أحياء في ثلاجة الموتى.. فاجعة "ابن الخطيب" في بغداد مستمرة
كان سجاد يتسامر مع مجموعة من الأصدقاء في ساعة متأخرة من الليل قبيل أن تتعالى أصوات المارة في منطقته الواقعة عند جسر ديالي بالصراخ للتحرك لإخماد حريق نشب في مستشفى ابن الخطيب لمرضى كورونا.
يهرع "سجاد" الشاب العشريني، برفقته أبناء الحي القريبين من مبنى المستشفى، لإنقاذ المرضى المصابين بكورونا بعد أن حاصرهم الدخان وألسنة اللهب وصار حالهم كالذي يلوذ من الهيجاء بالنار.
بعد أقل من 5 دقائق كان أبناء المنطقة وصلوا إلى مستشفى "ابن الخطيب" وبدأوا اقتحام المبنى وسط صيحات وصراخ وعويل، فيما كانت فرق الدفاع المدني تستعد لفتح خراطيش الماء ومعالجة النيران المتصاعد من الطابق الثاني الخاص بمرضى الإنعاش الرئوي.
يقول سجاد: "كان المنظر مخيفاً وكان الناس محتشدة عند ممرات المداخل والساحة الواقعة عند باب المستشفى".
يغطس سجاد "تي شيرت"، كان يرتديه بالماء لوضعه على وجهه حتى لا يصاب بالاختناق جراء الدخان الكثيف المتصاعد من باحة الطابق العلوي.
يندفع مسرعاً نحو سرير متهالك بفعل النيران كانت على متنه امرأة، حمت نفسها بعباءة سوداء، لكنها كانت فارقت الحياة اختناقاً بالدخان، وليس من مضاعفات كورونا.
يرفع سجاد الجثة من مكانها ويدفع بها إلى متطوعين آخرين كانوا بالقرب منه، تلاقفوها بالأيدي ودفعوا بها إلى خارج المبنى.
يعود سجاد عند ممر لا يتجاوز المترين يقع قبال المدخل الذي نشبت فيه النار، لالتقاط الأنفاس وشحن رئتيه بالهواء حتى يعود من جديد بحثاً عن مرضى عالقين وسط تلك النيران.
في تلك الأثناء كان بعض من موظفي المستشفى يتبعهم أفراد من الأهالي يهرعون لسحب أسطوانات الأوكسجين من الطابق الثاني، خشية أن تطالها النيران وتتفاقم المأساة بانفجار تلك العبوات.
حينها كانت تسمع أصوات انفجارات قوية قيل إنها لأسطوانتي أوكسجين كانت حتى وقت قريب تمثل أنبوب حياة لضحايا كورونا ممن يعانون ضيق التنفس، قبل أن تتحول إلى عبوات موت وكرة نيران.
محمد، متطوع آخر، لم يتحمل الانتظار عند أسفل المبنى حين كانت النيران تتصاعد من الأعلى.
استطاع محمد أن يحصل على قناع طبي للغازات السامة من أحد المنقذين بعد عجز الأخير عن الاستمرار بسبب الإنهاك وبشاعة المنظر.
يقول محمد إن "أحد مرضى كورونا وبعد إنقاذه من النيران والدخان، في عملية شجاعة، كان يبكي ويصرخ بصوت عال: (أنقذوا زوجتي .. وضعها الصحي لا يحتمل وأخشى أن تكون النيران التهمتها".
في عمق الردهة الأولى من الطابق الثاني، عثر محمد وهو يواصل الجهود لإنقاذ العالقين هناك على جثتين متفحمتين، حتى إنه لم يستطع التميز أو التعرف عليهما أكانت لنساء أم رجال.
كانت سيارات الدفاع المدني تأتي تباعا وخراطيم المياه تلاحق النيران المتصاعدة من النوافذ والممرات، فيما كان قسم من فريق الإنقاذ ينصب السلالم تهيئاً للصعود لسحب المرضى العالقين وإبعادهم عن دائرة الخطر.
زياد حسن، الذي يعمل في فريق الإطفاء، استطاع أن يصل عبر إحدى النوافذ إلى ردهات الطابق العلوي، متتبعاً أنين وأصوات مرضى بدى عليهم أنهم يستعدون لمفارقة الحياة.
أحياء في ثلاجة الطب العدلي
في صباح اليوم، كان السواد وأثار النكبة طاغية على جدران المستشفى ووجوه أهالي الضحايا، في وقت ترددت أنباء أن أعداد قتلى فاجعة ابن الخطيب تسجل نحو 120 شخصا.
أبوأحمد الفرطوسي فقد والده في حريق المستشفى وينتظر استلام جثته من ثلاجة الطب العدلي واستكمال بيانات الوفاة.
يقول الفرطوسي "هنالك فوضى وعدم تنظيم في موضوع استلام جثث الضحايا في الحريق، وهناك الكثير من الجثث متفحمة ولا يمكن التعرف على ملامحها بحكم شكلها الخارجي، وهو ما جعل أهالي الضحايا في حالة من الحيرة والذهول".
يقف الفرطوسي في طابور يقف في نهايته طبيب يقيد شهادة وفاة ضحايا، ويمسك في يده ختما مستطيلا يضعه على البيانات بعد تدقيق المعلومات ومن ثم يترك هامش توقيعه أسفل الورقة.
في تلك الأثناء، كانت تتعالى أصوات الرجال والنساء ممن قضوا ليلهم ينتظرون طلوع الصباح لاستلام جثث أبنائهم ممن جاءوا للتشافي من مرض كورونا.
على بعد أمتار من الطابور، ينشب خلاف بين أهالي عائلتين من الضحايا، بشأن جثة امرأة ادعى أحد الطرفين أنها والدته ولكن بعد التمحيص في الجسد المحترق تبين أنها والدة الطرف الآخر.
لم ينته الخلاف بشأن الجثث المحترقة وكيفية التفريق بين ضحية وأخرى، فهنالك مشهد يتشابه كثيرا مع أفلام الرعب والخيال التي تعرض في صالات السينما.
يدخل بعض من أهالي الضحايا إلى ثلاجة الطب العدلي لاستلام ضحايا فاجعة "ابن الخطيب"، ولكنهم يصدمون بوجود رجل ما زال على قيد الحياة ملقى ما بين تلك الجثث.
وتحاول السلطات العراقية، من خلال لجنة تحقيق عالية المستوى تم تشكيلها غداة وقوع الحريق، الكشف عن ملابسات الحادث ومعرفة المقصرين.
وحتى الآن لم ترد إحصائيات رسمية من قبل وزارة الصحة، ولكن في تقديرات كشفت عنها الداخلية العراقية أشارت من خلالها أن أعداد الذين لقوا مصرعهم في حادثة حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد وصل إلى 82 شخصا وأكثر من 100 جريح.