تسوية جرائم الإخوان.. طريق السودان للتطبيع مع أمريكا
السودان يمضي بجدية للوصول لتسوية مالية مع المتضررين من جرائم الإخوان بعد أن أيقن باستحالة مغادرته قائمة الدول الراعية للإرهاب دون ذلك
أعاد تأييد المحكمة العليا الأمريكية فرض غرامات مليارية على السودان لصالح ضحايا تفجير سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام، جرائم نظام الإخوان البائد للواجهة بعد أن كان التفاؤل يغذي الشارع بطي الصفحة عقب سقوط عمر البشير.
وتمضي الحكومة الانتقالية بجدية للوصول لتسوية مالية مع المتضررين من جرائم الإخوان، بعد أن تيقنت باستحالة مغادرة السودان قائمة الدول الراعية للإرهاب دون معالجة هذه القضايا.
وتمثلت ضربة البداية للسودان في حسم قضية المدمرة كول الشهيرة فيما تسعى حاليا لطي ملف سفاراتي واشنطن في نيروبي ودار السلام.
وجرى تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا بشكل متزامن عام 1998، بواسطة عناصر تنظيم القاعدة مما خلف 224 قتيلا، واتهم نظام الإخوان السوداني بالتواطؤ فيها، نسبة لعلاقته مع زعيم التنظيم أسامة بن لادن، والذي كان يأويه لسنوات.
وجاء الحكم القضائي الأمريكي بشأن السفارتين قبل أن يجف مداد التسوية التي أبرمتها الحكومة الانتقالية في السودان مع عائلات وضحايا المدمرة الأمريكية "كول" التي فجرها تنظيم القاعدة قبالة السواحل اليمنية عام 2000، واتهم نظام الإخوان البائد بالتورط فيها.
تقدم في العلاقات
ويرى محللون سودانيون أن هذا الحكم القضائي لن يؤثر على التقدم المحزر في العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن، حيث يتفهم الجانبان ضرورة الوفاء بتلك التعويضات لارتباطها بدعاوى قضائية من شأنها إعاقة أي محاولة أمريكية لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وشدد البعض على ضرورة أن تقوم الحكومة السودانية بفرض هذه الغرامات على عناصر نظام الإخوان البائد عن طريق المصادرة القهرية لأموالهم وتوجييها لضحايا التفجيرات الإرهابية في الولايات المتحدة، لكون هذه الجماعة هي من تسببت في هذه المشكلات للخرطوم.
ومع حالة الإحباط التي خلفها قرار المحكمة الأمريكية في الشارع السوداني لكونه يشكل مزيدا من الضغط على الخزينة العامة، تمضي الحكومة الانتقالية بجدية متناهية للتخلص من هذه التركة الثقيلة التي خلفتها جماعة الإخوان الإرهابية المعزولة وراءها.
وبرزت جدية السودان في حسم هذا الملف، في أول ردة فعل رسمية على الحكم القضائي الأمريكي، إذ أكدت وزارة العدل أن حكومة بلادها ستظل منخرطة في التفاوض مع الولايات المتحدة لتسوية قضايا التفجيرات الإرهابية، وتطبيع العلاقات مع واشنطن بشكل كامل.
ونبهت إلى أنها إضافة لمتابعة المسار القانوني لهذه القضية، ستمضي في التفاوض مع واشنطن للوصول إلى تسوية وتطبيع العلاقات وتحرير الشعب السوداني من إحدى التركات الثقيلة للنظام المباد.
وظلت الحكومة الانتقالية في السودان، تؤكد باستمرار عدم صلتها بهذه التفجيرات الإرهابية، لكنها تمضي في تسوية هذا الملف رغبة في تطبيع العلاقات مع واشنطن ورفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب المدرج فيها منذ العام 1993.
وبلغت جملة التعويضات التي أقرتها محاكم أمريكية على السودان لصالح جرحى وعائلات القتلى في تفجير السفارتين 10.2 مليار دولار، وأيدت المحكمة العليا تعويض بمبلغ 826 مليون دولار، والمبلغ المتبقي قيد الاستئناف والتقاضي بين حكومة السودانيين والمدعيين.
