رسائل بكين بعد إتهام «إنفيديا» بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار

خطوة تصعيدية جديدة ضمن الصراع التكنولوجي المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة، أعلنتها بكين الإثنين.
بكين قالت إن شركة "إنفيديا" (Nvidia)، عملاق صناعة الشرائح الإلكترونية الأمريكي، قد انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار الصينية خلال استحواذها على شركة "ميلانوكس" (Mellanox) في عام 2020.
ووفقاً لتقرير نشرته قناة "CBS" أكدت الجهات الرقابية الصينية أنها تعتزم فتح تحقيق موسّع في الصفقة التي بلغت قيمتها نحو 6.9 مليار دولار، بعد أن أظهرت نتائج التحقيقات الأولية وجود "مخالفات تنظيمية".
وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس يتزامن مع اجتماعات تجارية رفيعة المستوى بين مسؤولين من واشنطن وبكين في العاصمة الإسبانية مدريد.
تراجع سهم إنفيديا
وبحسب بيانات التداول، تراجع سهم "إنفيديا" في تعاملات ما قبل افتتاح السوق اليوم الإثنين بمقدار 2.81 دولار أو ما يعادل 1.6% ليصل إلى 175.01 دولارًا، بعد الإعلان عن التحقيقات الجديدة.
لكن السهم استطاع أن يقلص خسائره إلى 0.16% ليسجل 177.54 دولارًا في منتصف التعاملات.
- أمريكا والصين تتوصلان لاتفاق إطاري بشأن تيك توك.. نقل الملكية
- «أوبن إيه آي» تهدد هيمنة «إنفيديا».. شراكة مع «برودكوم» لإنتاج رقائق ذكاء اصطناعي
تحقيقات متزايدة
وأوضحت السلطات الصينية أن التحقيقات الجارية تأتي في إطار تعزيز الرقابة على صفقات الاستحواذ الكبرى التي قد تخل بالتنافسية في السوق المحلي، لا سيما في قطاع التكنولوجيا الفائقة الحساسية مثل شرائح الذكاء الاصطناعي وشبكات البيانات.
وبالرغم من أن التحقيقات كانت قد بدأت بشكل غير رسمي العام الماضي، إلا أن الإعلان عن مخالفات رسمية يمثل تصعيداً كبيراً، خصوصًا أن الصفقة تمت قبل أكثر من خمس سنوات، وهو ما يثير أسئلة هامة نحو التوقيت.
تصعيد مدروس
ويبدو أن هذه الخطوة ليست معزولة عن سلسلة من الإجراءات التي تتخذها بكين ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية، في وقت تخوض فيه الصين والولايات المتحدة صراعًا متناميًا على قيادة مستقبل الابتكار في الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة.
ففي يوم السبت، كشفت وزارة التجارة الصينية عن فتح تحقيق مكافحة إغراق ضد بعض شرائح الدوائر المتكاملة التناظرية (Analog ICs) التي يتم استيرادها من الولايات المتحدة، وتشمل رقائق تُستخدم على نطاق واسع من قبل شركات أمريكية مثل Texas Instruments وON Semiconductor.
وإلى جانب ذلك، أطلقت الوزارة تحقيقًا آخر منفصلًا ضد ما وصفته بـ"إجراءات تمييزية" تتخذها واشنطن ضد قطاع الشرائح الصيني، وهو ما اعتبره محللون بمثابة رد دبلوماسي مدروس على القيود الأمريكية المتزايدة.
محادثات حاسمة
وتأتي هذه التطورات في وقت يعقد فيه الجانبان الأمريكي والصيني جولة رابعة من المحادثات التجارية، وسط مساعٍ لاحتواء التوتر ومنع انزلاق العلاقات الاقتصادية إلى حرب تجارية شاملة.
وتستضيف العاصمة الإسبانية مدريد هذه الاجتماعات التي تمتد من الأحد حتى غدا الأربعاء، بحضور وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت ونائب رئيس الوزراء الصيني خه ليفنغ. ويُتوقع أن تتناول النقاشات قضايا شائكة مثل التعريفات الجمركية المتبادلة، ومخاوف الأمن القومي المرتبطة بتطبيق "تيك توك"، المملوك لشركة ByteDance الصينية.
وكانت الاجتماعات السابقة قد عُقدت في لندن وجنيف وستوكهولم، وأسفرت عن سلسلة من "فترات التهدئة" المؤقتة تم تمديدها باتفاق الجانبين، وأدت إلى تأجيل تطبيق تعريفات جديدة كل 90 يومًا.
إنفيديا في قلب العاصفة
وتقع شركة "إنفيديا" حاليًا في مركز الصراع التجاري والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين. فبعد أن أصبحت الشركة الأعلى قيمة في العالم في قطاع أشباه الموصلات، أصبحت منتجاتها -وخاصة وحدات معالجة الرسومات المتقدمة- مفتاحًا رئيسيًا لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
وقد فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قيودًا صارمة على تصدير الرقائق المتطورة إلى الصين، في مسعى لمنع بكين من تطوير قدرات تكنولوجية متقدمة تُستخدم في الأغراض العسكرية أو الرقابة الجماعية، وهي القيود التي بدأت في الولاية الأولى لترامب.
وتُعد صفقة "إنفيديا" للاستحواذ على شركة Mellanox الإسرائيلية الأصل، خطوة استراتيجية لتعزيز قدرات الشركة في مجالات الحوسبة الفائقة وخوادم مراكز البيانات -وهي المجالات التي تمثل نقطة التماس الحقيقية بين مصالح الأمن القومي الأمريكي والطموحات الصناعية الصينية.
مؤشرات لتصعيد قادم؟
وبينما تُعتبر هذه التحقيقات جزءًا من إجراءات تنظيمية معتادة، فإن توقيتها السياسي الحساس وسياقها الجيوسياسي يعكس تصعيدًا تدريجيًا ومدروسًا من الجانب الصيني ضد الهيمنة الأمريكية على التكنولوجيا المتقدمة.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل رسالة واضحة مفادها أن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الضغوط الأمريكية المتزايدة، وأنها مستعدة لاستخدام أدوات قانونية واقتصادية للرد، بما في ذلك التحقيقات التنظيمية والإجراءات الحمائية.
وفي حال أسفرت التحقيقات عن نتائج تدين إنفيديا، فقد تضطر الشركة إلى دفع غرامات مالية كبيرة أو تعديل شروط الاستحواذ، مما قد يشكل سابقة قانونية ويزيد من حذر الشركات الأمريكية في التعامل مع السوق الصينية.