عام على انفجار مرفأ بيروت.. جناة طلقاء وعدالة معطلة
لم يكن ينقص لبنان صباح الرابع من أغسطس الماضي المزيد من النار، إذ تعصف به آنذاك أزمة مستفحلة، ويضيق اللبنانيون ذرعا بصلَف الساسة.
غير أن عبث المسؤولين، وخاصة المرتبطين بحزب الله، تكوّم إلى كمية ضخمة من نيترات الأمونيوم، خزنت في مرفأ بيروت، دون تدابير وقائية، مما أحدث انفجارا هائلا وخلّف مئتي قتيل، ومئات الجرحى.
والأربعاء القادم تمرّ هذه الذكرى والجاني طليق؛ يحميه تستر القوى السياسية، ونفوذ مليشيا حزب الله الإرهابية، ولا عزاء للضحايا، ولا مستجيب لأنات الجرحى.
مأساة انفجار مرفأ بيروت عمّقت مأساة أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية كانت بدأت قبل أشهر، وعرّت أصحاب القرار في لبنان، فلا يزال البلد الصغير المنهك ينزف، ولم يحاسب أحد على ما حصل.
ويبدو أن قواعد اللعبة السياسية تطبق على انفجار مرفأ بيروت، فالجزء المعطل كما يشار إليه في أدبيات صراع الفرقاء، يسري أيضا على تحقيق العدالة.
أسئلة بلا إجابات
فحتى اليوم، لم يحصل اللبنانيون على أجوبة عن أسئلتهم: من أتى بهذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم؟ لماذا تُركت سبع سنوات في المرفأ، ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي الشرارة التي أدت إلى الانفجار؟
وتبين، وفق تحقيقات إعلامية ومصادر مواكبة للتحقيق، أن مسؤولين سياسيين وأجهزة أمنية كانوا على علم بمخاطر وجود 2750 طناً من نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، لكنهم لم يحركوا ساكناً.
وعندما قرر القضاء استدعاء بعض هؤلاء المسؤولين لاستجوابهم في القضية، ثارت ثائرة السياسيين، ورفضوا رفع الحصانة عن نواب تولوا مناصب وزارية، ومنح الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين.
وبعدما عيّن قاضي تحقيق أول في القضية، وقرر الادعاء على مسؤولين، وقفت السياسة له بالمرصاد وتمّت تنحيته، بحجة عدم اتباعه الأصول القانونية.
ويسير المحقق العدلي الذي خلفه طارق بيطار على خطاه اليوم، إلا أنّه لم يُعط بعد إذنا لملاحقة الأمنيين، ويعرقل البرلمان رفع الحصانة عن نواب ثلاثة، كانوا يشغلون مناصب وزارية، تم استدعاؤهم.
وانتقدت دول عدة بينها فرنسا مسار التحقيق، وطالبت منظمات دولية بتشكيل بعثة تحقيق بإشراف الأمم المتحدة تدعم التحقيق المحلي، علها تنتشله من التدخلات السياسية.
عامان على أزمة تتفاقم
ووقع الانفجار في عزّ أزمة كوفيد-19، ففاقم هموم اللبنانيين الذين كانوا غارقين أصلاً في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
في أكتوبر 2019، ثار اللبنانيون ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والعجز. أسقطوا الحكومة آنذاك، وطالبوا بحكومة تكنوقراط.
لكن الحكومة التي شكلت بعد عناء برئاسة حسان دياب لم تنجز شيئاً بسبب الانقسامات السياسية وتمسك الأحزاب والأطراف المختلفة بنفوذها، وقدمت الحكومة استقالتها إثر الغضب الشعبي الذي تفجر في وجهها بعد انفجار المرفأ.
بدأ لبنان مسيرته نحو الهاوية مع إعلان السلطات التوقف عن دفع ديونها الخارجية، ووضعت المصارف قيوداً على الودائع، وبدأت العملات الأجنبية تنفد من الأسواق والليرة اللبنانية تفقد قيمتها.
وضرب الانهيار الاقتصادي قطاعات مهترئة أساساً مثل الكهرباء، وتعثرت قطاعات أخرى، وصولاً الى قطاع الصحة بعد تفشي فيروس كورونا ثم هجرة مئات الأطباء والممرضين إلى الخارج بسبب الأزمة، ومؤخراً نقص الأجهزة الطبية والأدوية جراء التدهور المالي وعدم القدرة على فتح اعتمادات بالدولار.
بيروت وهيروشيما وناجازاكي
وسرّعت كارثة مرفأ بيروت، أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، الذي ذكّر بالقصف النووي على هيروشيما وناجازاكي، الانهيار في البلد.
وتقول الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأمريكية في بيروت ريما رنتيسي لوكالة "فرانس برس": "اعتقدنا أننا وصلنا إلى الحضيض. فكيف بالوضع أن يسوء أكثر؟",,, ما هو واضح لي، وما أذكّر نفسي به كل يوم، هو أن هؤلاء الذي يديرون البلد ليسوا سوى مجرمين وقتلة.. بعد الانفجار، فهمنا تماماً أنه طالما هم في السلطة، لن يتغير أي شيء".
وضاعف المجتمع الدولي الضغوط على السياسيين اللبنانيين لتشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات ضرورية يشترط تحقيقها لتقديم القروض والمساعدات للحكومة.
لكن الإصلاحات لم تحصل، وجمدت مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب عدم قدرة المسؤولين اللبنانيين على تقديم رؤية موحدة للوضع، ومنذ عام، تقود البلاد حكومة تصريف أعمال لعدم تمكن القوى السياسية من التوافق على حكومة جديدة.
وكلّف قبل أيام نجيب ميقاتي المهمة الصعبة بتشكيل حكومة جديدة، بعد تنحي سعد الحريري الذي عجز عن ذلك على مدى أشهر طويلة.
عام.. ثم ماذا بعد؟
بعد سنة على وقوع الانفجار، لم يهدأ غضب اللبنانيين، لكنهم أيضاً يبدون متعبين؛ فالدعوات الى الاحتجاج في الشارع لم تعد تجمع كثيرين، كما حصل في تظاهرات أكتوبر 2019 ضد الطبقة الحاكمة، والتي علقت عليها آمال كبيرة لم تتحقق.
وفوق ذلك كله، يعاني لبنان من أزمة محروقات ونقص في مواد غذائية وطبية وأساسية.
وتشهد معظم المناطق اليوم تقنيناً شديداً في الكهرباء يصل إلى 22 ساعة في اليوم، بينما لا يوجد ما يكفي من الوقود لتشغيل المولدات الخاصة.
أما أهالي ضحايا الانفجار، فهمهم الأكبر محاسبة المسؤولين عن الكارثة التي خطفت أحباءهم، وهم سيستذكرون قتلاهم الأربعاء المقبل، في ما أسموه في بيان صدر عنهم "يوم المطالبة بالحقيقة والعدالة".
ودعا ذوو الضحايا، إلى مسيرات في هذا اليوم، وإلى تلاوة صلوات إسلامية ومسيحية، وقداس سيترأسه البطريرك الماروني بشارة الراعي في المرفأ المدمر.
aXA6IDE4LjExOS4xMTMuNzkg جزيرة ام اند امز