رغم أنّ الأزمة السياسية هي العنوان العريض للواقع التونسي طوال 10 سنواتٍ خلت، فإنّ التبعات الاقتصادية لها لم تكن أخف وطأة على البلاد.
لقد رافق الاضطراب السياسي قضايا وملفات كُبرى، على رأسها تردي الأحوال الاقتصادية وتعاظم الفساد وهدر أموال الدولة، لذلك فإنّ إعلان ميلاد الحكومة التونسية الجديدة، برئاسة السيدة نجلاء بودن، بتكليف من الرئيس قيس سعيّد، يأملُ فيه التونسيون أن يكون بداية حقبة سياسية جديدة، تنتقل بالبلاد إلى الاستقرار السياسي، الذي من شأنه حلحلة الملفات العالقة، وعلى رأسها الملف الاقتصادي ومحاربة الفساد، لا سيّما أنّ "بودن" تمتاز بكونها لا تتبع أي تيار سياسي أو حزبي، بالإضافة إلى كونها تتسم بمرجعيات أكاديمية وسجلٍّ حافل بالإدارات الاقتصادية، والذي ظهرت بوادره في اختيارها وزراء من ذوي التخصصات العلمية والأكاديمية المميزة، وهذا كله يجعل النهوض بالاقتصاد التونسي ممكناً على الصعيدين الداخلي والخارجي، ليكون عنواناً لحكومة تونس الجديدة.
فأولاً على الصعيد الداخلي، والذي يتجلى في كون رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، لا تنحدر من أي تيار سياسي يدفعها نحو أي مصلحة حزبية، ما يمد جسور الثقة بينها وبين المواطنين، كما أنّ التشديد من قبل الرئيس التونسي و"بودن" على أهمية الوضع الاقتصادي وإدراجه على رأس أولويات الحكومة الجديدة، والاعتماد على الكفاءات في تسمية الوزارات، من شأنه تحقيق توازنٍ بين التخطيط للنمو ومحاربة الفساد المستشري من جهة، ويمنح المواطن الثقة اللازمة ليتحلّى بالصبر على الحكومة ريثما يتسنى لها تطبيق تعهداتها وتحويل التصريحات إلى نتائج ملموسة من جهة ثاني، لتدور عجلة الإنتاج والبناء للقطاعات والمرافق الاقتصادية، التي تعتمد في المقام الأول على الكفاءات التونسية المتوفرة.
ثانياً على الصعيد الخارجي، فمن البدهي أنّ اقتصاد الدول لا ينبني بمعطيات داخلية فحسب، بل لا بدّ من تكامله مع الاقتصادات الإقليمية والدولية لتكتمل دورة الاقتصاد في النمو المستدام.
وأكثر ما يقلق الاقتصاد العالمي هو الاضطرابات السياسية، التي تعيق المرونة القانونية أمام الاستثمار وإبرام معاهدات واتفاقات التعاون مع أي دولة.
وقد كان الوضع التونسي يشهد بين الفينة والأخرى تضارباتٍ سياسية جعلت الاستقرار السياسي مطلباً بعيد المنال، الأمر الذي جعل التعاون الاقتصادي، سواء مع المنظمات الدولية كصندوق النقد، أو الشركات والمؤسسات العالمية، شبه منعدمٍ، ولكن المتوقع اليوم هو أنْ تتسم الحكومة الجديدة بالقوة والتخصص والقدرة على التكامل مع السلطة التشريعية والرئاسة، بما يحقق الاستقرار اللازم لدفع الاقتصاد إلى الأمام، وجذب استثمارات، ومد جسور الثقة مع المنظمات الدولية لدعم الاقتصاد التونسي والتكامل معه وتبادل المصالح المشتركة.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الاقتصاد التونسي غني ومتنوع الموارد، من ثروات باطنية وزراعية وسياحية وموانئ وطرق تجارية، لذا فإن أكثر ما يحتاج إليه يكمن في الاستقرار السياسي والإدارة النزيهة حتى يتسنى له الوقوف بقدمين ثابتتين بين اقتصادات الإقليم، والصعود درجات على سلّم الاقتصادات النشطة، وهذا ما يأمله التونسيون في حكومة "بودن"، التي تمتلك المؤهلات اللازمة لتكون بوابةً لرسم حقبة جديدة نحو تونس مستقرة وناهضة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة