهير بتواجد استهداف لبلدها".
وعلى عكس الصحفي التونسي أسامة بن حمادة الذي ركز على الجوانب السياسية، اعتبر الصحفي الجزائري يزيد مرار أن سبب تكرر أزمات معلقي شبكة بي إن سبورتس هو مزيج بين غياب الحرفية من جهة، وتداخل السياسة في الرياضة.
وقال الإعلامي الجزائري في هذا الصدد: "رغم توفر ظروف العمل مناسبة في الشبكة الرياضية القطرية، فإن المعلقين يركزون على الجوانب الشخصية أكثر من الجوانب المهنية."
وتابع: "هناك أمر غريب يحصل في شبكة بي إن سبورتس ويتمثل في تكرر الأزمات بنفس العناوين والأسماء، مما يوحي بتواجد استراتيجية من أجل مزيد إشعال نار الخلافات بين الشعوب العربية عبر الرياضة."
وواصل: "صحيح أن قلة حرفية المعلقين أمر ثابت في شبكة بي إن سبورتس، لكن يمكن الانتباه بسهولة لتواجد سياسة من أجل تقسيم الشعوب العربية بالاستعانة باللعبة الشعبية الأولى في العالم".
وأتم: "على الشبكة القطرية أن تقوم بتصحيح مسارها في أسرع الأوقات، لتفادي تواصل فقدان شعبيتها لدى الجماهير العربية بشكل متسارع.