حرائق البرازيل تحول جنة للتنوع الحيوي إلى جحيم
عادة ما تشهد منطقة بانتانال البرازيلية حرائق في مثل هذه الفترة من السنة، إلا أن حرائق الموسم الحالي خرجت عن السيطرة تماما.
حوّلت الحرائق المستعرة في بانتانال البرازيلية هذا المعقل البارز للتنوع الحيوي إلى بؤرة خراب تطغى فيها رائحة الشجر المحترق وألسنة اللهب على المشهد، في منطقة تُعرف بغناها الكبير بالثروة النباتية والحيوانية.
يحاول فيليبي مايا وهو موظف في فندق كان يوفر قوت عيشه من السياحة البيئية، احتواء تقدم النيران عبر استخدام خرطوم مياه لرش أحد الجسور الخشبية التي تتيح العبور فوق الأنهر عند طريق نرانسبانتانيرا الممتدة على 150 كيلومترا وتربط بوكونيه ببورتو جوفريه في وسط البرازيل الغربي.
وتشهد المنطقة أسوأ جفاف منذ 47 عاما، ما تسبب في جفاف الكثير من المجاري المائية.
وعادة ما تشهد المنطقة حرائق في مثل هذه الفترة من السنة، إلا أن حرائق الموسم الحالي خرجت عن السيطرة تماما.
وقد أتت النيران منذ مطلع العام الجاري على ما يقرب من 23 ألفا و500 كيلومتر مربع، أي حوالى 12 % من المنطقة الرطبة الأكبر في العالم والتي تمتد أيضا على أجزاء من باراجواي وبوليفيا.
ويقول فيليبي مايا لوكالة الأنباء الفرنسية، على بعد بضعة أمتار من منطقة تستعر فيها النيران "في كل يوم، نمر على هذا الطريق، وكل مرة نرى فيها بؤرة حريق في الجوار نرش الجسور بالمياه لتفادي احتراقها أيضا".
وقد انبرى كثر من السكان والمرشدين السياحيين والموظفين وأصحاب المؤسسات السياحية لمساعدة عناصر الإطفاء ليلا ونهارا.
خطر على الحيوانات
ويقول روبرتو كارفاليو ماسيدو وهو مرشد سياحي انضم إلى أفواج المتطوعين "هذا محزن. لقد واجهنا جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) التي يطول أمدها لفترة تفوق ما كان متوقعا في البرازيل، وكنا نظن أننا سنكون أمام موسم سياحي جيد، إلى أن اشتعلت الحرائق".
وحددت الأقمار الاصطناعية التابعة للمعهد الوطني للبحوث الفضائية بين الأول من يناير/ كانون الثاني والثالث عشر من سبتمبر/أيلول 2020، 14 ألفا و764 بؤرة حريق في منطقة بانتانال البرازيلية، في زيادة نسبتها 214% مقارنة مع الفترة عينها من العام الماضي.
وقد جرى تخطي الرقم القياسي للحرائق المسجلة في سنة كاملة (12536 بؤرة حريق) في أقل من تسعة أشهر.
ويقود روبرتو كافاليو ماسيدو سفينة على متنها أيضا فريق وكالة الأنباء الفرنسية، ليجوب الأنهار في متنزه إنكونترو داس أغواس الطبيعي، وهي منطقة فيضانات واسعة تبدأ في نقطة انتهاء طريق ترانسبانتانيرا.
ويتعارض اللون الأخضر الطاغي عند ضفتي النهر مع السواد الذي اتشحت فيه مساحات كبيرة بفعل احتراق الأشجار.
وتنتشر في المنطقة عادة أنواع حيوانية كثيرة بينها التماسيح الأمريكية الاستوائية (كيمن) وثعالب الماء العملاقة وآكلات النمل، إضافة إلى أكبر نوع من السنوريات في الأميركيتين وهو النمر الأمريكي (الجاجوار).
وقد أمضت المرشدة الشابة إدواردا فرنانديس أمارال يوم الأحد بصحبة فريق من الأطباء البيطريين وعلماء الأحياء، في البحث عن نمر أمريكي مصاب جراء النيران. إلا أن الحيوان لم يظهر.
وهي توضح "كل الحيوانات التي تمكنا من مساعدتها كانت في وضع حرج للغاية، مع حروق تصل إلى العظام".
تواجه الحيوانات التي تصمد في وجه النيران خطر النفوق جوعا أو عطشا. وتقر إدواردا فرنانديس باستحالة احتساب عدد الحيوانات المتضررة بدقة، لكنها تؤكد أن الأضرار هائلة.
وتقول "آمل على الأقل أن تسمح هذه الصور للناس بأن يفتحوا أعينهم ويدركوا فرادة التنوع الحيوي الموجود هنا. نحن في حاجة للحفاظ عليه فهو ثمين للغاية".
"إفلات من العقاب"
وتنجم هذه الحرائق غير المسبوقة قبل أي شيء عن الجفاف الاستثنائي، إذ لم تتخط كمية المتساقطات المسجلة بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2020، نصف المعدل السنوي، كما أن مناطق كثيرة لم تطلها السيول كما الحال في العادة.
غير أن الخبراء يعتبرون أن عوامل أخرى ساهمت في هذا الوضع، خصوصا استبدال أنواع نباتية أصيلة في المنطقة بأخرى متأتية من الخارج بهدف استخدامها لرعاية المواشي، وهي تحترق بسرعة أكبر.
ويضاف إلى ذلك الشعور السائد بـ"الإفلات من العقاب" بسبب "نقص الموارد لدى الهيئات العامة لحماية البيئة"، وفق فينيسيوس سيلجيرو من "معهد مركز الحياة"، وهو منظمة غير حكومية.