مديرة التحالف العالمي للمناخ والصحة تكشف الفرص والتحديات بعد COP30
هل يمكن لخطة بيليم للصحة أن تدعم هدف تحقيق التكيف في قطاع الصحة حقًا؟
اهتمت الدورة الثلاثون من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP30) بملف الصحة ودعم القطاع الصحي بصورة عامة للتكيف مع آثار التغيرات المناخية، وخرجت "خطة عمل بيليم للصحة" (BHAP)، والتي تعترف بأنّ "أزمة المناخ أزمة صحية، وتركز على مجموعة من الركائز مثل دعم أنظمة الرعاية الصحية؛ لتصبح أكثر تكيفًا مع التغيرات المناخية، ودعم توفير تمويل مستدام لقطاع الصحة، ودمج الصحة والمناخ في الخطط والسياسات، إضافة إلى دعم الابتكار في تطوير اللقاحات والأدوية.
وفي هذا الصدد، أجرت "العين الإخبارية" حوارًا مع الدكتورة "جيني ميللر"، المديرة التنفيذية للتحالف العالمي للمناخ والصحة حول تطور ملف الصحة في أثناء COP30، وشاركتنا ميللر رؤيتها ووجهات نظرها حول خطة عمل بيليم للصحة، وكيفية دمجها في خطط التكيف الوطنية والمساهمات المحددة وطنيًا، كما تحدثت عن كيفية رصد التقدم المحرز في تكامل المناخ والصحة خلال السنوات القادمة، والإجراءات التي ينبغي للحكومات اتخاذها بعد COP30.
إليكم نص الحوار..
1- كيف تُقيمين خطة عمل بيليم للصحة (BHAP) كأول إطار عمل عالمي للتكيف مع تغير المناخ؟
يختلف التكيف اختلافًا كبيرًا من بلد لآخر ومن منطقة جغرافية لأخرى، إذ يعتمد بشكل كبير على الظروف المحلية ومستويات التعرض. وباعتبارها إطارًا لتكيف قطاع الصحة مع تغير المناخ، تُقدم خطة عمل بيليم للصحة دليلًا إرشاديًا جيدًا، ستحتاج الدول بعد ذلك إلى تكييفه مع ظروفها المحلية لجعله مفيدًا. وحتى مؤتمر الأطراف الثلاثين، أيدت 30 دولة الخطة، ويبقى أن نرى مدى انتشارها؛ لكنها تُكمل تحالف العمل التحويلي بشأن المناخ والصحة، الذي تُنسقه منظمة الصحة العالمية، والذي يضم الآن حوالي 100 دولة؛ ملتزمة بجعل أنظمتها الصحية مرنة في مواجهة تغير المناخ ومنخفضة الكربون.
ومن خلال تطوير خطة عمل بيليم للصحة كجزء من رئاستها لمؤتمر الأطراف، لفتت البرازيل انتباهًا قيّمًا إلى الآثار الصحية المدمرة لتغير المناخ، مُسلّطةً الضوء على الآثار الحقيقية لأزمة المناخ على الناس في جميع أنحاء العالم. من ناحية أخرى، وللأسف، لم يُشدّد الاتفاق على وجود حدود حقيقية للتكيّف، وإذا لم نُقرن تكيّف القطاع الصحي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من جميع المصادر؛ فسيصل الاحتباس الحراري إلى مستويات لا تستطيع الأنظمة الصحية التكيف معها.
