مشروع بلجيكي يسعى لـ"تدفئة الأجساد لا الجدران".. كيف يعمل "سلوهيت"؟
يبدو أن مشكلة الطاقة التي تعاني منها قارة أوروبا في ظل نقص إمدادات الغاز والنفط سيجعلها تبحث عن مشاريع كانت ضربا من الجنون بالسابق.
وبالفعل بدأت تظهر على الساحة بعض تلك المشاريع ومن بينها مشروع سلوهيت.
وبفضل هذا المشروع لا يشعر أفراد عائلة البلجيكي جوفريه فان موزيك الستّ بالبرد، رغم اكتفائهم بتدفئة بسيطة داخل المنزل، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.
وبداخل منزلهم البالغة مساحته 200 متر مربع في لوفان-لا نوف بوسط بلجيكا يتوافر بالمنزل 15 درجة مئوية حداً أقصى لحرارة نظام التدفئة المركزي، في مواجهة الصقيع في الخارج.
ورغم أن مقياس الحرارة في غرفة الاستقبال يشير إلى 14,5 درجة مئوية، لكنّ الدفء يعمّ البيت في مواجهة الطقس البارد جداً في الخارج، إذ إن درجات الحرارة دون الصفر، وهو ما يؤكده مشهد الجليد البادي للعيان من خلال النوافذ الكبيرة.
التسخين البطيء (سلوهيت)
فللعام الثالث توالياً، جعل المهندس البلجيكي منزله الخاص حقل اختبار لمشروع "سلوهيت" (أي "التسخين البطيء") الذي يجري أبحاثاً عليه.
وهذا المشروع البحثي الذي تتولى تنسيقه جامعة لوفان ويضم أربعة باحثين ونحو عشرين مواطناً، يقوم على مفهوم بسيط هو "تدفئة الأجساد لا الجدران".
ويهدف هذا المشروع البحثي إلى إيجاد حلول احتياطية لتوفير التدفئة بقدر أقل بكثير من الطاقة التي تستلزمها التدفئة المركزية.
وأول هذه الحلول التي يدعو إليها الباحثون تقوم على تكييف ملابس الأفراد لهذا الغرض. ويقول فان موزيك "أرتدي الآن كنزة قطنية عادية جداً وفوقها سترة قديمة دافئة إلى حد ما، أما تحتها فلدي طبقتان: تي شيرت، وملابس تقنية للرياضة الخارجية".
أما للقدمين، فالحلّ بجوارب و"نعال قديمة محشوة دافئة جداً".
وبالإضافة إلى الملابس، ثمة نصيحة ثانية هي استخدام السخانات الكهربائية المشعة. ويمتلك جوفريه اثنين منها يشغلهما من ساعة إلى ساعتين في اليوم: واحد في غرفة الاستقبال، والآخر في غرفة نوم ابنه البكر، وهي الأبرد في المنزل، إذ نادراً ما يتجاوز متوسط درجة الحرارة فيها 12 درجة مئوية. وهذا اللوح المشع الموضوع على طاولة المكتب، يبعث بسرعة حرارة قوية.
ويوصي الباحثان أيضاً على موقعهما برداء التدفئة الكهربائي. أما قبالة الكمبيوتر فيمكن استخدام وسادات ساخنة.
اتهامات بالجنون
ويهدف مشروع "سلوهيت" الذي أُطلق في سبتمبر/أيلول 2020 إلى استباق أزمة كان متوقعاً أن يشهدها قطاع المحروقات.
ويقول دوني دو غراف، مساعد باحث في جامعة لوفان "تساءلنا عما سيحدث في حال نفد الغاز فجأة".
ويقول غريغوار وولينبورن، باحث ومدرس في جامعة بروكسل الحرة، مرتدياً سترة كبيرة وواضعاً قبعة على رأسه وقفازات في يديه، "في البداية، قيل لنا إنكم مجانين". ويراوح متوسط درجة الحرارة داخل شقته الواقعة في بروكسل بين 12 و14 درجة مئوية.
وبعد عامين على إطلاق "سلوهيت"، شهدت أسعار المحروقات في أوروبا ارتفاعاً بسبب التضخم والحرب في أوكرانيا، فيما يحظى المشروع باهتمام متزايد.
وفي الوقت الذي تشهد فواتير الغاز والكهرباء ارتفاعاً مستمراً، لا يدفع جوفريه فان موزيك سوى 70 يورو شهرياً للتدفئة.
وقبل إخضاع طرقهم للتجربة، كان على الباحثين في المشروع إقناع عائلاتهم بها بدايةً.
تعود مع الوقت
ويقول جوفريه فان موزيك "بدأت في اعتماد المشروع داخل منزلي تدريجياً"، مضيفاً "كان الوضع خلال أوّل فصل شتاء أصعب من الثاني، مما يدلّ على وجود شكل من أشكال العادات والتكيّفات تُعتمد مع الوقت".
أما شقيقه الأصغر سيليستان (11 عاماً)، فيرتدي سترة صوفية وسروالاً قصيراً يكشف عن ساقيه، ويقول "إنّ أول شتاء اعتمدنا فيه هذه الطرق كان أقسى، إذ كنّا معتادين على درجة حرارة أعلى، لكن اليوم أصبحت معتاداً على الوضع بصورة كاملة". ويضيف باسماً "أرى أنّ الجوّ دافئ هنا".
ولم يكن الوضع مرضياً للجميع في كل الأماكن. فمنهم من كان يخشى أن يشعر بالبرد أو أن يتوقّف جيرانه أو أقاربه عن زيارته، فيما كان آخرون يخشون وقوع مناكفات داخل الغرفة أو المنزل. ويقول الباحث "كان علينا تبديد المخاوف في البداية".
وتُعتبر بعض العادات أكثر تعقيداً من غيرها لناحية الاعتماد، كالدواسة المثبتة أسفل المكتب التي تتيح للجالس بأن يتحرك باستمرار وهو يعمل.
ويُدرك الباحثون أنّ مشروعهم ليس حلاً سحرياً ينطبق على الجميع، إلا أنهم يدافعون عن فكرة الحاجة إلى إعادة درس العادات وعلاقة الأشخاص بالاستهلاك وبالمحروقات تالياً.
وتوضح عالمة الاجتماع في جامعة لوفان وأحد أعضاء المشروع أنّ "الهدف ليس في القول للأشخاص إنّكم ستشعرون بالبرد، بل تتمثل الفكرة في الحفاظ على مستوى مماثل من الراحة لكن مع درجات حرارة أقل بقليل".