جماعة الإخوان المسلمين منكفئة على ذاتها لا يعنيها الشأن العام بقدر ما يخدم مصالحها، كما أنها تتمتع بقدر كبير من السلطوية سواء في قراراتها الداخلية أو في علاقة التنظيم بالدولة أو حتى بالمجموعات السياسية الأخرى.
المصلحة الذاتية هي المحرك الرئيسي للإخوان وهو ما يتنافى مع فكرة العمل لصالح الدولة التي توجد فيها أو وفق قوانينها الداخلية؛ فقد تجد فرع التنظيم في دولة ما، لكنّ ولاءه لرأس التنظيم في دولة أخرى، وهنا يكون انتماء الأعضاء الفكري والعملي للتنظيم في الدولة الأجنبية، كما أنّ ولاءه يتعدى فكرة الدولة إلى التنظيم!
إن الأزمة ذات شقين، أولهما: انتماء العضو للتنظيم وليس للدولة كما أشرنا سابقًا، ولرأس التنظيم خارج الدولة أيضًا؛ وهذا النوع من التواصل الضار يجعل القيادة في الخارج تتحكم في الأعضاء الذين لا ينتمون إلى نفس جنسيتها، وهو ما نُطلق عليه فكرة الاختطاف.
وهنا تجدر الإشارة السريعة إلى اختطاف تنظيم الإخوان من قبل أكثر من دولة خاصة بعد هروب قيادات التنظيم خارج مصر بعد عام 2011، كما أنّ هذا التنظيم بات مرهونًا ويعمل وفق مصالحه التي يحكمها الوجود الفعلي للتنظيم ولقياداته في دول مختلفة ومتعددة.
قد يتم التأثير على قيادات التنظيم أو تجنيد هذه القيادات فتعمل لصالح الدولة التي توجد فيها والتي قد تجمعها عداوة أو خصومة مع دولة أخرى يوجد فيها فرع آخر للتنظيم، فتتحرك وفق أجندة الدولة المعادية وليس وفق أجندة التنظيم، وكل منهما يضر بمقومات الدولة الأخرى.
الدول غالبًا لا تضع قيودًا على العمل الدعوي والسياسي طالما كان متماشيًا مع قوانينها ويخضع لرقابة المؤسسات المعنية التي تُحركها أو تتحكم فيها القوانين المنظمة، وبالتالي فإن وجود سلطة أخرى ذات هوى من خارج الدولة لا شك أنه يضر بأمن الدولة القومي، فضلًا عن أنّ قوانين أي بلد تحظر التمويلات الخارجية.
فالتمويل الخارجي يعني أنّ الممولين من أفرع التنظيم الخارجية يعملون وفق أجندة من يدفع المال، فتختلط الأجندات ما بين فكرية مسمومة ذات أهداف خارجية خبيثة وما بين دافع تمويلها من الخارج الذي يصب في نفس الهدف.
لذلك كل التنظيمات العاملة في الدول العربية وغير العربية مرهونة بالعمل لصالح قيادة التنظيم التي تتحرك من دولة لأخرى، وهذه القيادات تعمل وفق أجندة يحكمها واقعها وترتيباتها ووجودها، وغالبًا ما يكون ذلك بالتنسيق مع أجهزة استخبارات هذه الدولة.
لذلك الحديث عن اختطاف هذه التنظيمات وأنها تعمل لصالح دول أخرى ووفق تنسيق مباشر وغير مباشر مع أجهزة استخبارات أجنبية ليس ضربًا من الخيال، لكنه يُصادف واقع هذه التنظيمات، وهو ما يضعها تحت طائلة القانون ويتيح محاكمة قياداتها.
حركة المال تبدو واحدة داخل هذه التنظيمات، بمعنى أنّ التنظيم الموجود في دولة ما، إما أنه يدعم فرع التنظيم في دولة أخرى بالمال وإما أنه يستقبل منه الأموال، وكل منهما يخالف القانون ويعرّض قياداته للمساءلة، وغالبًا ما يتم ارتهان هذه التنظيمات والتأثير على الدول من خلالها.
