على غير ما يأمل تنظيم الإخوان الإرهابي، لم تحقق تصريحات إبراهيم منير، القائم بعمل المرشد، ما كان يبتغيه من ورائها.
بل على العكس، فإن الصدى الذي لقيه ما قاله "منير" في حديثه لوكالة "رويترز" مخيب لآماله وعصابته.. فقد جاء مردود التصريحات سلبيًّا على الجماعة الإرهابية ككل، حيث أكدت من ناحية الانقساماتِ العميقة داخلها، وكشفت من ناحية أخرى أن الجماعة (أيًا كان الفصيل أو الجناح المتحدث) صارت شديدة الوهَن والهشاشة، بما يجعل واحدًا من أكبر قياداتها يزعم التخلي عن غايتها الأساسية، وهي السلطة، على الرغم مما يمثله هذا الإعلان من تراجع مُهين أمام القواعد والمستويات الدنيا من أعضاء الجماعة.
تضمنت تصريحات "منير" حزمة متكاملة من الأكاذيب والمراوغات، فكل كلمة قالها تتناقض كليا مع الواقع والتاريخ القريب، الذي لا يزال حاضرًا في الأذهان.
فمثلاً، يقول "منير" إن الجماعة "لا تزال تحظى بشعبية في مصر"، ويشكك في الحوار الوطني الجاري في مصر حاليًّا "دون وجود الإخوان".. ثم يتوج هذه الأكاذيب المفضوحة بكذبة كبرى هي أن تنظيم الإخوان "لا يريد السلطة" و"لن يخوض صراعًا سياسيًّا عليها"، بل "ولن يشارك في أي من أشكال الممارسة السياسية أو الحزبية"!
بإسقاط هذا الكلام على الواقع نخرج بنتيجة بسيطة، وهي أن كلامه سلسلة متواصلة من الأكاذيب والادعاءات، التي ينفيها الواقع المعلن والظاهر للعيان.. فهل يخدع إبراهيم منير نفسه أم يحاول خداع غيره؟
فإنكار الواقع مرحلة مَرضية متقدمة في الأمراض النفسية، ويبدو أن هذا حال "منير" والعصابة الإخوانية، بعد صدمة رفض المصريين لهم.. ثم انكشاف ما بينهم من صراعات وخلافات ومشاحنات لا صلة لها بالدين ولا حتى بالعمل العام، وإنما لتنازع الأموال والسلطة فقط.
حاول إبراهيم منير من خلال كلمات ناعمة ورسائل تهدئة يبعثها إلى المصريين ومغازلته الدولة المصرية أن يعيد ما قامت به الجماعة من قبل مرات ومرات، وهو الإيهام بأن "الإخوان ليسوا عُبّاد سُلطة".
عمليًّا هم بالفعل خارج السُلطة، وليس واردًا بأي حال أن يقتربوا منها ثانية ولو من بعيد، ولا مجال لطرح أو ذكر فكرة السلطة أصلاً حتى ولو بالنفي، إلا إذا كانت تلك بالفعل غايتهم ونياتهم الدفينة كعادتهم.
ومما يؤكد ذلك الكذب الواضح أن إبراهيم منير نفسه، الذي يُنكر التطلع إلى السلطة ويدعي الترفع عن الصراع السياسي، بل وممارسة أي عمل سياسي عام، هو نفسه الذي يعتبر أن غياب الإخوان عن الحوار الوطني في مصر "سيُفقده جدواه ويجعله بلا نتائج".. وكأن الحوار الوطني ينتظر الإخوان أو نتائجه المرجوة مرهونة بمشاركتهم فيه!
فكيف ذلك وهم لا يريدون سلطة ولن يخوضوا صراعات ولن يمارسوا السياسة برمتها؟!
ولأن قصص الإخوان وحكاياتهم جديرة دائمًا بالتندُّر ومليئة بالعبَر، فإن اجتماع ذلك التناقض في المنطق والموقف داخل الحوار نفسه للرجل نفسه إنما يجعلنا نستحضر مقولة: "إذا كنت كذوبًا فكن ذَكورًا".
ولأن الإخوان يكذبون كما يتنفسون، فإنهم كثيرًا ما يغيرون مواقفهم وكلامهم، ثم ينسون كليهما ويتبنون مواقف أخرى وكلامًا آخر.. ثم سرعان ما يعودون إلى سيرتهم الأولى ويعيدون كلامهم السابق، وهكذا يدورون في حلقة مفرغة من الكذب والنسيان.
يحفل تاريخ "الإخوان" البعيد والقريب بصفحات مطولة من هذه المواقف والمزاعم.. نشير فقط إلى أن أكاذيب إبراهيم منير الأخيرة، التي نطق بها قبل أيام، ليست الأولى من نوعها، ففي عام 2019 خرج عن الإخوان بيانٌ يحمل المعاني ذاتها بـ"النأي عن السلطة والبُعد عن الصراعات"، وبالأكاذيب نفسها ربما بالنص الحالي تقريبًا.. وقبل عشر سنوات، بينما كانت مصر تستعد لأول انتخابات رئاسية بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، كان الموقف المعلن مرارًا "والثابت" للإخوان أنهم لن يقدموا مرشحًا للرئاسة.
ولكن فجأة في اللحظات الأخيرة، يجتمع ما يسمى "مجلس شورى الجماعة" ويقرر خوض انتخابات الرئاسة.
لعقود طويلة، اعتاد "الإخوان" الوعد والنكوص واللف والحنث في القسم.. ولأنهم يتلوّنون أسرع من الحرباء، فمن الصعب العثور لديهم على لحظة صدق.. لأنهم ببساطة حتى وإن صدقوا في لحظة ما، فبالتأكيد سيتراجعون عنها لاحقًا.. لذا تنطبق عليهم مقولة: "كذب الإخوان.. ولو صدقوا".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة