بايدن وبينيت.. البحث عن متن التوافق في هوامش الخلاف
توافقات وتباينات تشكلان السمة الأبرز لمواقف الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، في مد وجزر يختزلان علاقات تحكمها متغيرات جمة.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، كثيرا ما يتحدث عن إيران ونادرا ما يتطرق إلى الملف الفلسطيني منذ تسلمه مهام منصبه.
ومنذ تنصيب الحكومة الإسرائيلية منتصف يونيو/حزيران الجاري، فإنها تولي أهمية كبيرة لمسألة التأثير على الإدارة الأمريكية بمفاوضاتها في فيينا مع إيران.
ويبدو أن تل أبيب والإدارة الأمريكية تتفقان بالموقف على وضع الملف السياسي الفلسطيني جانبا والتركيز على خطوات بناء الثقة، لكن ورغم ذلك فإنهما تختلفان في عدد من القضايا بينها حل الدولتين والاستيطان وإعادة فتح القنصلية الأمريكية العامة بالقدس.
وتنظر إسرائيل إلى واشنطن باعتبارها الحليف الذي قد تختلف معه في بعض الأحيان ولكن لا تختلف عليه باعتباره الوسيط المفضل لها.
والعنصر الهام في هذه العلاقة هو محاولة هذه الحكومة ترميم علاقتها مع الحزب الديمقراطي الأمريكي، بعد الضرر الذي لحق نتيجة علاقة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو مع الحزب الديمقراطي.
ووجدت هذه الملفات الثلاث تعبيرا لها في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية ورئيس الوزراء المناوب، يائير لابيد، لدى تسلمه وزارة الخارجية في اليوم التالي لتنصيب الحكومة.
ففيما يتعلق بالملف الإيراني، قال لابيد: "علينا الاستعداد بسرعة للعودة (الأمريكية) إلى الاتفاق النووي مع إيران. كانت صفقة سيئة. لقد عارضتها. ما زلت أعارضها. كان يمكن لإسرائيل، من خلال نهج مختلف، أن تؤثر عليها أكثر بكثير".
وأضاف: "سندير هذه المهمة مع رئيس الوزراء بينيت، ولكن هناك مبدأ تنظيمي واحد: إسرائيل ستفعل كل ما يلزم لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية".
أما بشأن الملف الفلسطيني، فقال في نص التصريح الذي تلقته "العين الإخبارية": "كالعادة، ستحدد الساحة الفلسطينية إلى حد كبير ساحات أخرى أيضا. قد لا نتوقع اتفاق الوضع النهائي قريبًا، لكن هناك الكثير الذي يمكننا القيام به لتحسين حياة الفلسطينيين والحوار معهم حول القضايا المدنية".
وبخصوص الحزب الديمقراطي الأمريكي، قال لابيد: "كانت إدارة العلاقة مع الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة غير مبالية وخطيرة. لقد حذرت من ذلك أكثر من مرة، لكن الحكومة المنتهية ولايتها قامت بمغامرة رهيبة متهورة وخطيرة، بالتركيز حصريًا على الحزب الجمهوري".
الملف الإيراني
تبنت الحكومة الإسرائيلية السابقة سياسة تقوم على أساس مهاجمة جهود عودة الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران الذي انسحبت منه الإدارة السابقة عام 2018.
وقامت هذه السياسة على أساس أن إسرائيل ستكون غير ملزمة بأي اتفاق تتوصل اليه الإدارة الأمريكية مع إيران.
غير أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تبنت مقاربة مختلفة تقوم على أساس محاولة التأثير على الموقف الأمريكي في المفاوضات، وهو ما وجد تعبيرا له في تكثيف الاتصالات الإسرائيلية-الأمريكية بهذا الشأن.
تغيير تجلى أيضا في زيارة أجراها مؤخرا، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، إلى واشنطن واستمرت 5 أيام والتقى خلالها كل المسؤولين الأمنيين والعسكريين الأمريكيين إضافة الى اللقاء المرتقب، الأحد، بين لابيد ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في العاصمة الإيطالية روما.
لقاء لابيد وبلينكن يأتي بعد اتصال هاتفي قال لابيد فيه إنهما اتفقا خلاله على "سياسة عدم المفاجآت" بينهما، و"إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة".
وفي هذا الصدد، قال الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في إيجاز صحفي، إنه بما يخص "عدم وجود مفاجآت، فإن ما أود قوله هو أن إسرائيل شريك أمني وثيق. نحن نشارك المعلومات، ونعمل معا عبر مجموعة من الاهتمامات المشتركة والتحديات المشتركة، وفي هذا السياق نعمل معا وسنواصل القيام بذلك، مرة أخرى، حيال مجموعة واسعة من التهديدات المشتركة".
وأضاف برايس: "لدينا علاقة وثيقة بشكل لا يصدق مع إسرائيل. إسرائيل، بالطبع، من بين أقرب شركائنا في العالم. نحن نتشارك سوية الكثير جدا من القيم، ونتشارك الكثير من المخاوف الأمنية، وهذا يتعلق بمسائل الأمان حيث كانت علاقتنا قوية وستظل صلبة".
ومن المنتظر أن يستقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإثنين بالبيت الأبيض، الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين تقديرا له بمناسبة إنهاء مهام منصبه.
وفي السياق، قالت صحيفة "الجروزاليم بوست" الإسرائيلية في مقال تابعته "العين الإخبارية": " يأمل رئيس الوزراء نفتالي بينيت في العودة إلى علاقة 'لا مفاجآت' مع واشنطن، على الرغم من الخلافات حول عودة الولايات المتحدة المحتملة إلى الاتفاق النووي الإيراني".
وأشارت إلى لقاء متوقع للرئيس الإسرائيلي مع بينيت ووزير الدفاع بيني جانتس لمناقشة الأمور المدرجة على جدول أعمال زيارته إلى البيت الأبيض.
وقال مصدر مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي للصحيفة إن "من بين أهداف الرحلة العودة إلى الاتفاق الأساسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل للتنسيق وتحديث بعضهما البعض".
وقال المصدر "لن نكون جزءا من أي اتفاق مع إيران، لكن يمكننا التأثير عليه والتأثير على ما يحدث إذا انتهكت إيران الاتفاقية - إذا كنا جزءًا من النقاش".
وأضاف المصدر أن "إسرائيل لا تريد فقط أن تؤخذ مخاوفها المتعلقة بالأمن القومي بعين الاعتبار، بل تريد أن تشير إلى أن لديها الكثير لتقدمه إلى طاولة المفاوضات من حيث الخبرة والاستخبارات التي تساعد المصالح الأمريكية".
وفي إضار سياسة الوضوح وعدم المفاجآت، فإن ثمة العديد من الأسئلة التي تطلب تل ابيب إجابات عليها من واشنطن.
المحلل العسكري رون بن ايشاي، قال في مقال بصحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية تابعته "العين الإخبارية": "ماذا سيفعلون إذا حاولت إيران القفز نحو السلاح النووي، وماذا سيجري إذا لم تنجح الولايات المتحدة في إعادة إيران إلى حدود الاتفاق النووي، وماذا سيحدث إذا وصلت إيران إلى دولة على عتبة النووي، أي قادرة على إنتاج سلاح نووي في غضون أسابيع، وتنتظر فقط الوقت الملائم؟ هل ستتحمل الولايات المتحدة مثل هذا الوضع؟ وهل ستسمح للإيرانيين بمواصلة التسلح بصواريخ طويلة المدى، بينها صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية؟".
ورأى بن ايشاي أن زيارة كوخافي إلى واشنطن تستهدف "التوصل إلى تعاون وتبادُل للتقديرات مع إدارة بايدن، والذي سيكون برأي مسؤولي الحكومة في إسرائيل مفيداً أكثر من الخط العدائي والاستفزازي الذي كان معتمداً في فترة رئيس الحكومة نتنياهو إزاء الإدارة الديمقراطية".
"أيام رحمة"
بالنسبة لرئيس وزراء إسرائيلي يميني، فإن التعامل مع إدارة أمريكية ديمقراطية في البيت الأبيض إزاء الملف الفلسطيني يبدوا شائكا.
ففي المرحلة الحالية، تركز الإدارة الأمريكية على خطوات بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو أمر يمكن للحكومة الجديدة أن تتعايش معه.
ولكن بينيت يعارض الموقف الأمريكي الرافض للاستيطان وإخلاء وهدم المنازل في الأراضي الفلسطينية ويعارض حل الدولتين ويعارض نية بايدن إعادة فتح القنصلية الأمريكية العامة بالقدس التي أغلقها ترامب.
وحاليا، تنشط الإدارة الأمريكية - من خلال قيادة مصرية- بتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة في غزة، والتحضير لإطلاق عملية إعادة إعمار القطاع كجزء من اتفاق فلسطيني-إسرائيلي لتهدئة طويلة المدى.
ولكن مصادر دبلوماسية غربية قالت لـ"العين الإخبارية"، إن الإدارة الأمريكية تعمل خلف أبواب مغلقة في دفع الحكومة الإسرائيلية إلى عدم إخلاء أو هدم منازل فلسطينية بالقدس الشرقية وعدم الإعلان عن أي مشاريع استيطانية جديدة.
ونقل موقع "واللا" الإسرائيلي عن مسؤول أمريكي قوله "تخطط إدارة بايدن للتباطؤ، وتجنب أي مبادرات كبيرة يمكن أن تزعزع استقرار الحكومة الجديدة".
ويأتي ذلك على وقع دعوات من الحزب الديمقراطي الأمريكي للرئيس بايدن لإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، وإعادة تصنيف المستوطنات على أنها غير قانونية وشطب "صفقة القرن" رسميا والدفع باتجاه تنفيذ حل الدولتين.
ويرى الكاتب الإسرائيلي ران أدليست، في مقال تابعته "العين الإخبارية" بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن "إدارة بايدن منحت حكومة بينيت أيام رحمة لكن العد التنازلي قد بدأ".
وقال: " إذا كنت أفهم صحيحاً رأس البايدنيين (نسبة لبايدن)، فإنهم سيسيرون في نهاية المطاف إلى مؤتمر دولي يفترض أن يكون مسنوداً من اللجنة الرباعية الدولية، وهذا سيحصل في ضوء توجيهات بايدن، بما في ذلك مع الدول العربية. وخمنوا ماذا يقول كل هؤلاء؟ صحيح. دولتان".
aXA6IDMuMTM2LjIzNi4xNzgg
جزيرة ام اند امز