من هم «جنود الجاموس» الذين أثاروا الجدل في حفل بيونسيه؟

أثار ظهور "جنود الجاموس" في حفل بيونسيه جدلًا واسعًا، مسلطًا الضوء على وحدة عسكرية أمريكية منسية من الجنود السود الذين قاتلوا وسط التمييز والعنصرية.
في حفلها الباريسي الأخير ضمن جولتها العالمية، أضاءت بيونسيه المنصة بأغنية وجدل! فبينما ارتدت قميصًا يحمل صورة "جنود الجاموس" – الكتيبة التاريخية من الجنود الأمريكيين السود – أشعلت العبارة المكتوبة على ظهره موجة انتقادات غاضبة من أبناء الشعوب الأصلية في أمريكا.
ولكن من هم هؤلاء الجنود الذين قاتلوا في صمت داخل صفحات التاريخ الأمريكي المنسية؟ ومنحهم "الهنود الحمر" لقبهم، رغم أنهم كانوا من خصومهم؟
كانوا أبطالًا كبارًا في تاريخ الجيش الأمريكي، لكنهم أصبحوا جنودًا منسيين في ذاكرة أمريكا. "جنود الجاموس" — وهم كتيبة من الجنود الأمريكيين السود — لم يتوقفوا أبدًا عن القتال من أجل البقاء، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
ووسط مجتمع عنصري، استطاعوا أن يشقوا طريقهم بالقتال في صفوف الجيش ضد الشعوب الأصلية (الهنود الحمر)، وهم من منحهم هذا اللقب الفريد "جنود الجاموس". فمن هم هؤلاء المقاتلون الذين كاد التاريخ أن يطوي صفحتهم؟
جنود الظل
في جولتها الموسيقية "Cowboy Carter Tour"، التي أقيمت في باريس في 19 يونيو/حزيران الماضي، ظهرت النجمة العالمية بيونسيه وهي ترتدي قميصًا يحمل صورة "جنود الجاموس" — وهي وحدة من الجنود السود في الجيش الأمريكي.
لم يكن في ذلك ما يثير الجدل... حتى قرأ الجمهور العبارة المكتوبة على ظهر القميص: "خصومهم كانوا أعداء السلام، والنظام، والاستعمار: الهنود المحاربون، قطاع الطرق، سارقي المواشي، القتلة المأجورون، المهربون، الدخلاء، والثوار المكسيكيون".
وُصفت العبارة بأنها نقد لاذع للسكان الأصليين لأمريكا، ما أدى إلى هجوم واسع على بيونسيه من قبل مؤثرين وفنانين وأكاديميين من السكان الأصليين. وسط هذا الجدل الصاخب، طُمست هوية "جنود الجاموس". لكن من كانوا حقًا؟
من هم "جنود الجاموس"؟
"جنود الجاموس" هو لقب أُطلق على أعضاء الفوج العاشر من سلاح الفرسان في الجيش الأمريكي، والذي تأسس في سبتمبر 1866 في حصن ليفنوورث، كانساس. لاحقًا، شمل الاسم أيضًا الفوج التاسع من سلاح الفرسان والفوجين 24 و25 من المشاة.
وقد أطلق شعب كايووا — إحدى قبائل الأمريكيين الأصليين — هذا الاسم على الجنود السود، والسبب قد يعود إلى قوتهم وتحملهم في المعارك، أو لأنهم كانوا يغطّون أنفسهم بجلود الجاموس في الشتاء ليتدفأوا.
وتعد هذه الوحدات من أوائل الوحدات المتكاملة في الجيش الأمريكي والمؤلفة كليًا من جنود سود بعد الحرب الأهلية.
بعد الحرب: المشاركة في "غزو الغرب الأمريكي"
بعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1865، والتي أودت بحياة أكثر من 620 ألف شخص، كان على الجيش الأمريكي أن يعيد بناء قواته. وهنا بدأت مهمة "جنود الجاموس" في الجنوب الغربي والسهول الكبرى من البلاد، حيث أُوكلت إليهم مهمة تأمين "غزو الغرب" لصالح المستوطنين الأوروبيين، ما جعلهم في بعض الأحيان جلادين للشعوب الأصلية.
لكنهم لم يكونوا فقط جنودًا مقاتلين، بل أيضًا مهندسين وبنّائين، شيدوا الطرق وخطوط التلغراف، وعملوا مقابل أجر زهيد لا يتجاوز 13 دولارًا في الشهر، مدفوعين بأمل التحرر والاندماج.
وفي كتاب "جنود الجاموس في الغرب واستئصال السكان الأصليين" لماثيو مولين، نقرأ: "غالبًا ما استُخدموا في السيطرة على القبائل المعادية، واعتقال الثوار المكسيكيين، وقطاع الطرق، وسارقي الماشية. كما عملوا في رسم الخرائط، ومد مئات الأميال من خطوط الهاتف، وبناء وصيانة الثكنات العسكرية، بل والمساهمة في تأسيس قرى صغيرة تحولت لاحقًا إلى مدن. لقد قاتل جنود الجاموس من أجل كسب حريتهم، ودافعوا عن بلد وشعب لم يكونوا على دراية حتى بوجودهم".
أوسمة شرف... وتمييز عنصري
رغم تضحياتهم، ظل هؤلاء الجنود ضحايا للتمييز العنصري الممنهج، وتعرضوا في أكثر من مناسبة لأعمال شغب وعنصرية، مثل أعمال العنف في ريو غراندي عام 1899، وبراونسفيل عام 1906، وهيوستن عام 1917.
ومع ذلك، نال حوالي عشرين جنديًا من جنود الجاموس وسام الشرف الأمريكي، وهو أعلى تكريم عسكري في البلاد.
بوب مارلي يخلد ذكراهم
تأثر الموسيقي الجامايكي الأسطوري بوب مارلي بقصتهم، وخلّدهم في أغنيته الشهيرة "Buffalo Soldier" التي صدرت عام 1983. وفي كلماتها: "خُطف من إفريقيا، جُلب إلى أمريكا، قاتل منذ لحظة وصوله… قاتل من أجل البقاء… لقد كان جندي جاموس".
وفي يوليو 1992، وبعد أكثر من قرن على إنشائهم، افتُتح نُصُب تذكاري لجنود الجاموس في حصن ليفنوورث، في حفل ترأسه الجنرال كولين باول، رئيس هيئة الأركان الأمريكية حينها.
وهكذا، وبعد سنوات من التهميش والعنصرية، استعاد جنود الجاموس مكانتهم في ذاكرة الأمة… وإن كان ذلك بعد فوات الأوان.
"جنود الجاموس" لم يكونوا مجرد وحدة عسكرية، بل تجسيدًا لصراع مزدوج: القتال في ساحة المعركة، والنجاة من ظلم التاريخ.
ورغم الجدل الذي رافق ظهور اسمهم في حفل بيونسيه، ربما أعاد هذا الجدل تسليط الضوء على صفحة منسية في سجل نضال السود الأمريكيين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز