بريطانيا مهددة بوقف إنتاج الفولاذ الخام للمرة الأولى منذ الثورة الصناعية

في تطور نادر، استُدعي البرلمان البريطاني للانعقاد في عطلة عيد الفصح بسبب تهديد غير مسبوق.
هذا التهديد يتعلق بإغلاق مصنع "بريتيش ستيل" في مدينة "سكنثورب" شمال إنجلترا، ما قد يؤدي إلى توقف المملكة المتحدة عن إنتاج الفولاذ الخام للمرة الأولى منذ الثورة الصناعية.
هذا التهديد جاء بعد إعلان شركة "جينغي" الصينية المالكة للمصنع نيتها إلغاء طلبات المواد الخام اللازمة لتشغيل الأفران العالية، ما دفع الحكومة إلى التدخل الفوري والسيطرة على المصنع، مع احتمال تأميمه الكامل قريبًا.
ووفقا لتقرير نشرته "سي إن إن"، تمثل هذه الخطوة نقطة تحول محتملة في السياسة الاقتصادية البريطانية، إذ تشير إلى انفتاح الحكومة على استعادة السيطرة على الصناعات الحيوية.
"بريتيش ستيل" التي تم خصخصتها في الثمانينيات، عانت من تغييرات متكررة في الملكية، لكن فترة "جينغي" كانت مضطربة بشكل خاص. فقد ساهم فائض الصلب الصيني عالميًا وارتفاع تكاليف التشغيل في بريطانيا خاصة أسعار الطاقة في جعل المصنع يخسر نحو 700,000 جنيه استرليني يوميًا. وفي ظل فشل المفاوضات بين الحكومة والشركة الصينية، اعتُبر تصرف "جينغي" بمثابة تهديد فعلي بإغلاق صناعة الصلب الأساسية في البلاد.
خطوة غير معتادة
ويُعد قرار الحكومة بالسيطرة الطارئة على المصنع خطوة غير معتادة، وقد وُصِف بأنه مدفوع جزئيًا باعتبارات سياسية قبيل الانتخابات المحلية في مايو/أيار، خاصة أن حزب "ريفرم يو كيه" المنتمي لأقصى اليمين دعا صراحة إلى تأميم المصنع، ما زاد من الضغوط على حكومة حزب العمال. فقد كانت خسارة 2700 وظيفة نتيجة الإغلاق ستشكل ضربة سياسية واقتصادية كبيرة للحزب الحاكم.
غير أن النقاد أشاروا إلى التناقض، إذ لم تتدخل الحكومة بنفس الشكل لإنقاذ مصنع "بورت تالبوت" في ويلز العام الماضي، رغم فقدان نحو 2800 وظيفة هناك بعد إغلاق الأفران العالية. وبدلاً من ذلك، تم الدفع باتجاه الانتقال لإنتاج "فولاذ أخضر" باستخدام الكهرباء.
ويحذر الخبراء من أن هذه السابقة قد تفتح الباب أمام مطالب من قطاعات أخرى متدهورة تمت خصخصتها سابقًا، مثل الماء والكهرباء والسكك الحديدية، خاصة إذا ما اعتُبر تأميم الصناعات الحيوية هو النهج الجديد.
الاقتصاد الآمن
وتأتي هذه الخطوة في سياق تحوّل تدريجي نحو "القومية الاقتصادية" أو ما تسميه وزيرة المالية راشيل ريفز بـ"الاقتصاد الآمن" (Securonomics)، وهو توجه يستلهم خطوات الولايات المتحدة مثل قانون الرقائق الإلكترونية وقانون خفض التضخم، ويهدف إلى إعادة بناء القواعد الصناعية البريطانية وحمايتها من تقلبات الأسواق العالمية.
لكن خبراء مثل ديفيد إدجيرتون يرون أن ما حدث لا يعبر عن تحول كامل في النهج الاقتصادي الليبرالي الذي ساد منذ عهد مارغريت تاتشر. فالقرار لا يتضمن فرض قيود على واردات الفولاذ مثلًا، بل هو دعم مباشر لمصنع واحد لحماية صناعة استراتيجية.
وفي الجانب الجيوسياسي، تبرز أزمة "بريتيش ستيل" كتعبير عن العلاقة المتوترة والمتذبذبة بين بريطانيا والصين. ففي حين حاول رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون التقارب مع بكين واحتفى بعصر "ذهبي" للعلاقات الثنائية، توترت العلاقات لاحقًا في عهد بوريس جونسون، الذي حظر شركة هواوي من شبكة 5G لأسباب أمنية.
ورئيس الوزراء الحالي كير ستارمر يسعى بدوره لإعادة التوازن للعلاقات، وقد أرسلت وزيرة المالية وفدًا إلى بكين في يناير/كانون الثاني الماضي لاستقطاب الاستثمارات الصينية، لكن التدخل الطارئ في "بريتيش ستيل" يعرض هذه الجهود للخطر. فقد عبّرت الصين رسميًا عن استيائها، وحذرت من تسييس القضايا الاقتصادية، ما قد يؤثر على ثقة الشركات الصينية في السوق البريطانية.
في المحصلة، تكشف أزمة "بريتيش ستيل" عن مفترق طرق في السياسة البريطانية: بين الولاء للعولمة والأسواق الحرة، والحاجة لحماية صناعات تعتبر استراتيجية للأمن القومي والاقتصادي. فهل ستكون هذه مجرد خطوة اضطرارية؟ أم بداية لتغيير أعمق في علاقة بريطانيا باقتصاد السوق؟ الجواب ما زال قيد التشكل.
aXA6IDEzLjU5LjU3LjI0NCA= جزيرة ام اند امز