"الماسة السعودية الزرقاء".. لغز الجوهرة المسروقة منذ 33 عاما (القصة الكاملة)
رغم مررو 33 عاما على سرقة مجوهرات سعودية ثمينة من بينها ماسة زرقاء نادرة جدا، والقبض على السارق إلا أن اختفاءها لا يزال لغز يبحث عن حل.
ولا يعود اللغز فقط لاختفاء الماسة حتى اليوم، ولكن يرتبط أيضا بمقتل الكثيرين ممن حاولوا استعادتها، ومن بينهم 3 دبلوماسيين سعوديين ورجل أعمال سعودي، وقيدت قضايا قتلهم ضد مجهول، وسط اتهامات للشرطة التايلاندية بالمسؤولية عن التورط في جميع تلك الجرائم، دون إدانة أي منهم رسميا، الأمر الذي سبب توترا في العلاقات بين السعودية وتايلاند على مدار 33 عاما.
والماسة الزرقاء المفقودة يبلغ وزنها 50 قيراطا، وهي بحجم البيضة، وتعد من أندر الماسات في العالم.
فمن بين كل 10 آلاف ماسة هناك واحدة فقط بهذا اللون المميز، وجاء هذا اللون الأزرق من وجود عنصر البورون داخلها والذي تشكل من خلال وجودها على عمق يتجاوز 600 كيلومتر تحت سطح الأرض.
ورغم الاهتمام الذي حظيت به تلك الماسة على مدار أكثر من 3 عقود، إلا أنه لم تنشر أية صورة لتلك الماسة حتى اليوم.
في التقرير التالي نتعرف على قصة سرقة تلك الماسة وسر ارتفاع ثمنها، حيث تباع الماسات الزرقاء في الفترة الحالية بأسعار خيالية.
قصة السرقة
تعود قصة السرقة إلى عام 1989، عندما قام عامل تايلاندي يدعى كريانغكراي تيشامونغ بسرقة كمية كبيرة من المجوهرات على دفعات تعود لإحدى الشخصيات السعودية من الأسرة الحاكمة من قصره بالرياض بينما كان صاحب القصر وأسرته في إجازة خارج الرياض لعدة شهور.
وتفاوتت تقديرات كمية المجوهرات التي تمت سرقتها ما بين 30 و90 كيلوجراما، كان من بينها ماسة زرقاء بوزن 50 قيراطا نادرة جدا، قدرت قيمة المجوهرات آنذاك بنحو 20 مليون دولار، فيما تتجاوز قيمة الماسة وحدها في الوقت الراهن أضعاف هذا المبلغ.
وخلال شهر من السرقة، قام العامل التايلاندي بنقل المجوهرات وإخفائها وسط حمولة كبيرة قام بإرسالها لبلده تايلاند، وقام بتمريرها عبر رشوة مسؤولي الجمارك دون أن يفصح عن محتوى الشحنة، بعد أن غادر هو الآخر البلاد قبل اكتشاف السرقة.
وبعد عودة الأسرة السعودية تم اكتشاف السرقة وإبلاغ السلطات التايلاندية، التي ألقت القبض على المتهم واعترف بالسرقة، وأرشد على تاجر مجوهرات كان قد باع بعضها له.
وجرت استعادة المجوهرات التي كان ما زال محتفظا ببعضها وتلك التي باعها.
ولكن خلال الفترة الواقعة ما بين استعادة المجوهرات وإرسالها للرياض وقعت جريمة أخرى، حيث إن معظم المجوهرات التي تمت إعادتها كانت زائفة، كما لم يتم إعادة مجوهرات أخرى من بينها الماسة الزرقاء، وسط تقارير تؤكد تورط قادة الشرطة التايلاندية في سرقة المجوهرات بعد استعادتها.
وفي نفس الفترة تم اغتيال 3 دبلوماسيين سعوديين في حوادث مختلفة.
كما قُتل رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي الذي كان يمتلك مكتب استقدام في بانكوك آنذاك، وكان شاهداً على إطلاق النار على أحد الدبلوماسيين، بعد توصله لمعلومات حول سرقة المجوهرات.
واتهم 5 رجال بينهم شرطي تايلاندي رفيع المستوى بالضلوع في جريمة قتل رجل الأعمال السعودي.
ومع الضغوط السعودية لمواصلة التحقيق في القضية أصبح تاجر المجوهرات التايلاندي الذي اشترى بعض تلك المجوهرات من العامل عقب سرقتها، الشاهد الرئيسي في القضية، كما أثيرت شبهات حوله أيضا بتغيير المجوهرات الحقيقية بأخرى مزيفة.
وفي يوليو/تموز عام 1994 اختفى ابنه وزوجته ليتم العثور على جثتيهما في سيارة مرسيدس خارج بانكوك. وذكر تقرير الطب الشرعي أن الوفاة ناجمة عن حادث تصادم بين السيارة التي كانا فيها وشاحنة كبيرة، ولكن اتضح لاحقا أن قوة الشرطة المنوط بها استعادة المجوهرات المفقودة استولت على بعضها بل ومسؤولة أيضا عن اغتصاب تاجر المجوهرات وقتل زوجته وابنه.
وبالفعل أدين بشالور كيردثيس رئيس فريق التحقيق في قضية السرقة ودخل السجن لمدة 20 عاما، لدوره في قتل أسرة تاجر المجوهرات.
أما العامل التايلاندي، السارق الأساسي، فكان قد صدر حكم عقب اعتقاله في 1990 بسجنه 5 سنوات خفضت إلى عامين و7 أشهر بعد إقراره بالذنب.
القاتل مجهول
وفي يناير/كانون الثاني 2010، أعيد فتح القضية بعد ظهور دلائل جديدة، واتهم المدعي العام في تايلاند 5 ضباط شرطة حاليين وسابقين بقتل رجل الأعمال السعودي الرويلي.
وكان من الغريب أن تقوم السلطات التايلاندية بترقية أحد المتهمين بعد شهور من توجيه الاتهامات له.
وإثر ذلك توترت العلاقات السعودية- التايلاندية في سبتمبر/أيلول 2010 بشكل كبير بعد أن احتجت السفارة السعودية في بانكوك على قرار السلطات التايلاندية بترقية ضابط متهم بالضلوع في جريمة قتل الدبلوماسيين السعوديين، وخطف الرويلي، مؤكدة أن الترقية تخالف النظام المعمول به في تايلاند.
وقالت السفارة في بيان رسمي نشر حينها إن قرار الترقية يعزز موقف المتهم، فضلاً عن أنه مخالف للقانون، معتبراً هذه الخطوة تهديداً خطيراً للجهود الرامية إلى استعادة العلاقات الطبيعية بين الرياض وبانكوك.
وأفادت السفارة السعودية في بيانها بأن "المملكة قلّصت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد مقتل 3 من أفراد موظفيها الدبلوماسيين واختفاء رجل الأعمال محمد الرويلي في بانكوك عامي 1989 و1990، دون أن تقدم بانكوك أحداً للعدالة في أي من الحالات".
وأمام الضغوط التي قامت بها السعودية تراجعت بانكوك عن ترقية المسؤول المتهم.
وفي 2014 تم إسقاط الملاحقات بحق أفراد الشرطة المتهمين بالتورط في تلك القضايا بسبب عدم وجود أدلة.
وفي 31 مارس/ آذار 2014، أصدرت محكمة الجنايات التايلاندية الحكم في قضية اختطاف وقتل المواطن السعودي محمد الرويلي، حيث قضت بحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة على المتهمين .
استياء سعودي
وأصدرت الخارجية السعودية بيانا رسميا آنذاك أعربت فيه عن استيائها.
وقال البيان "إن حكومة المملكة العربية السعودية حريصة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة وتسعى إلى تطوير علاقاتها مع مملكة تايلاند، ولا تشكك في عدالة القضاء هناك، إلا أن ما حدث من ملابسات في المحاكمات الخاصة بقضية مقتل مواطنها محمد بن غانم الرويلي وخاصة فيما يتعلق بتغيير القاضي قبل جلسة النطق بالحكم، والتدخلات السياسية السلبية في القضية كل ذلك يقدم دليلاً جديداً على أن هناك تدخلات في النظام العدلي والإجراءات للتعامل مع القضية، وأيضاً على ضعف اهتمام الحكومة التايلاندية في حل قضايا اغتيالات المواطن الرويلي والدبلوماسيين السعوديين الثلاثة والوصول للقتلة ومن ساعدهم على ارتكاب تلك الجرائم الشنيعة وإقرار العدالة تجاههم".
وأوضحت أن "حكومة المملكة العربية السعودية إذ تعرب عن استيائها الشديد لما حدث فإنها تؤكد أهمية أن تقوم السلطات التايلاندية بواجبها تجاه تلك القضايا وبعيداً عن أي تأثيرات سياسية".
