نزاع الرفات بين روسيا وأوكرانيا.. محاولة فاشلة لسرقة «جاسوس»
كانت المحاولة الأخيرة لاستعادة رفات نيكولاي كوزنيتسوف من أوكرانيا جزءا من جهود روسية مستمرة لاستعادة أبطال الحرب السوفياتية.
وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تسلل رسلان ليتفينوف، وهو رجل نحيل في أواخر الأربعينيات من عمره، إلى مقبرة "تل المجد" العسكرية السوفياتية في غرب أوكرانيا، بهدف استعادة رفات أحد أبرز أبطال الاتحاد السوفياتي، الجاسوس نيكولاي كوزنيتسوف، الذي كان يتمتع بمكانة مرموقة في موسكو بفضل دوره البطولي خلال الحرب العالمية الثانية.
على الرغم من افتقاره الخبرة أو المهارات المناسبة قام ليتفينوف بالتسلل إلى المقبرة، وهو يحمل معه رافعتين هيدروليكيتين، ليحاول رفع اللوح الرخامي الثقيل الذي يغطي قبر كوزنيتسوف، غير أن محاولته باءت بالفشل عندما اكتشفه الحارس وأبلغ الشرطة.
وفي ظل الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا يبرز نزاع الرفات كرمز لتشابك التاريخ والسياسة، فكوزنيتسوف، الذي كان يوما رمزا للاتحاد السوفياتي أصبح اليوم محور صراع يعكس الانقسام العميق بين دولتين تتنازعان على الهوية الوطنية والإرث التاريخي.
وكان نيكولاي كوزنيتسوف جاسوسا سوفياتيا لامعا خلال الحرب العالمية الثانية، تسلل إلى صفوف القيادة النازية العليا وجمع معلومات استخباراتية حساسة، بما في ذلك خطط ألمانيا لتطوير صواريخ V2، وتفاصيل حول هجمات مخططة ضد القوات المتحالفة، ومواقع المخابئ السرية مثل مقر قيادة هتلر العسكري قرب مدينة فينيتسا.
ولم يقتصر عمله على جمع المعلومات، بل نفذ عمليات اغتيال جريئة استهدفت كبار المسؤولين النازيين، بينهم جنرالات عسكريون ومسؤولون إقليميون.
هذه العمليات جعلت منه رمزا للبطولة، حيث أُقيمت له تماثيل، وسُمّيت شوارع ومدن باسمه، وأُنتجت أفلام تحكي عن بطولاته.
لكن حياته انتهت بشكل مأساوي في مارس/آذار 1944، عندما تعرض لكمين من قبل ما كان يعرف بـ"المقاومة الأوكرانية"، التي اشتبهت في كونه ضابطا نازيا.
وفضل تفجير قنبلة يدوية على الوقوع في الأسر.
الصراع على الإرث
بعد الحرب، اعتُبر كوزنيتسوف أحد أبرز رموز الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1960 دُفن في لفيف في مقبرة مخصصة لأبطال الحرب السوفياتية.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا بدأ إرث كوزنيتسوف يشكل مصدر توتر بين روسيا وأوكرانيا، فقد عمدت أوكرانيا إلى إعادة تقييم رموز الحقبة السوفياتية، ما أدى إلى إزالة العديد من التماثيل والنصب التذكارية التي تمجد الرموز السوفياتية.
في هذا السياق، أصبح قبر كوزنيتسوف هدفا للهجمات والتخريب، ففي عام 2018 قام ناشطون أوكرانيون بتشويه قبره بعبارات معادية لروسيا.
وفي عام 2019 تم سرقة لوحة برونزية تحمل صورة لوجهه، ولاحقا حاول مجهولون حفر نفق باتجاه رفاته.
لكن روسيا، التي تعتبر كوزنيتسوف بطلا قوميا، طلبت مرارا استعادة رفاته إلى مسقط رأسه في منطقة سفيردلوفسك الروسية، حيث لا يزال تمثال برونزي ضخم للجاسوس السابق، ينتصب عند مدخل سيبيريا.
المعركة بين الماضي والحاضر
وتُظهر محاولة استعادة رفاة كوزنيتسوف، سواء عبر الطرق الدبلوماسية أو العمليات الفردية مثل محاولة ليتفينوف، أن النزاع بين روسيا وأوكرانيا ليس فقط حول الحاضر، بل حول السيطرة على السرديات التاريخية.
ويقول عمدة لفيف أندريه سادوفي "إذا كانت شخصيات مثل كوزنيتسوف مهمة لهذه الدرجة للروس، فلماذا لا نستخدم هذه الرمزية لصالحنا؟ لماذا لا نستبدل هذه الرفات بمواطنينا الأسرى؟".
غير أن روسيا لم تستجب لهذه المقترحات حتى الآن، إذ يبدو أنها تفضل الانتظار على أمل استعادة السيطرة على الأراضي الأوكرانية بما فيها الأماكن ذات الأهمية الرمزية مثل مقبرة كوزنيتسوف.
aXA6IDMuMTQ3LjUyLjI0MyA= جزيرة ام اند امز