عودة «بيتكوين».. تشريعات العملات المستقرة تغير قواعد اللعبة

سجلت بيتكوين يوم الخميس ارتفاعًا تاريخيًا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، مدفوعة بتنامي ثقة المستثمرين في اقتراب الكونغرس الأمريكي من إقرار الإطار التنظيمي المنتظر لسوق الأصول الرقمية.
وبلغ سعر أكبر عملة مشفرة في العالم 111.97 ألف دولار أمريكي، متجاوزًا ذروة يناير/ كانون الثاني والبالغة 111.9 ألف دولار، ومواصلًا ارتفاعًا استمر شهرًا، والذي أضاف أكثر من 35% إلى قيمتها، قبل أن يقلص مكاسبه خلال عطلة نهاية الأسبوع ليستقر عند 107.5 ألف دولار منتصف تعاملات اليوم الأحد.
وارتفعت العملة المشفرة بنسبة 14.1% هذا الشهر وحده و15.4% منذ بداية العام، بعد أن استقرت في المنطقة الحمراء منذ بداية العام مدفوعة بالمخاوف من تصاعد الحرب التجارية التي دفعت البعض للتخلي عن الأصل.
- أسعار العملات المشفرة مقابل الدولار اليوم الأحد 25 مايو 2025
- بيتكوين تسجل قمة تاريخية وتصعد فوق 109 آلاف دولار
تزداد شهية المستثمرين تجاه العملة المشفرة مدفوعة بالتوقعات بأن مجلس الشيوخ الأمريكي سيمضي قدما في مشروع قانون العملات المستقرة، الذي يضع أول إطار تنظيمي لهذا النوع من الأصول في الولايات المتحدة، وفق فايننشال تايمز. التشريع الجديد يمكن أن يؤدي إلى توسيع سوق العملات المستقرة بأكثر من 8 أضعاف لتصل إلى تريليوني دولار بحلول عام 2028، وفقا لبنك ستاندرد تشارترد.
أسباب قفزة بيتكوين
الارتفاع جاء مدعوما أيضا بقرار وكالة موديز خفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، الذي دفع بعض المستثمرين إلى البحث عن استثمارات بديلة بعيدا عن الدولار. فبينما ارتفع سعر البيتكوين بنسبة 14.1% خلال الشهر، انخفض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة -0.4%.
تزايد عمليات شراء العملات المشفرة وقبولها من جانب المؤسسات جاءت كأحد أسباب الارتفاع كذلك، مع دخول بورصة العملات المشفرة كوين بيز إلى مؤشر ستاندرد أند بورز 500 وتحول موقف جي بي مورغان للسماح لعملائه بشراء العملة المشفرة.
البعض يرى أن البيتكوين لا يزال أمامه طريق طويل للارتفاع في عام 2025، إذ قال الشريك المؤسس لشركة نيكسو أنتوني ترينشيف لرويترز إن "مستوى 150 ألف دولار في عام 2025 لا يزال محتملا بقوة"، بينما يتوقع ستاندرد تشارترد سعرا أعلى بكثير يصل إلى 200 ألف دولار بحلول نهاية العام.
يأتي هذا الارتفاع الأخير في أعقاب زخم متزايد في واشنطن وراء قواعد جديدة للعملات المستقرة - وهي رموز مرتبطة بالدولار تُستخدم على نطاق واسع في التداول والمدفوعات في قطاع العملات الرقمية. ويُمثل ما يُسمى بقانون "غينيوس"، الذي أقره مجلس الشيوخ ويمر الآن عبر مجلس النواب، أول تشريع شامل للولايات المتحدة لقطاع الدولار الرقمي سريع النمو.
وتقول شخصيات في هذا القطاع إن هذه الخطوة تُشير إلى نقطة تحول. وصرح توماس بيرفومو، الخبير الاقتصادي العالمي في بورصة العملات الرقمية "كراكن": "هذه أوضح إشارة حتى الآن على أن سوق العملات الرقمية الصاعدة لديه مجال أكبر للنمو"، بحسب ما نقل عنه موقع gfmreview.
وأشار إلى "حلقة ردود الفعل" المتمثلة في ارتفاع أسواق الأسهم، وتجدد التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة المرتبطة بالعملات المشفرة، وشراء الشركات لسندات الخزانة - وكلها تعزز المسار الصعودي للبيتكوين.
صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) تدفع التدفقات
شهدت صناديق المؤشرات المتداولة في الولايات المتحدة، التي تتبع أداء عملة بيتكوين، تدفقات استثمارية كبيرة تجاوزت 3.6 مليار دولار أمريكي خلال هذا الشهر فقط، وفقًا لبيانات منصة SoSoValue.com، مما يجعلها أكبر تدفق شهري منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. وجاء هذا النمو مدعومًا بتحسن شهية المستثمرين للمخاطرة، والذي يُعزى جزئيًا إلى تراجع المخاوف بشأن السياسات التجارية المتشددة التي كان يُنظر إليها في أجندة الرئيس دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية.