وعلى مدار عقود، سعت تايلاند لتطبيع العلاقات مع السعودية، بعد التوتر الذي ترتب على خلفية تلك الأزمة، كلف التجارة الثنائية مليارات الدولارات، كما أضر بالسياحة وحرم مئات الآلاف من العمال التايلانديين المهاجرين من فرص عمل في السعودية.
لكن لغز اختفاء المجوهرات وخاصة الماسة الزرقاء وعدم قيام تايلاند بإلقاء القبض على المتورطين في قتلة الدبلوماسيين السعوديين الثلاثة ورجل الأعمال السعودي، ظل عقبة في طريق تطبيع العلاقات قبل أن تشهد حلحلة في الفترة الأخيرة.
أما العامل التايلاندي، السارق الأساسي، فقد غير اسم العائلة لتجنب تعريض ابنه للإحراج بعد خروجه من السجن، ومن ثم قرر في مارس/آذار عام 2016 أن يصبح كاهنا بوذيا وغير اسمه ليصبح شالور كيردثيس.
وقال في تصريحات له آنذاك "أريد أن أكون راهبا مدى الحياة لمحو لعنة الماسة السعودية، كما أريد تكريس حياتي من أجل أولئك الذين ماتوا في الأحداث الماضية، وأطلب العفو عما حدث".
وكان من بين من حضروا مراسم الرهبنة شالور كيردثيس، قائد الشرطة الذي سجن لدوره في قتل أسرة تاجر المجوهرات. وبحسب وسائل الإعلام التايلاندية فقد واصل الإصرار على براءته وبعد إطلاق سراحه قرر هو الآخر أن يصبح راهبا.
وكان كيردثيس و كريانغكراي هما فقط من سجنا بسبب قضية الماسة الزرقاء، فيما برأت المحكمة العليا في تايلاند في مارس/آذار 2014 خمسة من رجال الشرطة السابقين من تهمة خطف وقتل رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي.
الماسة الزرقاء
والماسة الزرقاء المسروقة يبلغ وزنها 50 قيراطا بحجم البيضة، وتعتبر من بين الأندر في العالم، وجاء هذا اللون من وجود عنصر البورون داخلها والذي تشكل من خلال وجودها على عمق 600 كيلومتر تحت سطح الأرض.
وأغلب الماسات الزرقاء الموجودة حاليا قادمة من منجم كولينان القريب من بريتوريا في جنوب أفريقيا، ولكن أصل الماسة السعودية الزرقاء غير معروف وليس لها صورة معروفة.
ويعود آخر اكتشاف هام للماسات الزرقاء في هذا المنجم إلى سبتمبر / أيلول 2020، حينما عثر على 5 ماسات زرقاء .
سر اللون الأزرق
وأحجار الألماس ما هي إلا شكل من الأشكال البلورية للكربون النقي يتكون تحت حرارة وضغط هائلين. ومعظم أحجار الألماس عديمة اللون، تميل عادة للصفرة البسيطة، وبعضها له لون صريح وإن كان ذلك نادرا.. مثل اللون الأصفر أو البني أو الوردي أو الأخضر.
ويتشكل حوالي 99 % من الألماس على عمق بين 150 و200 كيلومتر تحت سطح الأرض، بينما يتكون الألماس الأزرق على مسافة أعمق.
ويُعتبر الماس الأزرق من أندر أنواع عائلة الماس بعد الماس الأحمر ، ولا يشكل الألماس الأزرق إلا حوالي 0.02 % من الألماس المستخرج من باطن الأرض، لكن منه ألماسات من أشهر قطع الألماس في العالم، ويباع بأسعار خيالية قد تتجاوز مليون دولار للقيراط الواحد.
وتشير تقارير علمية إلى أن هذا النوع من الألماس يمكن أن يتكون على عمق 660 كيلومترا على الأقل ويصل إلى جزء من القشرة الأرضية الداخلية تسمى الوشاح الأدنى. والشذرات الفلزية الدقيقة داخل هذه الألماسات تبوح بأسرار عن مكان مولدها.
ويتبلور الماس الأزرق إلى جانب الفلزات الحاوية للماء التي كانت في الأزمان البعيدة جزءا من قيعان البحار لكنها دخلت أعماقا بعيدة خلال حركة الطبقات التكتونية الهائلة التي تشكل سطح الأرض.
ومن المعروف بين العلماء أن هذه الألماسات اكتسبت لونها الأزرق من عنصر البورون،
وأشارت دراسة علمية بدورية نيتشر نشرت في وقت سابق إلى أن هذا العنصر كان يوجد يوما في مياه المحيطات ثم اندمج مع صخور القيعان التي تعمقت داخل القشرة الأرضية على مر ملايين السنين.