المحافظون في بريطانيا.. خيارات مرة وفوضى لن تنتهي سريعا
وسط خيارات أحلاها مر يمضي حزب المحافظين البريطاني، بعد استقالة رئيسة الوزراء ليز تراس، من دون آمال كبرى وفوضى من غير المرجح أن تنتهي قريبا.
تراس التي دخلت التاريخ كأقصر رؤساء الوزراء بقاء في المنصب في تاريخ بريطانيا بولاية لم تدم سوى 44 يوما، تركت الحزب أمام معضلة لا يبدو أنه قادر على تجاوزها سريعا.
وعلى الرغم من ذلك، يأمل المحافظون في أن يتمكن رئيس الوزراء الجديد في إعادة ترميم صورة الحزب بعد الفوضى التي خلقتها "عشوائية" تراس الاقتصادية، بعد أن قدمت ميزانية لا تستقيم مع الإمكانيات، واضطرت للتراجع عنها لاحقا.
وفي أعقاب جلسة صاخبة بمجلس العموم أدركت تراس أنها تواجه سهام النقد من داخل معسكرها قبل أن تتلقى سهام حزب العمال المعارض، وبات ينظر لبقائها في منصبها على أنه سوف يلحق ضررا أكبر بالحزب إذا قدر له الاستمرار في السلطة.
ورأى محللون أن نواب حزب المحافظين واجهوا خيارين، أحلاهما مر، فاختاروا الأقل ضررا بدفعهم تراس إلى الاستقالة، لتكون رابع رئيس للوزراء يسقط في عهدهم، بعد ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون.
وتفسح تراس بانسحابها الطريق مجددا لمنافسها السابق على المنصب ريشي سوناك وزير الخزانة في عهد حكومة جونسون، كما تضم بورصة التكهنات وزيرة الدفاع السابقة بيني موردونت ووزير الدفاع الحالي بن والاس، كما يدخل جونسون نفسه دائرة الترشيحات من بعيد.
لكن لا تبدو مهمة خليفة تراس ستكون سهلة، فالمراقبون يتوقعون أن تستمر الفوضى، نظرا لاستمرار الأزمة الاقتصادية حتى منتصف العام المقبل، بحسب تقديرات المصرف المركزي، مع ارتفاع معدلات التضخم لأعلى مستوى لها منذ أكثر من أربعة عقود.
وتترجم أرقام استطلاعات للرأي تراجع شعبية حزب المحافظين، الأمر الذي يسعى حزب العمال لاستغلاله من أجل العودة إلى مقاعد السلطة، خاصة مع اعتماد الحزب وزعيمه كير ستارمر الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة لوضع برنامج اقتصادي جديد بدلا من محاولة ترميم الوضع القائم.
واعتبرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن حكومة تراس "غرقت في حالة من الفوضى"، بعد موجة استقالات كان آخرها استقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان.
ووصفت ما جرى خلال الأيام الماضية بأنه "انهيار للانضباط الحزبي" في مجلس العموم، مستشهدة بـ"تمرد" نواب في الحزب الحاكم علانية على خطط للحكومة.
وتحت عنوان "استقالة تراس"، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن المحافظين في بريطانيا يواجهون قائمة قصيرة من الخيارات السيئة، وأضافت أنهم "لا يحظون بشعبية كبيرة، حيث تظهر بعض التوقعات أن الحزب يمكن أن يُمحى تقريبا" إذا أجريت انتخابات اليوم.
ورغم الصورة المظلمة التي رسمتها "واشنطن بوست"، أعربت عن تقديرها أن استبدال تراس هو "الخيار الأكثر منطقية".
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تناولت أيضا ما وصفته بالانهيار السياسي السريع، مشيرة إلى أن خليف تراس سيكون ثاني قائد للبلاد لم تأت به انتخابات يدلي فيها جموع البريطانيين بأصواتهم لاختياره.
وألقت الصحيفة الضوء على موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025، مستبعدة أن يدعو إليها رئيس حكومة من معسكر المحافظين في ظل تراجع شعبيتهم وإدراكهم أن الفوز سيكون حتما من نصيب حزب العمال.
ومن جهتها، تطرقت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلى مخاوف مجتمع الأعمال البريطاني. وكتبت تحت عنوان "كفى سيرك" أن قادة الأعمال في المملكة المتحدة يدعون إلى الاستقرار الاقتصادي بعد استقالة تراس.
وركزت الصحيفة على حالة الغضب والاستياء من "الفوضى السياسية" التي تهيمن على قادة الأعمال في المملكة المتحدة، ودعوتهم لمن سيحل محل تراس للعمل سريعا على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد المتضرر من الأزمة.
ونقلت الجارديان عن توني دانكر، المدير العام لاتحاد الصناعات البريطانية، وهو أكبر مجموعة ضغط للأعمال في المملكة المتحدة ، قوله إنه يعتقد أن نصف الشركات التي تفكر في الاستثمار ستنتظر حتى يستقر الوضع.
واعتبر دانكر أن "سياسات الأسابيع الأخيرة قوضت ثقة الناس والشركات والأسواق والمستثمرين الدوليين في بريطانيا... يجب أن ينتهي هذا الآن إذا أردنا تجنب المزيد من الضرر للأسر والشركات".
وبغض النظر عن الكيفية التي سيعالج بها حزب المحافظين الأزمة الراهنة، يعتقد مراقبون أن الفوضى في بريطانيا منذ التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي وما تلاه من أزمات مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا ستكون لها تبعات قوية على سادس أكبر اقتصاد في العالم.