لكن مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية صرحوا بعد قرار المحكمة العليا، بأن ضحايا التفجير في سفارتي واشنطن في نيروبي ودارالسلام، توصلوا لتسوية مع حكومة السودان بأن تدفع الأخيرة تعويضات تقدر بنحو 300 مليون دولار وأن القضية في طريقها للإنتهاء أسوة بما حدث مع ضحايا المدمرة كول، الأمر الذي لم تؤكده أو تنفيه الخرطوم.
ودعا المحلل السياسي حسن فاروق، الحكومة الإنتقالية إلى إلزام عناصر الإخوان بدفع هذه التعويضات لضحايا التفجيرات الإرهابية في أمريكا، لأنهم كانوا سببا فيها ولا ينبغي أن يدفع الشعب السوداني فاتورة هذه الأعمال مجددا.
وقال فاروق لـ"العين الإخبارية" إن "هذه جرائم ارتكبها نظام الإخوان البائد ويجب أن تنتزع مبالغ التسويات من عناصر الحركة الإسلامية السياسية ومن ثم تنزل عليهم أقصى العقوبات للضرر الذي لحق بالسودان بسببها".
وأضاف: "حسنا فعلت السلطة الإنتقالية بمضيها قدما في سبيل طي ملف التفجيرات الإرهابية لتخليص البلاد من هذا الحمل الثقل الذي ظل يلاحقها 3 عقود".
مكاسب عديدة
أما المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ فيؤكد أن الحكومة الانتقالية تعاملت بجدية وذكاء من أجل التخلص من تركة التفجيرات الإرهابية، إذ لجأت إلى الحل عن طريق التسويات مع الضحايا، مما أدى لتقلص المبالغ المطلوبة كتعويضات في الدعاوى القضائية.
وقال أبوالجوخ لـ"العين الإخبارية" إن "التسويات في قضيتي المدمرة كول والسفارتين بلغت نحو 370 مليون دولار وهذه مبالغ زهيدة مقارنة بالمكاسب العديدة التي ستجنيها البلاد من رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب والذي يتيح التعاملات البنكية وفك الأرصدة السودانية المجمدة وفتح آفاق الإستثمار".
وتابع: "تحويلات المغتربين السودانيين وحدها ستفوق الأربعة مليارات دولار في العام حال تم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما سيعوض ما تم دفعه في التسويات".
لكن السفير السوداني المتقاعد الطريفي أحمد كرمنو، أكد أن هذه التعويضات ستلقي بمزيد من الأعباء على السودان الذي يواجه أزمة اقتصادية طاحنة.
وتمنى ألا تمادي إدارة ترمب في هذا الاتجاه، وعليها بالمسارعة بإزالة الخرطوم من قائمة الدول الراعية للارهاب لانتفاء كافة أسباب بقائه بتلك اللائحة عقب تغيير نظام الحركة الإسلامية السياسية.
وقال كرمنو: "يجب أن تتعاطى واشنطن بأكثر إيجابية مع الحكومة الانتقالية فالوضع تصحح بعد التغيير السياسي، ولم يعد السودان دولة راعية للإرهاب كما في عهد النظام البائد، والمأمول من واشنطن المسارعة في تسمية سفير لها في الخرطوم أسوة بما فعله السودان".
وأضاف أن الأحكام القضائية الخاصة بتعويض ضحايا التفجيرات الإرهابية ليست بالأمر الجديد وهي معلومة فالتالي لن يكون لها تأثير سلبي على مساعي إصلاح العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية.
وشدد على ضرورة أن تقابل واشنطن جدية الحكومة الإنتقالية في تسوية الملفات العالقة بمزيد من الحوافز بإتخاذ خطوات فعلية لازالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وفي مطلع مايو/أيار، اعتمدت الإدارة الأمريكية نور الدين ساتي سفيرا فوق العادة ومفوض لجمهورية السودان لأول مرة منذ 24 عاما؛ حيث كان التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى "قائمة بالأعمال" طيلة هذه المدة.
وتترقب السلطة الانتقالية في السودان قرارا أمريكيا بتسمية سفير لواشنطن بالخرطوم حتى يتسن الإرتقاء بعلاقة البلدين وعودتها لطبيعتها.
كما يأمل السودان مغادرة قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب المدرج بها منذ العام 1993 بسبب الأعمال الإرهابية لنظام الإخوان البائد وإيواء زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بالخرطوم.