2- كيف ينبغي للدول دمج توصيات خطة عمل الصحة الجيدة (BHAP) في خططها الوطنية للتكيف (NAPs) أو مساهماتها المحددة وطنيًا (NDCs)؟
من الضروري للغاية أن تُدرج الدول خططها واحتياجاتها المتعلقة بتكيف أنظمتها الصحية في خططها الوطنية للتكيف (NAPs) ومساهماتها المحددة وطنيًا (NDCs) التي تُعدّها، كجزء من التزاماتها بموجب اتفاقية باريس. تُساعد هذه الوثائق في توجيه عملية صنع القرار السياسي محليًا؛ ولأنها جزء من الآليات متعددة الأطراف لاتفاقية باريس، فإنها تُمثّل أيضًا إشارةً إلى الالتزامات والإجراءات المُتخذة للدول الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تلجأ وكالات وآليات التمويل الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمية، إلى هذه الوثائق لتحديد وفهم احتياجات البلدان من التمويل. وينظر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) وخطط العمل الوطنية (NAPs) لتقييم مدى تلبية احتياجات تمويل التكيف في البلدان النامية، وتحديد حجم الفجوة في حال عدم تلبيتها. من خلال دمج خطط تكيف القطاع الصحي -واحتياجات التمويل الدولي المرتبطة بها- تُمكّن البلدان من تحسين فرص الحصول على التمويل، وتمكين وكالات التمويل وتقييمات التمويل من تقييم الاحتياجات بدقة، مع ضمان عدم إغفال احتياجات تكيف القطاع الصحي.
3- ما هي الخطوات العملية التي يجب على البلدان اتخاذها لضمان الإنصاف والعدالة المناخية في تكيف القطاع الصحي؟
هناك خطوتان ملموستان أساسيتان. إحداهما إجراء تقييم منهجي لقابلية التأثر بالمناخ، يتناول كيفية تأثر المجتمعات والسكان المختلفة بتغير المناخ، سعيًا لفهم كيفية وأسباب تعرض السكان المختلفين لأضرار أكبر من نفس الحدث المناخي. يمكن أن تشمل العوامل الموقع الجغرافي والفقر والجنس والعمر والظروف الصحية الكامنة والتهميش والسكن ومستوى التعليم واللغة من بين عوامل أخرى. من خلال إجراء هذا التقييم، تحصل وكالات الصحة على المعلومات اللازمة لتكييف خططها وبرامجها لتوفير الحماية الأكثر فاعلية لمن هم في أشد الظروف ضعفًا.
الخطوة الملموسة الأخرى والرئيسية هي إشراك المجتمعات أو السكان أنفسهم والتشاور معهم. فالمجموعات السكانية هي الأقدر على معرفة تجاربها الخاصة، ويمكنها تسليط الضوء على مخاطر خاصة قد لا تُحدَّد لولا ذلك، وفي كثير من الحالات، يمكنها إثراء تطوير الحلول، وإيجاد حلول ناجعة، بدلاً من تلك التي قد تبدو من الأعلى إلى الأسفل، وكأنها فكرة جيدة لكنها معيبة للغاية.
بالإضافة إلى ضمان وضع خطط أفضل تصميمًا، فإن إشراك المجتمعات والتشاور معها في وضع تلك الخطط بحد ذاته يزيد من مرونة المجتمعات وقدرتها على مواجهة تأثيرات المناخ.
4- كيف يمكن لأنظمة الصحة العامة الاستجابة للعلاقة المتنامية بين النزوح الناجم عن تغير المناخ والمتطلبات الصحية؟
عندما تضرب العواصف الشديدة والفيضانات، أو حرائق الغابات، أو الجفاف، أو غيرها من التأثيرات المناخية؛ فإنها تُجبر الناس على النزوح، وهو أمرٌ صعبٌ ومُدمرٌ لا محالة. ولكن هناك فرقٌ شاسعٌ بين الإخلاء المُخطط له والمنظم، والاستجابة للتحذيرات المُسبقة، التي تُبعد الناس عن الخطر قبل وقوع الحدث المتطرف؛ وبين فوضى الناس العالقين في خضم الفيضانات أو العواصف أو حرائق الغابات دون معرفة إلى أين يتجهون أو ماذا يفعلون. إن الفرق في الأرواح المفقودة، والمرض والإعاقة، والصدمات النفسية كبيرٌ جدًا. لذا، فإن أهم ما يُمكن لأنظمة الصحة العامة فعله هو إنشاء أنظمة إنذار مُبكر ووضع خطط إخلاء.