ولم يقتصر تأثير هذا الانتعاش على ارتفاع قيمة بيتكوين فحسب، بل امتد ليشمل العملات الرقمية الأخرى أيضًا. على سبيل المثال، ارتفعت قيمة عملة إيثريوم بنسبة 4.5% لتصل إلى 2,619 دولارا أمريكيا، بينما قفزت عملة سولانا بنسبة تقارب 2% لتسجل 176 دولارا أمريكيا. ورغم أن هذه المكاسب لا تزال بعيدة عن مستوياتها القياسية السابقة، إلا أنها مثلت دفعة معنوية قوية لسوق كانت تعاني حتى وقت قريب من عدم اليقين التنظيمي وضغوط الاقتصاد الكلي.
كما ساهمت عمليات الشراء الكثيفة من قبل المؤسسات الكبرى في دعم صعود بيتكوين. حيث استأنفت شركة Strategy، وهي أكبر شركة مدرجة في البورصة متخصصة في الاستثمار في العملات الرقمية، سياسة تجميع استثماراتها، بينما دخلت جهات فاعلة جديدة إلى السوق، مثل شركة 21.co المدعومة من سوفت بنك، بالإضافة إلى Tether، الشركة المشغلة لأكبر عملة مستقرة في السوق.
تحولات كبيرة في سوق العملات المستقرة
من المتوقع أن تُحدث التشريعات الأمريكية المقترحة بشأن تنظيم العملات المستقرة تحولًا كبيرًا في هذا القطاع. وتشير تقديرات بنك ستاندرد تشارترد إلى أن القيمة السوقية للعملات المستقرة، التي تبلغ حاليًا نحو 240 مليار دولار، قد تتضاعف إلى تريليوني دولار بحلول عام 2028، مع احتمال استثمار الجزء الأكبر من الأصول الاحتياطية في سندات الخزانة الأمريكية.
وينص مشروع قانون "غينيوس" على إلزام مصدري العملات المستقرة بالالتزام بمعايير احتياطية صارمة والخضوع لرقابة تنظيمية مشددة. وقد حظي المشروع بتأييد غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، رغم استمرار وجود معارضة من بعض الأطراف. وفي هذا الصدد، حذر عدد من الديمقراطيين البارزين، بمن فيهم السيناتور إليزابيث وارن، من أن القانون المقترح لا يوفر ضمانات كافية لحماية المستهلكين أو ضمان الاستقرار المالي.
ومع ذلك، يرى رواد قطاع العملات الرقمية في هذه الخطوة تقدمًا إيجابيًا. حيث وصف غيريمي ألاير، الرئيس التنفيذي لشركة سيركل (المُصدرة لعملة USDC والمستعدة للاكتتاب العام)، هذه المرحلة بأنها "مفترق طرق حاسم" للتمويل الرقمي، بحسب موقع غلوبال فايننشال ماركت ريفيو (gfmreview). وكشفت وثائق الاكتتاب المقدمة الشهر الماضي أن إيرادات الشركة بلغت 1.66 مليار دولار خلال العام الماضي، على الرغم من تراجع أرباحها بسبب ارتفاع تكاليف التسويق.
ولم تكن سيركل الوحيدة التي تسعى لاستغلال موجة التنظيم الجديدة، حيث تعتزم منصة كراكن، إحدى أكبر بورصات العملات الرقمية في أمريكا، طرح أسهمها للاكتتاب العام في إطار ما يراه المحللون تحولا استراتيجيا في القطاع منذ عودة ترامب إلى الواجهة السياسية.
تراجع تنظيمي
أظهرت إدارة ترامب في الأشهر الأخيرة موقفًا أكثر انفتاحا تجاه العملات المشفرة. فمنذ يناير/ كانون الثاني، خففت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) من حدة إجراءاتها الرقابية في عدة ملفات، كما أعلن ترامب صراحة عن سعيه لجعل الولايات المتحدة "عاصمة العالم للعملات الرقمية".
وشكل هذا المناخ التنظيمي الأكثر مرونة حافزًا للمستثمرين والمشغلين في القطاع. وعلق بيرفومو، أحد الخبراء الماليين، قائلًا: "طالما استمرت هذه العوامل الداعمة، فمن المرجح أن يسيطر مشترو فترات التراجع على اتجاه السوق، والأرقام القياسية المسجلة اليوم خير دليل على ذلك."
لكن التحديات لم تختف تمامًا. فلا يزال مشروع قانون "غينيوس" بحاجة إلى موافقة الكونغرس قبل إقراره نهائيًا، كما أن المخاوف بشأن تقلبات احتياطيات العملات المستقرة والمخاطر النظامية المحتملة الناتجة عن التوسع السريع في تبني الأصول الرقمية تظل قائمة.
رغم ذلك، تبدو الآفاق المستقبلية إيجابية في الوقت الراهن. فالتقدم نحو وضوح تنظيمي، الذي طالما انتظره المستثمرون المؤسسون، أصبح أقرب من أي وقت مضى، مما يعزز سوقًا تشهد بالفعل زخمًا تصاعديًا قويًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE2IA== جزيرة ام اند امز