ذخيرة حرب أوكرانيا.. قشة نجاة "سرية" من أفقر دول أوروبا
من مكان غير متوقع، تدفقت شحنات الذخيرة لتغطي النقص الحاصل بصفوف الجيش الأوكراني وتمنحه قشة إنقاذ سرية وسط لهيب المعارك.
ففي الربيع الماضي، كان الوقود ينفد من الجيش الأوكراني والذخيرة السوفيتية اللازمة لقتال القوات الروسية، لكن جاء الخلاص من مكان غير متوقع "بلغاريا".
وبفضل سياستها الداخلية الممزقة – وميول كثير من نخبتها الموالية لروسيا – سعت صوفيا جاهدة على مدار الحرب لتأكيد عدم تسليحها لأوكرانيا، غير أن ذلك لم يكن سوى تمويه، بحسب صحيفة "فيلت" الألمانية.
وبفضل لقاءات حصرية مع وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، ورئيس الوزراء البلغاري السابق كيريل بيتكوف ووزير المالية بحكومته أسين فاسيليف، رسمت الصحيفة اليومية صورة عن كيف زودت بلغاريا بالإمدادات الحيوية من الأسلحة والذخيرة والوقود في منعطف حاسم من القتال العام الماضي.
وبينما حاول بيتكوف، الذي كان رئيس وزراء بلغاريا عند اندلاع الحرب، سحب البلد باتجاه مسار أكثر تقاربا من الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تعين عليه التعامل مع ردود الفعل القوية من الساسة الموالين للكرملين، وبينهم شركاؤه بالائتلاف، الاشتراكيين، ممن يخلفون الحزب الشيوعي القديم.
وبلغ الأمر درجة طرد وزير دفاعه بسبب ترديده ما تقوله روسيا عن الحرب. وعلانية، على الأقل، سعى بيتكوف لاستبعاد فكرة أن بلغاريا – على الرغم من مخزوناتها من الأسلحة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية - ستسلح أوكرانيا.
وبالنظر إلى تلك الجوانب الحساسة، سيضع النهج الرسمي لبلغاريا تجاه الحرب البلد في السلة ذاتها مع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان.
دور حقيقي
لكن خرج بيتكوف وفاسيليف، وهما الآن سياسيان معارضان يسعيان للعودة إلى السلطة في الانتخابات المقبلة المتوقعة، عن صمتهما بشأن الحجم الحقيقي لدور بلغاريا الربيع الماضي.
وفي حين وصف الحزب الاشتراكي في صوفيا تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة البلغارية بـ"خط أحمر"، تجنب مسؤولو بلغاريا المعاملات بين الحكومات واستخدموا شركات وسيطة في بلغاريا وبالخارج لفتح مسارات الإمدادات جوا وبرا عبر رومانيا، والمجر وبولندا.
وقال بيتكوف لـ"فيلت": "نقدر أن حوالي ثلث الذخيرة التي احتاجها الجيش الأوكراني بالمرحلة الأول من الحرب جاءت من بلغاريا".
وعلى نفس القدر من الحساسية، كان الوقود الذي أرسلته بلغاريا إلى أوكرانيا معالجا من النفط الخام الروسي بأحد مصافي التكرير في البحر الأسود، والتي كانت حينها مملوكة للشركة الروسية "لوك أويل".
وقال وزير المالية السابق فاسيليف: "أصبحت بلغاريا أحد أكبر مصدري الوقود إلى أوكرانيا وفي بعض الأحيان غطت 40% من احتياجات أوكرانيا".
وأكدت الحكومة في كييف تلك الرواية للأحداث، حيث قال كوليبا لـ"فيلت" إن بلده كانت عرضة لخطر نفاذ الذخيرة في أبريل/نيسان الماضي، مضيفا: "علمنا أن المستودعات البلغارية لديها كميات كبيرة من الذخيرة الضرورية لذا أرسلني الرئيس [فولوديمير] زيلينسكي للحصول على المواد اللازمة".
وأوضح كوليبا أنها كانت مسألة "حياة أو موت" حينها، لأنه بدون ذلك كان لتسيطر روسيا على مزيد من القرى والبلدات. وأمام طلبات كييف، قال كوليبا إن بيتكوف رد بأن الوضع الداخلي لديه "لم يكن سهلا" لكنه سيبذل "كل ما في وسعه".
خطة بيتكوف
في 25 فبراير/شباط الماضي، أي بعد يوم من بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أكد بيتكوف، خلال اجتماع غير رسمي للمجلس الأوروبي في بروكسل، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ربما يكون أمامه أقل من 48 ساعة للبقاء على قيد الحياة، وأنه على قائمة الاغتيالات الروسية.
واعتبر أنه يتعين على المجلس اتخاذ قرارات صارمة بشأن العقوبات فورا. وفي النهاية دعمت المفوضية الأوروبية تلك الخطوات.
وفي الوقت نفسه، حضر فاسيليف اجتماعا لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي في باريس. وألقى خطابا ودعا إلى قرارات فورية.
وأكد المشاركون في الاجتماع لـ"فيلت" أن الوزير البلغاري غيّر مزاج المندوبين المجتمعين. وبعدها بيومين، طبقت بروكسل تلك التدابير. وفي الدوائر الأوروبية، وصفت بـ"المقترح البلغاري".
وفي 19 أبريل/نيسان، قبل فترة قصيرة على زيارة بيتكوف إلى كييف، سافر كوليبا إلى صوفيا، مع بدء مرحلة جديدة غامضة من الحرب. وكان القتال محتدما، بحسب كوليبا، لدرجة أن أوكرانيا كانت في أمس الحاجة إلى تجديد مخزونها، لاسيما الذخيرة السوفيتية الصنع.
كما أرسلت بلغاريا الديزل إلى قوات أوكرانيا. ويتذكر فاسيليف اجتماع للبنك الدولي في واشنطن في الربيع. وهناك، بحسب قوله، أخبره مسؤول أوكراني بأن الوقود ينفذ لدى القوات في كييف. وكان لبلغاريا مصفاة تكرير قرب بورغاس على البحر الأسود، والتي تشغلها شركة تابعة لمجموعة لوك أويل الروسية وتزودها ناقلات النفط من روسيا.