صحيح أن بعض الدول الأوروبية تبدو حذرة من هذا النوع من التأثير، لكنّ الإخوان يبدو أنهم أكثر حذرًا بحيث يكون حجم التواصل والتأثير كبيرًا دون أن يضع الإخوان أنفسهم تحت طائلة القانون.
هنا تغيب الشفافية بشكل مطلق وتبدو ذاتية التنظيم، فهي عبارة عن كيانات غير وطنية، ليست مستقلة، لكنها مرهونة بأيديولوجيات وقواعد تنظيمية يحكمها الغير من خارج الوطن، كما أنّ رابط المال يبدو أنه محرك رئيسي للإخوان في كل الدول.
وهنا يمكن القول إنّ محفظة الإخوان المالية هي المحرك الرئيسي في عملية الاختطاف التي تُمارسها أجهزة استخبارات أجنبية لأفرع التنظيم في دول كثيرة ويكون ذلك بالتنسيق مع قيادة التنظيم التي توجد في بعض هذه الدول، وهذه القيادة مخول لها أن تعمل وفق مصالحها أو ما تراه يُناسب أهدافها.
يرفع الإخوان شعارًا لا يعملون به وهو أنّ كل فرع للتنظيم في دولة ما يعمل وفق القوانين التي تتيح له الحركة في هذه الدولة، صحيح هذا ينفي فكرة الارتهان للخارج، لكن عمليًا أفرع التنظيم تكون تابعة لقيادات التنظيم في دولة أخرى قد تبعد عنها آلاف الأميال، وهنا يكون رابط المال والأيديولوجيا هو المتحكم.
هناك قرارات سلطوية للتنظيم لا تتنازل عنها قيادة الجماعة لأنها تمثل شخصية التنظيم والقيادة معًا، وبالتالي ما يتم رفعه من شعارات باسم استقلالية أفرع التنظيم هو مجرد كلام تجميلي لا يمت للواقع بأي صلة ويتنافى مع العقل والمنطق.
وهنا يتعامل الإخوان وغيرهم من التنظيمات المتطرفة في الداخل والخارج بمنطق الجيوب المتصلة أو المحفظة المالية الواحدة، وهو ما تُطلق عليه هذه التنظيمات داخل محاضنها التربوية التكافل الاجتماعي!
فتحت عنوان التكافل وسلطوية القرار، فضلًا عن السلطة الأبوية للتنظيم الأم وللقيادة يتم انتهاك خصوصية الدول والعبث بأمنها، وهو ما لا تلتفت إليه الكثير من العواصم، وهنا يكون التواصل عبر مؤسسات تنظيمية يُطلق عليها التنظيم الدولي أو عبر قنوات سرّية يسير المال والقرار من خلالها.
القراءة الدقيقة والمعلومات تؤكد أن اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان التي تمت خلال الـ10 سنوات الأخيرة كانت بحراسة ورعاية أجهزة استخبارات أجنبية؛ بعض هذه الدول كانت تجمعها في هذا التوقيت خصومة مع دول أخرى في المنطقة، لذلك أخذت قرارات في هذه الاجتماعات تضر بأمن هذه الدول، وكان ذلك عبر توجيه مباشر في بعض الاجتماعات وغير مباشر في بعضها الآخر.
وهنا يبدو خطأ وخطر الإخوان والتنظيمات المتطرفة؛ فكلها مرهونة ومرتهنة بالخارج، وقد يكون خطر الإيمان بالأفكار الوافدة من الخارج أشد فتكًا وضررًا بمقومات الأمن القومي للدولة، وهذا ما قصدناه من الذاتية والسلطوية داخل التنظيمات المتطرفة.
للحفاظ على الدول وأمنها لا بد من محاربة فكرة الارتهان للخارج التي تتجسد في طبيعة عمل تنظيمات العنف والتطرف، خاصة الإخوان المسلمين، على اعتبار وجودها في كثير من الدول، وهنا لا بد أن تكون المواجهة مركزة بشكل أساسي على تفكيك الأفكار المؤسسة، فهي الأقوى والأكثر بقاء وتأثيرًا في الهياكل البنيوية لهذه التنظيمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة