في المقالين السابقين، كنا قد واصلنا استعراضنا لحال إعلام جماعة الإخوان الذي يبث وينشر من خارج مصر بوسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.
ذلك الإعلام يوجه رسالاته إلى الداخل المصري، محاولاً بأقصى جهده زعزعة الأوضاع بداخل المجتمع والدولة، سعياً إلى السراب المتوهم، وهو العودة للاستيلاء على حكم البلاد بعد أن أسقط الشعب المصري حكمهم القصير البائس بثورته العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013.
وكان محور اهتمامنا في المقالين هو ما سميناه "الفشل الجلل" لهذا الإعلام الإخواني خلال عام 2023، بمقارنة ما احتواه وبثه ونشره من مضامين، مع الواقع الفعلي في مصر وما بها من تطورات وسياسات داخلية وخارجية، وهو ما تجلى على صعيد أربع قضايا رئيسية، واحدة منها تتعلق بالحوار الوطني، والثانية بالانتخابات الرئاسية، والثالثة بالعدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة، والرابعة بالأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية في مصر.
ونتعرض في المقال الحالي لإخفاق الإخوان وإعلامهم فيما يخص العدوان الإسرائيلي الدموي الحالي على قطاع غزة الذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما تناولنا في المقالين السابقين هذا الإخفاق فيما يخص كلا من الحوار الوطني وانتخابات الرئاسة المصرية.
من المعروف أن جماعة الإخوان في مصر قد أشاعت منذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 ومشاركة بعض من أعضائها في مجموعات المتطوعين التي التحقت بحرب جيوش الدول العربية عليها فور إنشائها، أن الجماعة هي "العدو" الأول لها والمحفز على مواجهتها والمدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني. وبينما شهد تاريخ الجماعة منذ ذلك الوقت سيلاً من الكتابات، في صورة كتب ومقالات وبيانات، عن هذا الموقف المزعوم للجماعة المصرية، لم يشهد نفس التاريخ أي نوع من المساهمة الفعلية لها ولأعضائها في مواجهة إسرائيل ولا في دعم القضية الفلسطينية.
بل على العكس من هذا تماماً، فقد غلبت الجماعة صراعها مع نظام الرئيس جمال عبدالناصر، الذي بدأ عام 1954، على موقفها من الدفاع عن بلدها والقضية الفلسطينية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. فهكذا كان الأمر مع العدوان الثلاثي الإسرائيلي – الإنجليزي – الفرنسي على مصر عام 1956 واحتلال إسرائيل لسيناء لبضعة شهور، وهكذا كان مع عدوان يونيو 1967 على مصر وسوريا والأردن والأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.
وكذلك كان الموقف مع حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، والتي خاضها الجيشان المصري والسوري ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي. ففي كل هذه الحروب لم تساند الجماعة أبداً بلدها وحكومتها فيها، بل إن بعضًا من قياداتها وأعضائها لم يخف شماتته العلنية في نظام الرئيس عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 1967.
ولما بدأ العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وتواصلت حلقاته الدموية، اتسم موقف الإخوان وإعلامهم بخاصيتين: الأولى، أن وزنهم الحقيقي قد اتضح بالمقارنة بهذا الحدث الكبير الذي هز المنطقة والعالم، حيث بدت دعايتهم السوداء ضد الحكم في مصر – والتي واصلوها – غاية في التفاهة والتقزم تجاه المواقف الكبرى والأحداث الجسيمة التي تتابعت منذ بدء الحرب.
ولم يظهر من الجماعة أو إعلامها البائس أية مساهمة، ولو نصف جادة أو حقيقية، تتناسب مع خطورة وجلل ما تشهده القضية الفلسطينية والمنطقة كلها، بحيث ظهروا ضمن الإعلام العربي والدولي كمجرد هامش ضئيل على هامش أصغر، على متن هذا الإعلام الجاد الذي أعطى للحرب وتداعياتها وزنها وقدرها الحقيقيين.
أما الخاصية الثانية، فهي تفاجئهم، بل وصدمتهم الكبيرة، تجاه المواقف المبدئية السريعة والعلنية والواضحة للحكم في مصر من كل مراحل وتطورات وقضايا هذه الحرب الخطيرة. فقد تبنى هذا الحكم وقاد منذ اللحظة الأولى المواقف الدولية الصارمة الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير سكان غزة، وأبرز موقفه الحاسم من أي مساس بالأراضي المصرية وسيادة الدولة عليها وأمنها القومي، وقاد – مع الشركاء – كل الجهود للإغاثة الإنسانية والصحية للأشقاء الفلسطينيين في غزة والمتواصلة حتى اللحظة.
ووجد إعلام الجماعة نفسه شديد الارتباك والتردد إزاء هذه المواقف المصرية الحاسمة، فلم يقدم بالقطع على الإشادة بها كما فعل الجميع، بما فيهم الفلسطينيون وكل فصائل مقاومتهم، بل راح أحياناً يتجاهلها وأحياناً أخرى يسعى يائساً إلى البحث فيها عما يعيبها، فلما لم يجده راح يختلق ويلفق ما ليس فيها.
الخلاصة، أكدت الحرب على غزة من جديد مدى بعد الجماعة وإعلامها عن الدعم الحقيقي للقضية الفلسطينية، ومدى هزال ما يفعلون بالقياس للتطورات الكبرى في بلادنا ومنطقتنا، والقدر الهائل من الكذب والادعاء وتزييف الحقائق الذي هو مكون أصيل من الجماعة وإعلامها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة