سماء بريطانيا بلا «رادع فعّال».. هل تصبح «قبة الأسد» الملاذ الأخير؟

مع غياب منظومة دفاع صاروخي بريطانية متعددة الطبقات، على غرار «القبة الحديدية» الإسرائيلية، تدرك لندن أن ثغرات استراتيجية خطيرة، تجعلها غير قادرة على حماية أجوائها ومنشآتها الحيوية، بشكل فعال.
ورغم أن المسافة الجغرافية بين روسيا التي تخشاها بريطانيا، توفر للأخيرة هامشًا مؤقتًا من الحماية، فإن التبدلات السريعة في قدرات موسكو الصاروخية تُنذر بأن ذلك الأمان مؤقت.
فهل تتجه بريطانيا لبناء «قبة الأسد»؟
على غرار القبة الحديدية الإسرائيلية، اقترح الدكتور سيدهارث كوشال هو زميل باحث أول في مجموعة العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، بناء «قبة الأسد»؛ لإحباط التهديد الصاروخي الروسي، مشيرًا إلى أن بريطانيا قد تكون قادرة على تأجيل قرارات الإنفاق الكبرى في الوقت الحالي، لكن لا يمكن تجنبها إلى أجل غير مسمى.
وأوضح في مقال له بصحيفة «التلغراف» البريطانية، أن ترسانة الصواريخ والطائرات بدون طيار المعقدة للغاية التي تمتلكها روسيا، أثارت قلق صناع القرار البريطانيين، الذين يخشون ألا تكون لندن قادرة على الصمود في وجه مثل هذه الهجمات في حالة اندلاع حرب مع موسكو.
وبحسب المختص في العلوم العسكرية، فإن بريطانيا لا تمتلك نظاماً دفاعياً متعدد الطبقات يضاهي النظام الإسرائيلي، والذي يتألف من القبة الحديدية الشهيرة، بالإضافة إلى منظومتي مقلاع داود وسهم 2 وسهم 3، مشيرًا إلى أنه باستثناء مدمرات البحرية الملكية البريطانية من طراز 45 ونظام أستر-30 1NT، لا تمتلك المملكة المتحدة أي نظام لاعتراض الصواريخ الباليستية القادمة.
وكان جيمس كارتليدج، وزير الدفاع في حكومة الظل، قال إن المتطلبات التشغيلية العاجلة ربما تكون ضرورية لشراء نظام إس إم-3 من الولايات المتحدة، وهو النظام القادر على اعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي للأرض.
عقبات على الطريق
إلا أن هناك مشكلتين؛ الأولى تتعلق بالقيود المالية الحالية، والفجوات الكبيرة بين خطط وزارة الدفاع والتمويل المتاح، لا سيما في ظل تنافس الطلب على الموارد.
وبحسب كوشال، فإنه حتى في إسرائيل، التي تواجه تهديداً صاروخياً أكثر إلحاحاً، فإن تطوير أنظمة الدفاع الصاروخي كثيراً ما أعاقته الخلافات المتعلقة بالتمويل.
أما المشكلة الثانية فتتمثل في المسافة الجغرافية التي تفصل بريطانيا عن نقاط إطلاق النار الروسية مما يوفر لها - على الأقل في الوقت الحالي - حماية أكبر من إسرائيل أو أوكرانيا؛ فالصواريخ الباليستية قصيرة المدى، مثل صاروخ 9M723 إسكندر-M، الذي استخدمته روسيا بأعداد كبيرة ضد أوكرانيا، لا يمكنها الوصول إلى أراضي لندن.
وعلى نحو مماثل، سيتعين على طائرات الهجوم الروسية أحادية الاتجاه، مثل "شاهد/جيران"، أن تسافر عبر المجال الجوي المحمي للحلفاء للوصول إلى بريطانيا من الشرق.
وفي الصراع الإسرائيلي الإيراني الأخير، تم اعتراض 99% من طائرات "شاهد" التي استخدمتها إيران، ويمكن للأصول الجوية ذات الأجنحة الثابتة مثل طائرات "إف-16" و"تايفون" (التي تمتلكها الدول الأوروبية بكثرة) أن تكون فعالة للغاية ضد الطائرات بدون طيار، يضيف كوشال.
وفي الوقت الحاضر، فإن الوسيلة الهجومية الأكثر فاعلية التي تمتلكها روسيا هي الصواريخ المجنحة، التي يتم إطلاقها من القاذفات الاستراتيجية مثل تو-95، أو من الغواصات مثل فئة ياسين العاملة إلى الشمال والغرب من المملكة المتحدة، مما يُمثل تهديدًا حقيقيًا.
إلا أنه مع ذلك، لضرب بريطانيا، سيتعين على روسيا تعريض منصات الإطلاق القيّمة هذه للخطر، يقول كوشال، مضيفا أنه في مواجهة بريطانيا، من المرجح أن تُركز روسيا بشكل أساسي على الأهداف العسكرية عالية القيمة، مثل المطارات الحيوية ومراكز القيادة والتحكم.
دفاعات غير رادعة
وحذر من أن الدفاعات البريطانية ليست رادعة، فسلاح الجو الملكي البريطاني لا يشغل سوى ثلاث طائرات إنذار مبكر من طراز E-7 Wedgetail ، وهو عدد قليل جدًا للقيام بمراقبة على مدار الساعة.
وعلى نحو مماثل، لا تمتلك البحرية الملكية البريطانية ما يكفي من المدمرات من طراز 45 لتغطية جميع الطرق المؤدية إلى الوطن، وكذلك لحماية مجموعة حاملة الطائرات.
لذا، يعتمد الكثير على مدى قدرة بريطانيا على رصد التهديدات القادمة من مسافات بعيدة لتوزيع هذه الموارد المحدودة بكفاءة. ومن ثم، ثمة مبرر قوي لزيادة الكشف بعيد المدى - إما باستخدام المعدات الجوية أو مصادر مثل الرادار فوق الأفق.
وأشار إلى أن خطة المملكة المتحدة التي أعلنت عنها مؤخرا لشراء المزيد من أنظمة الدفاع الجوي الأرضية، مثل سكاي سابر، ستساعد في توفير دفاع أقصر مدى للمواقع الرئيسية ضد جزء من الصواريخ الروسية المجنحة التي تتجنب الطبقة الدفاعية الأولى من الحماية الجوية والبحرية.
لكن هذه التغيرات التطورية يجب أن ننظر إليها باعتبارها انتقالية، وليست نقطة نهاية، مع تقدم روسيا في قدراتها، يضيف الخبير العسكري، مشيرًا إلى أنه رغم أن روسيا تفتقر حاليا إلى الصواريخ الباليستية متوسطة المدى بأعداد كافية لتمكينها من القيام بعمليات تقليدية ضد المملكة المتحدة وحلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي، فإن هذا قد يتغير بسرعة كبيرة خلال العقد المقبل.
وحذر من أنه إذا استطاعت روسيا إنتاج صاروخها الجديد متوسط المدى من طراز أوريشنيك ــ الذي ضربت به مدينة دنيبرو الأوكرانية العام الماضي ــ بمعدل مماثل لسرعة إنتاج الاتحاد السوفياتي لصاروخ إس إس-20 بمعدل نحو 40 صاروخا سنويا، فسوف تنشأ قدرة قوية تتألف من عدة مئات من صواريخ أوريشنيك بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.
ورغم أن المملكة المتحدة يمكنها تأجيل قرارات الإنفاق الكبرى المتعلقة بقدرات الدفاع الصاروخي الكاملة في الوقت الحالي، فإنها لا تستطيع تجنبها إلى أجل غير مسمى والوقت ينفد.