الخطوة الأساسية الأخرى هي وضع الخطط والتحضير لكيفية تقديم الخدمات الصحية الأساسية للنازحين. عندما اجتاحت الفيضانات باكستان عام 2022، تُركت 650 ألف امرأة حامل دون رعاية، من بينهن 73 ألف امرأة احتجن إلى رعاية عاجلة لأنهن على وشك الولادة. هذا أمرٌ غير مقبول، ويمكن معالجته إذا حصلت الدول على الدعم الذي تحتاجه، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى تحذيرات الفيضانات (أو غيرها من الظواهر المتطرفة)، والموارد اللازمة للتخطيط لتوفير الرعاية الصحية من خلال العيادات المتنقلة أو في مواقع الإخلاء، وإذا وضعت الدول خططًا واضحة.
وللتوضيح، لا ينبغي أبدًا تطبيع النزوح الناجم عن تغير المناخ. إنه أمرٌ صادمٌ، وسيظل كذلك، مهما كانت الدولة مستعدة، وعلينا كمجتمع عالمي أن نبذل قصارى جهدنا لوقف الاحتباس الحراري. لكن الاستثمار في المعلومات المبكرة، والخطط والتحضير، يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في كيفية تعامل الناس مع الكوارث.
5- ما هي المؤشرات التي ينبغي استخدامها لرصد التقدم المحرز في تكامل المناخ والصحة في السنوات القادمة؟
في التحالف العالمي للمناخ والصحة، نُجري تحليلًا لمساهمات الدول المحددة وطنيًا -أي التزاماتها الوطنية بموجب اتفاقية باريس- لتقييم مدى شمولية وفاعلية دمج الصحة في هذه الخطط الوطنية. وتُعدّ بطاقة أداء مساهماتنا الوطنية في مجال الصحة مؤشرًا جيدًا. وقد أجرت جهات أخرى تحليلات لدمج التغذية في هذه المساهمات، ودمج الصحة الجنسية والإنجابية في هذه المساهمات وغيرها من الوثائق المماثلة. ويجري السعي إلى رؤى أكثر دقة في مشاريع بحثية مثل "تطوير ودمج سياسات المناخ والصحة: رؤى من ست مناطق جغرافية" (Advancing and Integrating Climate and Health Policies: Insights from Six Geographies).
كما يُنجز مشروع "العد التنازلي لمجلة لانسيت: تتبع التقدم في مجال الصحة وتغير المناخ" عملًا ممتازًا، حيث يرصد مجموعة من أكثر من 50 مؤشرًا عامًا بعد عام لتقييم التقدم المحرز في مجال المناخ والصحة.
6- إذا طُلب منكم اختيار إجراء ذي أولوية للحكومات بعد COP30، فماذا سيكون؟
بالنسبة للدول التي لم تُقدّم مساهمتها الوطنية المحددة لعام 2025 بعد؛ قدّموها مع ضمان تكامل الصحة بشكل كامل - كنتيجةٍ للتخفيف والتكيف (على سبيل المثال، تضمين الفوائد الصحية للهواء النظيف من خطط خفض انبعاثات المركبات)، بالإضافة إلى معالجة مرونة النظام الصحي والطاقة الذكية للمناخ والمشتريات. والأهم من ذلك، تأكدوا من أن مساهماتكم الوطنية المحددة تلتزم بنصيبكم العادل من تحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من الاحترار العالمي، في النهاية، إلى 1.5 درجة مئوية، لأن هناك حدودًا حقيقية لما يمكن للبشرية التكيف معه.
بالنسبة للدول التي قدّمت مساهماتها الوطنية المحددة بالفعل، أدركوا أن التزامكم بهذه المساهمات يجب أن يكون الحد الأدنى لطموحاتكم وليس الحد الأقصى لها. كل إجراء تتخذونه، وكل استثمار تقومون به، للتكيف مع تغير المناخ والحد من الاحترار العالمي، يُحقق عوائد مضاعفة ليس فقط لصحة شعبكم، بل لاستقرار ورفاهية بلدكم واقتصادكم.