أكبر عاصفة شمسية منذ 20 عاما... حين فوجئت ناسا بما كانت تحاكيه

قبل عام من الآن، اجتمع ممثلون من وكالة "ناسا" ونحو 30 وكالة أمريكية في تمرين تدريبي غير مسبوق، لمحاكاة سيناريو كارثي مصدره الشمس.
كان الهدف من التمرين – الذي حمل اسم "تمرين الطاولة للطقس الفضائي"،اختبار مدى استعداد الهيئات الأمريكية لمواجهة عاصفة مغناطيسية شمسية قد تخل بتوازن المجال المغناطيسي للأرض وتؤثر على الأقمار الصناعية، وشبكات الكهرباء، ورواد الفضاء. لكن ما لم يتوقعه أحد هو أن السيناريو الافتراضي سيتحول إلى واقع حقيقي أثناء التمرين ذاته.

وفي 10 مايو 2024، ضربت الأرض أول عاصفة مغناطيسية شمسية من الدرجة الخامسة (الأشد) منذ أكثر من 20 عاما. وقد أُطلق عليها اسم "عاصفة غانون" تكريمًا للعالمة الراحلة جنيفر غانون، إحدى أبرز المتخصصات في الطقس الفضائي.
ورغم أن العاصفة لم تتسبب بكارثة شاملة، فإن آثارها امتدت من أعماق الأرض إلى كوكب المريخ، وكشفت نقاط ضعف حيوية وأفادت العلماء بمعلومات غير مسبوقة.
اضطرابات على الأرض وفي المدار
تسببت العاصفة في تسخين الطبقة العليا من الغلاف الجوي (الثيرموسفير) إلى درجات حرارة فاقت 2100 درجة فهرنهايت، ما أدى إلى تمددها وارتفاع جزيئات ثقيلة مثل النيتروجين إلى ارتفاعات غير معتادة. هذا التمدد الجوي زاد من مقاومة الهواء للأقمار الصناعية، مما أجبر بعضها على تعديل مساراتها، بينما خرج بعضها الآخر، مثل القمر الصناعي "CIRBE"، عن مداره تماما. على الأرض، تعطلت بعض خطوط الكهرباء وتضررت أنظمة الملاحة الزراعية، حيث أفادت جامعة ولاية كنساس أن مزارعين في الغرب الأوسط الأمريكي خسروا في المتوسط حوالي 17,000 دولار لكل مزرعة نتيجة انحراف الجرارات الموجهة بنظام "جي بي إس" عن مسارها.
أضواء قطبية مدهشة
واحدة من أكثر الظواهر المذهلة التي صاحبت العاصفة كانت ظهور الشفق القطبي (الأورورا) في أماكن غير معتادة، مثل اليابان، بل وبلون نادر: الأرجواني.
وأوضحت ناسا أن السبب يعود إلى ارتفاع الشفق لحوالي 600 ميل فوق الأرض، أعلى بكثير من المعتاد، وامتزاج إشعاعات من الأكسجين والنيتروجين في ظروف غير مألوفة.
أما على المريخ، فقد رصدت بعثة "MAVEN" التابعة لناسا شفقا قطبيا يغمر الكوكب الأحمر من 14 إلى 20 مايو. كما سجلت مركبة "كيوريوسيتي" ارتفاعا غير مسبوق في الإشعاع، يعادل 30 صورة أشعة سينية لو تعرض له رواد فضاء.
مستقبل العواصف الشمسية
لم يكن تأثير "عاصفة غانون" كارثيا، لكنه كان الأكثر توثيقًا في تاريخ العواصف الشمسية. وقد أتاح فرصة فريدة للعلماء لتحليل سلوك الشمس وتأثيراتها المتشعبة على الأرض وما بعدها.
وقالت ناسا إن البيانات التي تم جمعها من هذا الحدث التاريخي ستظل تُدرس لسنوات قادمة، في محاولة لفهم كيف نحمي الأرض والتكنولوجيا الحديثة من غضب الشمس.